انتهى زمن سياحة الأعياد في الاتجاهين
شطب اللبناني السياحة من هواياته، فهو من جهة لا يملك الدولار للسفر وبطاقاته الائتمانية غير صالحة للاستعمال خارج لبنان، ومن يملك بعض المال، يفضّل الاحتفاظ به تحسباً للأسوأ الأتي.
صحيح انّ كورونا كانت السبب الرئيسي وراء تراجع حركة الطيران والسياحة بين دول العالم، لكن في لبنان الأسباب تختلف. فالتدهور السياحي مردّه أولاً الى الأزمة المالية والاقتصادية الحادّة التي تمرّ بها البلاد، والتي أدّت الى تحويل كل الودائع بالعملات الصعبة الى عملة محلية لا تصلح للاستعمال خارج لبنان، ولا حتى البطاقات الائتمانية التي تراجع سقفها في غالبية المصارف الى 10 دولارات. وإذا كان السفر متعذراً فكيف حال حركة الواصلين؟ وما وضع القطاع؟
يؤكّد نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود، تراجع حركة السياحة الى لبنان بشكل ملحوظ، خصوصاً اذا ما قارناها مع الفترة نفسها من العام الماضي. وأوضح لـ«الجمهورية»، انّه وبسبب موسم الأعياد، ارتفع عدد الواصلين الى لبنان منذ مطلع الشهر الى نحو 3500 شخص يومياً، مقارنة بـ 14 الف راكب كانوا يصلون الى لبنان في الفترة نفسها من العام الماضي، ما يعني انّ الحركة تراجعت حوالى 80 في المئة.
وقال: «هذا التراجع في حركة السفر لا يقتصر فقط على لبنان، فكما بات معلوماً، تراجعت حركة اشغال الطيران كثيراً هذا العام بسبب كورونا، فالشركة التي تملك 1000 طائرة لا تشغّل منها حالياً اكثر من 300، أما مطار بيروت فيعمل بـ25% من طاقته التشغيلية، والشركة التي كانت تسيّر طائراتها 8 مرات في الأسبوع قلّصت عدد رحلاتها الى 2 أسبوعياً، وهذا دليل حسّي على تراجع حركة الوصول».
وشرح عبود، انّ «كورونا هي السبب وراء تراجُع حركة الطيران في العالم انما في لبنان الأمر مختلف، فهذه الجائحة ليست السبب الرئيسي والوحيد لهذا التدهور انما تُضاف اليها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يمرّ بها البلد، والأوضاع الأمنية غير المُطمئنة. كذلك هناك العامل النفسي الذي يلعب دوراً مهماً، فاللبنانيون قلقون على بلدهم الذي اصبح في الحضيض، ورغم ذلك لا تنتهي النزاعات السياسية التي أفقدت اللبنانيين عامل الثقة. فمن يقطن في لبنان ضاق ذرعاً بالأوضاع، فكيف حال المغترب؟». ورداً على سؤال، أكّد عبود انّ المغتربين وراء حركة السفر الناشطة حالياً وليس السياح، لاسيما أولئك الذين يعملون في دول قريبة من لبنان مثل دول الخليج والسعودية. كذلك هناك حركة من مغتربي افريقيا، أما المغترب الى بلادٍ بعيدة مثل الدول الأوروبية وأميركا وكندا وأستراليا فهو لا يزور لبنان راهناً.
وعمّا اذا كانت حركة المغادرة أكبر من اعداد القادمين، قال: «اغلبية اللبنانيين ما عادت قادرة على تحمّل تكاليف السفر، فهم لا يملكون المال ليدفعوا ثمن التذكرة، خصوصاً بعدما أصبحت بالدولار».
أضاف: «تراجعت حركة المغادرة بشكل ملحوظ، لافتاً الى انّ غالبيتهم من رجال الاعمال المضطرين للسفر»، كاشفاً انّ الحركة الأبرز تتمثل بمغادرة العمال الأجانب والخادمات، وهذا عامل سلبي، كونه يعكس عدم قدرة اللبنانيين على تحمّل هذا النوع من المصاريف.
وعن حركة سياحة اللبنانيين الى الخارج يقول عبود: «حتى العام 2019 كانت السياحة الصادرة ناشطة جداً، لاسيما الى كل من تركيا واليونان، حيث كان يسافر سنوياً نحو 600 الف لبناني الى الخارج ويصرفون ما بين 4 الى 5 مليارات دولار سنوياً، لكن مع تعثر الأوضاع المالية وعدم قدرة اللبنانيين على استعمال أموالهم العالقة في المصارف توقفت هذه الحركة كلياً. في مثل هذه الفترة من الأعوام السابقة كانت تعمل ما بين 40 الى 50 طائرة «تشارتر» من لبنان الى تركيا واليونان وغيرهما، أما هذا العام فكل شيء تغيّر بحيث انّ أحداً من وكلاء السفر لم يستقدم ولا حتى طائرة «تشارتر» واحدة لأنّ الطلب معدوم. فمن كان يصرف 1000 دولار في السفر بات يتجه نحو توفيره لأولويات أخرى».
هذا التراجع في حركة السياحة الخارجية كانت له تداعياته على قطاع السياحة والسفر، وفي السياق يقول عبود: «لا شك انّ هذه الأوضاع أثّرت سلباً على القطاع، بحيث تراجع عدد وكالات السفر المنضوية في منظمة الطيران الدولي «اياتا» من 220 الى 160 وكالة، وهذه الوكالات تعمل اليوم بنحو 10% من موظفيها، لأنّ مجمل حجم الاعمال لا يشكّل أكثر من 10% مقارنة مع الفترات السابقة. وعليه، فإنّ كل وكالة سفر باتت تتأقلم مع وضعها وحجم اعمالها في السوق»، خاتماً: «نحن نتجّه في هذا البلد الى الخراب وتفاقم المشاكل الاجتماعية»