موقوفو طرابلس في “العسكرية”: ملفاتُنا فارغة!
أكثر من أسبوعين مرّا على أحداث طرابلس التي بلغت ذروتها ليل 28 كانون الثاني الماضي بإحراق مبنى البلدية وقسم من المحكمة الشرعية السنّية و”إغراق” سراي طرابلس بالقنابل اليدوية الحربية.
عشرات الإصابات سجّلت في صفوف القوى الأمنية المولجة حماية المدينة، إضافة إلى الإصابات التي طالت المشاركين في التظاهرات بفعل المواجهات مع القوى الأمنية والعسكرية وانتهت بمقتل الشاب عمر طيبة.
وفق المعلومات، خفّف الجيش من تعزيزاته الأمنية التي اتخذها إبان أحداث طرابلس لكنه في جهوزية دائمة تحسّباً لأي تحرّكات محتملة.
وبانتظار تحديد المسؤولين الحقيقيين عن عمليات الحرق والتخريب، إن على مستوى المنفّذين أو المخطّطين، نفّذ أمس أهالي الموقوفين للمرّة الثانية تحرّكاً أمام المحكمة العسكرية للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم، فيما شهد التحرّك الأول في الثامن من شباط محاولة لاقتحام مقرّ المحكمة العسكرية ما أدّى إلى اشتباك بين الطرفين.
وأفادت مصادر عسكرية في هذا السياق إلى “تعليمات واضحة بعدم التعرّض إطلاقاً للمعتصمين والحفاظ على سلمية التحرّك. لكن قبل أيام جرت محاولة حقيقية لاقتحام مقرّ المحكمة وتَعرّضَ العناصر المولجين بالحماية للسباب والشتم والاستفزاز ورمي القناني عليهم”.
أغلب التوقيفات في أحداث طرابلس قامت بها مديرية المخابرات في الجيش وأحالتها على دفعات إلى النيابة العامة العسكرية، آخرها صباح الخميس عبر إحالة ستة متّهمين بأعمال الشغب وبالتعدّي على الأملاك العامة والخاصّة، ومن ضمنها إحراق مبنى بلدية طرابلس ومحاولة اقتحام السراي، فيما تتابع المخابرات وشعبة المعلومات توقيف باقي المتورطين.
وتفيد المعلومات بأنّ النيابة العامة الاستئنافية أحالت يوم الثلاثاء إلى شعبة المعلومات ملفّ إحراق مبنى البلدية وهي تتابع تحقيقاتها في الموضوع.
وقد بلغ عدد الموقوفين حتّى الآن في المحكمة العسكرية 24 موقوفاً. وأحال مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالوكالة القاضي فادي عقيقي الدفعة الأولى من الموقوفين إلى قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل الذي بدأ أمس باستجوابهم، بحضور محاميهم، حتّى ساعات الليل، وقد أصدر مذكرات توقيف بحق 11 موقوفاً، وأخلى سبيل اثنين بانتظار موافقة القاضي عقيقي. وفي حال استئناف الأخير القرار، فعلى محكمة التمييز البتّ بالأمر. أما الموقوف محمد قاسم فلم يحقق القاضي باسيل معه قبل التأكّد من عمره، وإذا كان قاصراً فسيتطلّب الأمر حضور مندوبة الأحداث. وهناك ستة موقوفين لم يستجوبهم بعد.
ووفق المعلومات، ادّعى القاضي عقيقي على بعض الموقوفين بجرائم جنائية تصل عقوبتها إلى المؤبد، خصوصاً لجهة الاتهام بمحاولة القتل. إضافة الى تهم النيل من سلطة الدولة وهيبتها والتعرّض لمؤسساتها المدنية والعسكرية والمالية والاقتصادية والتي لا تقلّ عقوبتها عن الأشغال الشاقة 10 سنوات.
وتُوجّه لجنة المحامين للدفاع عن الموقوفين اتهامات إلى الأجهزة الأمنية بمنع إطلاعهم على ملفات هؤلاء والاتهامات المساقة ضدهم ومنعهم من حضور التحقيقات وفق المادة 47 المعدّلة من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي توجب حضور محامٍ خلال التحقيقات الأولية وتصويرها بالصوت والصورة، إضافة إلى اتهام ناشطين حقوقيين للأجهزة بالإخفاء القسري للموقوفين وتعذيبهم والتعتيم على أوضاعهم. حتّى أن بعض المحامين يبرّر في تصريحاته مشروعية استعانة المتظاهرين بقنابل المولوتوف كون القانون لا يحظّر استخدامها، معتبرين أنّ “ملفاتهم فارغة ولا أدلة تدينهم”.
لكنّ مصادر أمنية تؤكّد لـ”أساس” أنّ “الموقوفين لدى مديرية المخابرات تمكّنوا جميعهم من التواصل مع أهلهم، كما تسنّى للمحامين أخذ المعلومات الكافية عنهم بعد إحالتهم الى القضاء. ويوم أمس حضر عدد من المحامين جلسات التحقيق مع الموقوفين. وحالياً ليس هناك أي موقوف لدى المخابرات باستثناء موقوف واحد لصالح النيابة العامة العسكرية وتبيّن لدى توقيفه أنّه مصاب بكورونا وتمّ فصله عن الآخرين وبعد تعافيه سيحال إلى القضاء”.
وتؤكّد المصادر أنّ “هناك حملة مُمنهجة في وجه عمل الأجهزة الساعية لضبط الأرض ومنع الفلتان الأمني مع إتاحة التظاهر بشكل سلمي وحماية المتظاهرين والأملاك العامة والخاصة”، نافية “حصول أي عمليات تعذيب وهو الأمر الذي سيكون متاحاً التأكّد منه إما مع إخلاء سبيل قسم من الموقوفين أو لدى معاينتهم طبياً”.
وتضيف المصادر: “هناك مسؤولون عن إحراق مبنى البلدية وإحراق المحكمة الشرعية في طرابس وإحداث شغب كاد يؤدّي إلى مقتل عسكريين باستخدام قنابل يدوية، فهل المطلوب التغاضي عن هذه الارتكابات التي وصلت إلى حدّ محاولة القتل”، مؤكّدة أنّ “أكثرية الموقوفين تمّ تحويلهم فوراً وفي اليوم نفسه إلى القضاء العسكري، ولم يتمّ تخطي المهلة القانونية بالتوقيف أي 48 ساعة، وحصلت استثناءات قليلة بالتمديد للمهلة لتصل إلى أربعة، وفق ما يسمح به القانون، في ما يتعلق فقط ببعض المتّهمين”.
وتحت هاشتاغ “لا للاعتقال التعسفي” نشرت مجموعات الثورة أسماء 22 موقوفاً لدى القضاء العسكري بينهم شاب قاصر هو علاء كمون.
وأمس أعلن حزب سبعة، الذي أوقف عدد من ناشطيه، أنّ “التحرّكات أمام المحكمة العسكرية لن تتوقف قبل إطلاق جميع الموقوفين”، مؤكّداً أنّ “التوقيفات سياسية”. وقد أشار في بيان سابق إلى أنّه “لم يشارك تنظيمياً ولوجستياً في التحرّكات، ومشاركة بعض مناصريه أتت فردية وشخصية”.
لكن كل ذلك لا يحجب الأساس: طرابلس، المدينة الأفقر على البحر المتوسط، تئنّ من معاناتها المزمنة. مع إقفال عام ومن دون lockdown الأمر سيّان. طرابلس متروكة لقدرها.
وسأل رئيس حزب سبعة جاد داغر عبر “أساس”: “أين الاثباتات على الاتهامات الموجّهة إلى الناشطين في صفوفنا”، مؤكّداً أن “لا علاقة لنا بالتخريب وأعمال الحرق وإلقاء قنابل يدوية. هذه أحداث خطرة وإذا ثبت أن أحدهم فعل ذلك فليسجن”.
وأضاف: “هناك أقل من 2% من المشاركين في التظاهر ارتكبوا اعتداءات صريحة، وإذا وُجِدَ من تحمّس ورمى حجارة لا يمكن مساواته مع من أحرق وخرّب”، محذّراً من “مخطّط لتشوبه صورة مجموعات الثورة، ولدينا شك بأنّ الأجهزة الأمنية تفعل ذلك”.
وفي مرحلة هي الأصعب والأخطر على مستوى الوضع المالي والاجتماعي في لبنان قد تجد الكثير من القوى السياسية في طرابلس الأرض “أداة” لتوجيه الرسائل من خلالها، مع احتمال دخول “طوابير” على الخطّ لحرف الاحتجاجات عن مسارها.
وحتّى الآن لم تقدّم التحقيقات صورة شافية عمّا حصل في ليالي طرابلس “الحارقة” مع تسليم كثيرين بأنّ الوضع الاقتصادي المزري بات مادة لاشتعال الأرض يومياً والفقير أو المُعدم لا يحتاج إلى محفّز أو مالٍ ليتمرّد على واقع البؤس والتخلّي الكامل للسلطة السياسية عن مسؤولياتها.
ملاك عقيل – اساس ميديا