في ذكرى تأسيسه الـ39.. التعاون الخليجي يواجه أزمتين غير مسبوقتين
تأتي الذكرى الـ39 لتأسيس مجلس التعاون العربي في وقت شديد الحرج؛ حيث يواجه المجلس أزمتين إحداهما خليجية وأخرى عالمية ألقت بظلالها السلبية على جميع دول العالم.
فالأزمة الخليجية، التي اندلعت في يونيو 2017، حيث قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر وفرضت عليها الحصار؛ بدعوى دعم الدوحة الإرهاب على الرغم من نفي الأخيرة هذه التهمة مراراً، ما زالت قائمة.
في الجهة المقابلة هناك أزمة فيروس كورونا التي جاءت هي الأخرى لتضغط على التكتل الخليجي، مُشَكِلةً أزمة صحية ضربت اقتصاداته.
بداية التأسيس
في 16 مايو 1976، زار أمير دولة الكويت آنذاك، الشيخ جابر الأحمد الصباح، دولة الإمارات؛ لعقد مباحثات مع رئيسها في ذلك الحين، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حول إنشاء مجلس التعاون الخليجي، واقترح فكرة إنشاء هذا المجلس.
حيث خطط ونفذ الشيخ جابر الصباح هذا المشروع لإحساسه بالأخطار التي تهدد الأمن القومي لدول شبه الجزيرة العربية.
وسبق أن اقترح إنشاء المجلس في قمة جامعة الدول العربية بالأردن عام 1980.
وفي 25 مايو 1981، توصّل قادة كل من السعودية وسلطنة عُمان وقطر والإمارات والكويت والبحرين، في اجتماع عقد بإمارة أبوظبي، إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست.
وتهدف هذه الصيغة إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت أيضاً تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس.
وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي، التي شدّدت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية.
تحديات كبيرة
في الذكرى الـ39 لتأسيس المجلس أبدى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف، إيمانه الكبير بمعالجة الأزمة الخليجية ضمن البيت الخليجي الواحد وطي صفحتها، مع ضمان آلية عادلة للتعامل مع أي خلاف قد يطرأ في المستقبل تأكيداً لحيوية وديمومة المجلس.
وقال “الحجرف” في كلمة متلفزة: “إن الخلاف الخليجي الذي يقترب من عامه الثالث ليشكل تحدياً لمسيرة التعاون الخليجي”.
وأضاف أن الخلاف الخليجي “يمثل هماً مشتركاً لجميع دول المجلس، وهو الخلاف الذي ينهض بحمل ملفه صاحب السمو أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، ومنذ اليوم الأول، وتحظى مساعي سموه بدعم خليجي ودولي”.
وتابع: “إيماننا كبير بمعالجة هذا الخلاف في إطار البيت الخليجي الواحد وطي صفحته، وضمان آلية عادلة للتعامل مع أي خلاف قد يطرأ في المستقبل؛ تأكيداً على حيوية وديمومة مجلس التعاون الخليجي”.
وأشار الحجرف إلى “التحدي الآخر الذي يواجه مسيرة مجلس التعاون وهو على مشارف عقده الخامس؛ ما فرضه كورونا من تحديات كبيرة طالت جميع مناحي الحياة وأثر على البشرية جمعاء”.
وذكر أن هذه التحديات التي فرضها كورونا تحتم على “منظومة مجلس التعاون تعزيز العمل المشترك والاستعداد الجماعي للتعامل مع عالم ما بعد كورونا بأبعاده الاقتصادية والصحية والاجتماعية والأمنية والعمالية والاستراتيجية”.
تحركات مستمرة
حديث الحجرف لا يمكن فصله عن جسد مباحثات ومحاولات واتصالات شهدتها الدبلوماسية الخليجية قبل نحو ثمانية أشهر، حين تحدثت تقارير إخبارية عن إشارات إيجابية أرسلتها الرياض للكويت للتحرك نحو إنهاء الخلاف.
إذ تلقّى أمير الكويت رسالة من الملك سلمان بن عبد العزيز، حملها وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء، تركي بن محمد بن فهد آل سعود، وبعد أقل من يوم توجه رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، إلى الدوحة ليسلم رسالة من الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى أمير دولة قطر.
ولم تمضِ أيام قليلة حتى حمل الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، الممثل الشخصي لأمير دولة قطر، رد بلاده على الرسالة الأميرية الكويتية، لكن هذه المراسلات ما لبثت أن خف وهجها.
تأثيرات كورونا
ومع تفشي جائحة كورونا شهدت بلدان مجلس التعاون اجتماعات عديدة لوزراء ومسؤولين عقدت عبر الدوائر التلفزيونية المغلقة، دفعت وسائل الإعلام للحديث عن فرصة حل الخلاف الخليجي يوفرها كورونا.
وما دفع باتجاه هذا الحديث واحتمالات وجود تحرك جديد لتصفية الأجواء تحت مظلة الظروف الراهنة الزيارات والرسائل الأخيرة بين العواصم الخليجية.
هذه التسريبات عن محاولات إنهاء الأزمة عززتها أيضاً المكالمة التي أجراها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 23 أبريل الماضي، مع ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، التي حثّه (ترامب) خلالها على اتخاذ خطوات لحل الأزمة.
وخلال المكالمة شجّع ترامب ولي عهد أبوظبي على اتخاذ خطوات لإنهاء الصدع الخليجي عبر حل هذه الأزمة، وعزا الرئيس الأمريكي طلبه إنهاء الأزمة إلى رغبته في العمل المشترك للقضاء على فيروس كورونا وتقليل أثره الاقتصادي، والتركيز على القضايا الإقليمية الحاسمة.
وفي الأيام الماضية نشطت التحركات الخليجية، التي زادت من التوقعات التي تصب في صالح حلّ الأزمة الخليجية.
آخر تلك التحركات استقبال سلطان عمان هيثم بن طارق، الخميس 21 مايو، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
ووفق وكالة الأنباء العمانية الرسمية، نقل الوزير القطري تحيات أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وذلك بعد ساعات من تلقي الأخير اتصالاً من سلطان عمان.
وسبق اللقاء والاتصال أيضاً رسالة شفوية تسلمها أمير دولة قطر، الاثنين 18 مايو الجاري، من سلطان عُمان.
وبحسب وكالة الأنباء القطرية (قنا)، فقد تناولت الرسالة “العلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها، وأبرز القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
هذه الرسالة التي حملها وزير الشؤون الخارجية للسلطنة، يوسف بن علوي، سبقتها رسالة مماثلة من سلطان عُمان إلى أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي يقود، منذ 2017، وساطة كبيرة لإنهاء خلاف البيت الخليجي.
وخلال تسليمه الرسالتين اجتمع بن علوي، الذي يعتبر واحداً من أركان الدبلوماسية الخليجية، بنظيريه الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، والقطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
وقبل الرسالة العمانية تلقى أمير دولة قطر، الأحد (10 مايو الجاري)، رسالة شفوية من نظيره الكويتي أبلغه إياها وزير خارجية الكويت، الذي زار الدوحة ليوم واحد اجتمع خلاله أيضاً بنظيره القطري.
والأسبوع الماضي، نقلت صحيفة “القبس” الكويتية عن مصادر لم تسمها أن التحركات الكويتية لحل الأزمة الخليجية مستمرة ولن تتوقف.
وقالت المصادر إن التحديات الكبيرة التي فرضتها جائحة “كورونا” تدعو الجميع لتنحية الخلافات والعمل المشترك على إعادة القوة لملجس التعاون.