لبنان :كارثة ستكون مفاعيلها أكبر بكثير من مفاعيل انفجار المرفأ!

كتب في “الجمهورية”: إذا كان أهل السلطة لا يعرفون حجم الكارثة المتأتية عن تخريب العلاقة بين لبنان وبلدان الخليج، ولا يفعلون شيئاً، فتلك مصيبة. وإذا كانوا يدركون ذلك ولا يَكترثون، فالمصيبة أعظم. بل، سيكون مُبرَّراً القول: إنّ هؤلاء يتآمرون، لا لمصلحة محورٍ إقليمي معيّن فحسب، بل أيضاً لمصلحة اسراءيل.

يضحك الإسرائيليون طويلاً وهم يرصدون وضع اللبنانيين في الخليج. لقد انتظرت اسراءيل طويلاً لحظة التخلُّص من هذا المنافس التاريخي «الثقيل الدم»، الذي اكتسب ثقة العرب والمسلمين، واعتمده الغرب محطة آمنة على بوابة الشرق، فيما كانت هي غارقة في الحروب وتطمح إلى أن تصبح مقبولة في محيطها.

على مدى 7 عقود، خطّط الإسرائيليون ليأخذوا مكان . وأُغرِق في حروب واحتلالات انخرط فيها العرب بأسوأ الأدوار التآمرية. وفي المرحلة السورية، مُنِع من استعادة موقعه، كمصرف الشرق الأوسط ودماغه ومصنعه ودار نشره ومستشفاه وجامعته ومدينته الإعلامية ومنتجعه السياحي.

خلال هذه الفترة، استثمرت بلدان  آلاف مليارات الدولارات الآتية من النفط لتحقيق الازدهار. لكن، عملية الحفر في الصخر هي تلك التي كانت تقوم بها  وجعلتها قوة إقليمية عظمى.

قوة ليست مبنية على القوة العسكرية، وترتكز إلى اقتصاد وثقافة أساسهما البحث العلمي. ووفقاً للبنك الدولي،  هي الأولى عالمياً من حيث تمويل الأبحاث، نسبةً إلى الدخل القومي. وهنا ربما تكمن هزيمة الكبرى.

مَن المسؤول عن انهيار  في لحظة صعود وتوسُّعها؟

لقد تحكَّم طاقم فاسد وقصير النظر، اضطلع بدور الوكيل للخارج. وتحت الوصاية السورية، تمّ تركيب طبقة أشدّ سوءاً، ولا هَمّ لها سوى النفوذ ونهب الدولة. ومع خروج السوريين في 2005، ثبّتت هذه الطبقة سيطرتها ومَنعت التغيير. ولهذه الغاية، لعبت الأوراق الطائفية والمذهبية.

كان السوري «يركِّب الوكلاء» ويقول لهم: خذوا من المكاسب ما شئتم واحسبوا حسابي، واتركوا لي القرار السياسي والعسكري والأمني. وبعد 2005، ورث «حزب الله»، أي، موقع سوريا في اللعبة. وهذه المعادلة هي التي دمَّرت البلد.

 اليوم، يدخل الشرق الأوسط مرحلة مصيرية. وفيما يتلاشى اقتصادياً ومالياً ونقدياً ويتعرَّض لعقوبات الأميركيين وحصار العرب بسبب استعدائه لهم لمصلحة، فتح الإسرائيليون باب التطبيع على مصراعيه.

الإسرائيليون يرسمون مع الدول العربية التي يطبِّعون علاقاتهم معها مستقبل الجانبين لعشرات السنين الآتية، وينخرطان معاً كشركاء في امتلاك الكثير من المؤسسات والمشاريع والمرافق أو إدارتها.

في يعمل أكثر من 400 ألف لبناني. وهناك قرابة 200 ألف لبناني آخرين يتعاطون مع مؤسسات خليجية، من الخارج، أو يتعاونون معها. وهؤلاء جميعاً يعملون في هذه القطاعات التي يدخل عليها الإسرائيليون بشكل متسارع. فهل سيتعاطون مع الأمر الواقع؟

قد يكون مطلوباً من اللبنانيين، وتالياً من حكومتهم، أن يعلنوا أنّهم ليسوا ضد التطبيع، أو أنّهم معه، ليحافظوا على مواقعهم. لكن أي لبناني يؤيّد التطبيع يُصنَّف اليوم خائناً. وفقط يصبح وطنياً إذا وجدت، ذات يوم، أنّ التطبيع يناسب مصالحها.

إذاً، اللبنانيون العاملون في الخليج أو مع مؤسسات خليجية بدأوا مواجهة خيار صعب. وهؤلاء يساهمون في إعاشة أكثر من مليون لبناني بات كثير منهم تحت خط الفقر، أي، قرابة ربع اللبنانيين. فأي كارثة ستقع إذا بدأ يستقبل مواكب أبنائه العائدين من الخليج، حيث حوّلوا الصحراء جنةً، إلى الجنّة التي صارت صحراء؟

يجدر أن يعترف بأنّ دول حاولت مساعدته دائماً، ولا تزال، لكن السلطة هنا تردّ الجميل بالوقوف مع وتحويلات اللبنانيين من الخليج، التي كانت تناهز الـ4 مليارات دولار سنوياً، يُقال إنّها انخفضت إلى النصف. وهذا مبلغ يبقى حيوياً جداً لبلد مُنهار. ولكن، ماذا سيبقى من الدولارات إذا نفَدَ صبر الخليجيين؟

كل هذا يجري فيما بدأت تحقِّق حلمها التاريخي بالتوسّع في البيئة العربية، بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وحتى الصين، التي لا تستطيع تنفيذ طريق الحرير من دون تطبيع يربط الخليج، ويربط تركيا أيضاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى