القاعدة البحرية الروسية رسالة لأردوغان!
تناول موقع “المونيتور” الأميركي إعلان روسيا التوصل إلى اتفاق مبدئي مع السودان لبناء قاعدة دعم تقني – فني بحرية للأسطول الروسي في مدينة بورتسودان الساحلية المطلة على البحر الأحمر، متسائلاً عما إذا كانت القاعدة البحرية الروسية في السودان بمثابة رسالة لتركيا والرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
في تقريره، عدّد الخبير الروسي أنطون مارداسوف العوامل التي تسلّط الضوء على جدية روسيا في توسيع حضورها في المنطقة.
أولاً، تطرّق مارداسوف إلى قدرات روسيا الاقتصادية والعسكرية واللوجستية المقيّدة، موضحاً أنّه لم يتم الكشف بعد عن تفاصيل محددة في ما يتعلق بالوجود الروسي في البحر الأحمر. وفي حين بيّن الخبير أنّ نوع القاعدة الروسية ما زال مجهولاً، تساءل عما إذا كانت موسكو تنوي بناء منشأة واسعة النطاق تضم بنية تحتية لأغراض عسكرية، أو أنّ القاعدة الجديدة عبارة عن “لعبة علاقات عامة”، فحسب. في السياق نفسه، تحدّث مارداسوف عن العقبات المحتمل أن تقف أمام نشر المنشأة بشكل سريع، مشيراً إلى أنّ وسائل حمايتها مثل منظومات الدفاع الجوي، يمكن أن تسلّم عبر طريقتيْن: جواً إلى بورتسودان عبر قاعدة حميميم في سوريا، أو بحراً. وهنا، أشار الخبير إلى عدم وجود سفن مخصصة للسفر البعيد في متناول روسيا “حتى لو أخذنا بالاعتبار إمكانية استخدام سفن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس”. مارداسوف الذي توقّف عند ارتفاع تكاليف موارد الطاقة وحاجة المنشأة إلى شحن الوقود من روسيا، لم يغفل الوضع السياسي غير المستقر في البلاد، مشدداً على ضرورة التفات موسكو إلى احتمال اندلاع نزاع واسع النطاق في البلد الأفريقي.
ثانياً، سلّط الخبير الروسي الضوء على تنافس روسيا مع غيرها من اللاعبين في الإقليم، موضحاً أنّ الصين، بشكل خاص، توسع تأثيرها في المنطقة، حيث أحضرت مبادرة “حزام واحد طريق واحد” إلى بلدان أفريقية. توازياً، لفت مارداسوف إلى أنّ وسائل إعلامية روسية راديكالية تشير إلى أنّ القاعدة الروسية في السودان تمثّل خطوة مناوئة لتركيا. وكتب الخبير: “انطلاقاً من وجهة النظر هذه، أتت روسيا بقرارها إنشاء المنشأة البحرية في حين ما زالت أنقرة تصارع لاستعادة نفوذها بعد الإطاحة بعمر البشير”، مضيفاً: “نتيجة لذلك، لم تتمكن تركيا من بناء قاعدتها البحرية الخاصة في البلاد، لأسباب أقلّها علاقة الخرطوم النامية مع الإمارات ومصر بعد الثورة”. وتابع: “لو كانت تركيا قد أنشأت المنشأة، لكانت ساعدتها على بسط نفوذها بفاعلية أكبر جنباً إلى جنب مع المنشآت التركية في قطر والصومال”، لافتاً إلى أنّ الموقف التركي الرسمي ينفي التقارير الخليجية المتحدّثة عن خطط عسكرية تركية في السودان.
وانطلاقاً من تباينات المواقف الروسية-التركية في المنطقة، مثل ليبيا، حيث تدعم موسكو قائد الجيش “الوطني الليبي” خليفة حفتر (تربطه علاقات مع مصر والإمارات والسعودية) مقابل دعم أنقرة لرئيس حكومة “الوفاق” فائز السراج، أبرَزَ الخبير الروسي العامل التركي على هذا المستوى، فلم يستبعد إمكانية تأثيره في السلوك الروسي “إلى حدّ ما على الأقل”. وفي هذا السياق، نقل مارداسوف عن خبراء عدم استبعادهم الترجمة العملية للعبارة الواردة في الاتفاقية الروسية-السودانية والقائلةً: “يجوز للجانب السوداني نفسه استخدام المنشأة مرفقاً لإرساء البحرية الروسية”. وهنا أوضح الخبير أنّه في حال منحت موسكو هذا الحق للجانب السوداني، فيمكن أن يعني ذلك إمكانية استخدام المنشأة على يد سفن حربية تابعة لقوى أجنبية أخرى، مثل مصر، بحسب ما كتب.
وفيما بيّن مارداسوف أنّ بورتسودان يقع قبالة مكة، أوضح أنّه يمكن اعتبار تحركات موسكو “مزعزعة للاستقرار”، لا سيما أنّ روسيا قد تعمد إلى نشر أصول للاستطلاع وقوات خاصة وشركات عسكرية خاصة في المنشأة، كما يتوقع خبراء؛ علماً أنّ المرتزقة الروس متواجدون في السودان، بل يُرجح أن ترتفع أعدادهم، بحسب ما قال الخبير.
ثالثاً، تطرّق مارداسوف إلى علاقة السودان بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيراً إلى أنّ فكرة بناء المنشأة الروسية على البحر الأحمر اكتسبت زخماً بالتزامن مع وعود ترامب بحذف اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وذلك قبل أن يعمد إلى تمديد حالة الطوارئ الوطنية في ما يتعلق بالسودان لعام بعد تنازلات الخرطوم، بما يشمل تطبيع العلاقات مع الاحتلال. وعليه، اعتبر الخبير الروسي أنّه من المنطقي الافتراض بأنّ السودان قد تبدي استعداداً في المستقبل لاستخدام علاقاتها مع روسية ورقة ضغط في علاقتها مع الولايات المتحدة، إذا ما وافق بايدن على رفع العقوبات القائمة حالياً. وكتب الخبير: “قد يقرر السودان التراجع عن قراره بشأن القاعدة العسكرية، على الرغم من اهتمام الخرطوم في الحصول على معدات عسكرية من روسيا”.
مارداسوف الذي ربط بين الأنشطة الروسية ورغبة موسكو في إظهار قوتها في مواجهة الولايات المتحدة، رأى أنّ فريق بايدن سيكون عاجزاً عن تفادي مسألة علاقات واشنطن مع الخرطوم، مشيراً إلى أنّه ستيعين عليه، على الأقل، محاولة حث الدول العربية لتطبيع العلاقات. واستناداً إلى ما ذكره، خلص الخبير الروسي مؤكداً أنّ السؤال يصبح متمحوراً حول استعداد موسكو، مثل السودان، لاستخدام قاعدتها الجديدة ورقة ضغط في المشهد السياسي الدولي.