“الحريريون”: هذه خارطة الولادة الوحيدة… بعبدا: ينقصكم الضوء الأخضر
على الأرجح، تأكد لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أنّه يواجه “ممانعة” قاسية من جانب رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، لن ينفع معها أي ضغط قد يمارسه الحريري “بعضلات” الفرنسيين ومبادرتهم الإنقاذية، طالما أنّ لائحة شروط رئيس الجمهورية لم تتأمن.
والأرجح أيضاً، أنّ الحريري كان يعتقد أنّ الاستعانة بنفوذ الخارج بعد سلسلة اللقاءات الدولية التي عقدها، قد تسعفه في مواجهته المفتوحة مع رئاسة الجمهورية التي تخوض آخر معاركها، وتتصرّف من منطلق أنّ العهد دفع أثماناً غالية من كيسه نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي وتردّي الأوضاع وتراجع شعبية “التيار الوطني الحر” ليصير مستقبل جبران باسيل على المحك… وبالتالي لم يعد رئيس الجمهورية ولا باسيل مستعجلين لتقديم آخر حكومات العهد على طبق التنازلات، إذا لم تكن مقرونة بتسوية تحمي مستقبل رئيس “التيار الوطني الحر” الذي يعاني من تضرر كل علاقاته الداخلية، والاقليمية والدولية.
في لقائهما الخامس عشر، والذي انتهى كما بدأ، خرج كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف بانطباعات سلبية تشي بأنّ مشاورات التأليف تزداد تعقيداً. اذ تكفي إشارة الحريري إلى أنّه “لا تقدّم في تشكيل الحكومة” للتأكد من أنّ الجو قاتم للغاية. وقد زاد من سوداوية المشهد تأكيد الحريري على أنّ موقفه “لن يتغيّر بتأليف حكومة مؤلفة من 18 وزيراً وجميعهم اختصاصيين ولا ثلث معطل فيها”. كلّ ذلك يعني أمراً واحداً: الرجل لا يزال في مربّعه الأول.
في المقابل، فإنّ الرئاسة الأولى التي كانت تنتظر من رئيس الحكومة “الغائب” بفعل أسفاره وترحاله، فوجئت، لا بل صُعقت بأنّ الحريري الذي استعجل على طلب الموعد (طلبه من الصباح الباكر) بأنّه لم يأت بأيّ شيء جديد خصوصاً بعد رحلته المطوّلة التي كان يفترض أن يُنتظر منها أن تنتهي برغبة الأخير بالتسهيل لتأمين ولادة حكومته.
في الواقع، يتبيّن من المحيطين برئيس الحكومة المكلّف أنّ الأخير تقصّد زيارة رئيس الجمهورية فور عودته من جولته الخارجية، لإعادة تأكيد ما هو مؤكد بالنسبة إليه، وهي الثوابت التي أعاد التشديد عليها فور خروجه من لقائه رئيس الجمهورية، أي حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً، لا ثلث معطّلاً فيها لأيّ فريق. ما أراد قوله، هو أنّ هذه المواصفات هي معبر الحكومة الوحيد لكي يتسنّى لها الحصول على فرصة دعم خارجي. أمّا غير ذلك، فستكون محكومة بالإعدام. ولهذا أصرّ الحريري على توضيح هذا الإلتباس من أمام مكتب رئيس الجمهورية لوضع الرأي العام في حقيقة الجو الدولي.
وفق الحريريين، فإنّ رئيس “تيار المستقبل” يغامر بمستقبله السياسي، ولذا هو متمسّك بهذه الثلاثية ويرفض التنازل عنها، ليس من باب تسجيل النقاط أمام رئيس الجمهورية ولا كسب وزير من هنا أو حقيبة من هناك. لا بل إنّ هذه هي المعايير المتاحة إقليمياً ودولياً لتمكين الحكومة من تنفيذ أي خطة إنقاذية بنجاح. ومن دون هذه المعايير، لن تجد من يقف إلى جانبها. ولذا هو لن يقدم على أي خطوة انتحارية.
لكن ما يعتبره الحريريون بمثابة خارطة طريق دولية لقيام الحكومة، يراها المقرّبون من رئيس الجمهورية بمثابة تلهّي من جانب رئيس الحكومة المكلّف. وفق هؤلاء، فإنّ ما استُثني من الجولة الخارجية التي قام بها الحريري، يحمل كل الدلالات المعبّرة. ويشير هؤلاء إلى أنّ الضوء الأخضر لا يأتي إلّا من الرياض التي لم يتمكن الحريري من زيارتها رغم كل مساعيه مع الأصدقاء وعواصم القرار، مشيرين إلى أنّ ما يفعله رئيس الحكومة المكلّف هو رمي كرة التعطيل في ملعب رئاسة الجمهورية لتحميلها مسؤولية فشله، وهو العارف أكثر من غيره أنّه لن يتمكّن من تأليف الحكومة، أو لن يقدم على تأليفها، اذا لم تمنحه الرياض مباركتها. وها هو ينتظر من ينقذه بالروح، قبل القيام بخطوة التأليف.
بالنتيجة، لا حكومة ولا تأليف في المدى المنظور… بانتظار أن تطأ قدما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أرض المملكة السعودية، على أمل تليين موقفها ودفع الحريري إلى القيام بما يلزم لكي يساعد حكومته على الخروج من نفق الخلافات.
كريستال خوري – اساس ميديا