خطأ قد يشعل الحرب… “كارثة ربما تكون أكبر من كارثة 2006”
عادةً، لا أحد يولي أهمية تُذكَر لكلام الحرب بين إسرائيل و»حزب الله» في الجنوب. فالإقتناع السائد هو أنّ أياً من الطرفين ليس مستعداً لخوض مغامرة غير محسوبة، وأنّ التهديدات بينهما تندرج غالباً في سياق الرسائل المتبادلة. ولكن، في اللحظة الإقليمية- الدولية الحاضرة، هل يؤدي تقاطع المصالح أو تنافرها إلى اندلاع حرب؟
لم تنطلق ماكينة الإدارة الأميركية الجديدة في اتجاه الشرق الأوسط حتى الآن. لكن المفارقة هي أنّ إدارة جو بايدن «الهادئ»، وقبل أن تتحرّك، زرعت القلق لدى غالبية القوى الشرق أوسطية التي كانت مطمئنة خلال ولاية دونالد ترامب «الصاخب».
لا يقتصر القلق على «الخصوم» الإيرانيين، بسبب عدم حصولهم على إشارات إيجابية من بايدن في مسألة الاتفاق النووي ومسائل التسلّح والتوسّع، بل شمل أيضاً غالبية الحلفاء:
1- الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خسر صديقاً شخصياً برحيل ترامب، وحلّ مكانه رئيس معروف بتعاطفه مع الأكراد بدرجة عالية، وسيكون دقيقاً في التعاطي مع طموحات أنقرة التوسعية في المتوسط والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسيرفض استفزاز تركيا للحلفاء الأوروبيين في الأطلسي، ولاسيما فرنسا.
2- الرياض التي ستبقى حليفاً قوياً لواشنطن، ولكن بعد حوار حول مسائل عدة.
3- إسرائيل التي تطمئنّ إلى بايدن كما إلى أي رئيس أميركي، لجهة مراعاة مصالحها الحيوية. لكنها بالتأكيد خسرت اندفاعة ترامب غير المحدودة في دعم خيارات رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، الذي يعيش مرحلة داخلية حسّاسة، سياسياً وقضائياً، مع اقتراب الانتخابات العامة الرابعة خلال عامين، والمقررة في 23 آذار المقبل.
ثمة مَن يعتقد أنّ مناخات القلق هذه، قد تدفع بعض القوى الإقليمية إلى الدخول في مواجهات معينة لإثبات الوجود وفرض معطيات جديدة. وهذا تحديداً مكمن الخطر في لبنان، حيث يتقاطع طرفان إقليميان محشوران في الوقت الحاضر: إيران وإسرائيل، وقد يحاول أي منهما إحداث متغيّرات على الأرض تخدم مصالحه.
في نظر بعض الخبراء، سيخوض الإيرانيون في المرحلة المقبلة حرب وجود في لبنان، كما في سوريا، لأنّ إسرائيل مصرَّة على إبعاد صواريخهم عن حدودها ضمن مسافة تعتبرها آمنة. وهي طلبت من الروس أن يُبعدوا إيران عن حدودها في الجولان شمالاً، وفعلوا. وقد يضطلع الروس لاحقاً بدور أوسع في إبعاد النفوذ الإيراني هناك.
طبعاً، سيقاتل الإيرانيون دفاعاً عن حضورهم في سوريا، خصوصاً أنّ ذلك سيعني قطع طريق إمداداتهم إلى لبنان. ومواقف «حزب الله» واضحة وحازمة في هذا الشأن. ولكن، هل الإسرائيليون في صدد الاستعداد لمعركة تهدف إلى إبعاد النفوذ الإيراني عن حدودهم مع لبنان أيضاً؟
قبل يومين، هدَّد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بأنّ هناك «ثمناً باهظاً» سيدفعه اللبنانيون، إذا اندلعت معركة على الجبهة الشمالية، بسبب أسلحة «حزب الله» «المنتشرة في التجمعات المدنية». وقال: «على الحكومة اللبنانية أن تعلم ذلك وتتحمّل المسؤولية».
وفي الموازاة، نفَّذ الإسرائيليون مناورة تحت اسم «عاصفة الرعد» على حدودهم مع لبنان، وحدّدوا هدفها بـ»تعزيز الجاهزية القتالية» في تلك البقعة. ويُخشى من مواجهة بين إيران وإسرائيل ربما تتحضّر ظروفها وتتكامل عناصرها في لبنان.
وحتى اليوم، هناك مبرِّرات وعناوين قد تُتَّخذ لإطلاق المواجهة، وهي معروفة:
1 – مخازن صواريخ «حزب الله» ومصانع الرؤوس الدقيقة التوجيه، والتي تقول إسرائيل إنّها موجودة في الداخل، من العاصمة وضاحيتها وصولاً إلى الجنوب.
2 – الأنفاق التي تقول إنّ «حزب الله» حفرها على الحدود الجنوبية.
3 – شحنات السلاح والذخائر الآتية من سوريا إلى لبنان.
4 – الإشكالات على الحدود البرية، بدءاً من مزارع شبعا، والتي قد تنطلق محدودةً وتنتهي بحرب واسعة.
5 – تطوّرات الخلاف في مفاوضات الناقورة والصراع على مخزونات الغاز في المتوسط. وهذه النقطة شهدت تطورات جديدة في الأيام الأخيرة، إذ ردّ الإسرائيليون على الموقف اللبناني بخرائط «تجتاح» مساحة الـ865 كيلومتراً التي كانت أساساً منطلقاً للتفاوض، قبل أن يُخرِج الجانب اللبناني خريطته التي تطالب بنحو1400 كيلومتر إضافية.
و«الإجتياح» الإسرائيلي لهذه المساحة ظهر في الخريطة الجديدة التي أصدرتها وزارة الطاقة الإسرائيلية حديثاً، للبلوك 72 الإسرائيلي، والتي تبتلع مساحات من البلوكين 8 و9 اللبنانيين. والخريطة توحي برغبة إسرائيل في الضغط على المفاوض اللبناني للتراجع، لكنها قد توحي أيضاً ببداية مواجهة.
سيكون لبنان في موقع حرج بين التخلّي عن منطقة يعتبرها حقّاً له أو الرفض وتفجير أزمة. وفي الموازاة، ستكون لـ»حزب الله» حُجَّة لترجيح كفة الخيار الذي تتخذه الدولة، أو حتى لاتخاذ القرار بمعزل عن الدولة.
وستكون المشكلة الأساسية هي الآتية: هل تحلّ الدولة اللبنانية مشكلتها بناء على ميزان الربح والخسارة بالمعيار اللبناني، أم إنّ معيار الصراع الأميركي- الإيراني، والإسرائيلي- الإيراني، هما اللذان سيتحكمان بالقرار اللبناني، وبناء على مصالح إيران الإقليمية؟
والأخطر أن تكون المواجهة مناسِبة لنتنياهو. وفي هذه الحال، سيشجع اندلاعها، مستخدماً كل أوراقه.
وبين إيران وإسرائيل، قد يدفع لبنان ثمن المواجهة باهظاً. وأي خطأ في الحساب هنا أو هناك سيقود إلى كارثة ربما تكون أكبر من كارثة 2006.
ليبانون فايلز