تركي آل الشيخ والأهلي المصري.. طلاق بائن بعد زواج قصير غير مستقر
30 شهراً بالتمام والكمال هي إجمالي الفترة التي جمعت بين المسؤول السعودي البارز، تركي آل الشيخ، والنادي الأهلي أحد أعرق الأندية المصرية والأفريقية، قبل أن يفترقا في مشهد يبدو الأخير من مسلسل حفل بالكثير من الأحداث والخلافات والمنعطفات في أقل من ثلاثة أعوام.
وعلى الرغم من أن “آل الشيخ”، تغنى في أكثر من مناسبة بحبه وعشقه لـ”القلعة الحمراء”؛ فإن تصرفاته التي وصفت بالمثيرة للجدل لم تتحملها جماهير الأهلي ولم تهضمها، لتحدث صداماً متكرراً بين الطرفين، قبل أن تأتي الضربة القاضية بانفصال وطلاق بائن بعد زواج غير مستقر ولم يدم طويلاً.
وخلال تلك الفترة شاركت جماهير الأهلي في حملات افتراضية كثيرة، ودشنت وسوماً تطالب برحيل المسؤول السعودي، كما هاجمته في إحدى مباريات الفريق الأفريقية، في وقت فتح الأخير صفحة مع إدارة الزمالك الغريم التقليدي، ورئيسه المثير للجدل مرتضى منصور، ما سكب مزيداً من الزيت على نار الخلافات بينهما.
نهاية المسلسل
النادي القاهري العريق وضع حداً نهائياً لعلاقته مع المستشار بالديوان الملكي السعودي، وأعلن في 2 يونيو 2020، إزالة اسم الأخير من قائمة الرؤساء الشرفيين للنادي، مسدلاً الستار على قضية شغلت الرأي العام طويلاً.
وخاطب النادي المصري “وزير الشباب والرياضة لإعادة كل ما قدمه آل الشيخ من هدايا عينية وتبرعات مالية دخلت خزينة النادي بعدما أصبحت هذه التبرعات والهدايا بقيمتها المالية والعينية من ممتلكات النادي ولا يجوز التصرف فيها إلا بموافقة الجهة المختصة”.
وفي إشارة بارزة على عدم صحة “ادعاءات” المسؤول السعودي قال النادي الأهلي في بيانه الرسمي: إن “نيابة الأموال العامة حققت في كل ما قاله آل الشيخ، وتأكدت من سلامة الإجراءات المالية والإدارية والمحاسبية الخاصة بالتبرعات، وأن الهدايا التي قدمها الأخير أودعت في خزينة النادي”، ليتقرر حفظ التحقيقات وتبرئة الأهلي من جرائم الاعتداء على المال العام، وفقاً للبيان.
المشهد الختامي الأخير جاء ليؤكد أن العلاقة بين الرياضة المصرية والمال السعودي لم تكن في أفضل أحوالها ولم تعرف استقراراً، رغم عديد المحاولات لإعادة الهدوء إليها، خاصة أن “آل الشيخ” عاد إلى القلعة الحمراء بعد استقالة أولى تبعتها خلافات متصاعدة مع الجماهير الأهلاوية.
ففي نوفمبر من العام الماضي، زار آل الشيخ منزل رئيس النادي الأهلي، محمود الخطيب، للاطئمنان عليه إثر إصابته بوعكة صحية، لتذهب التوقعات إلى تحسن العلاقة بين الطرفين وعودة الدفء بينهما.
وبالفعل أصدر النادي الأهلي بياناً، في أواخر يناير من العام الجاري، أكد أن الاستقالة التي تقدم بها آل الشيخ لم ينظر فيه، فيما بدا أنه مخرج جيد لكافة الأطراف لعودة العلاقة بينهما، لكن التوتر عاد سريعاً وتفجر على خلفية قضية القائد حسام عاشور واعتزاله نهائياً، وهي رغبة النادي الأهلي، فيما كشفت الأحداث أن المسؤول السعودي يقف مع اللاعب الذي يؤيد الاستمرار في الملاعب لعامين آخرين.
وفي محاولة لإيضاح الأمور وإزالة اللبس عن تلك الفترة قال النادي الأهلي في بيانه الأخير إن آل الشيخ طلب فتح صفحة جديدة، لكن ما جرى مؤخراً “فاض معه الكيل”، وفقاً لإدارة فريق القلعة الحمراء.
بالمقابل رد رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية على بيان الأهلي قائلاً: “أخيراً الاستقالة اتقبلت.. والكرة الآن في ملعب معالي وزير الرياضة لإرجاع كل شيء، ويا نحلة لا تقرصيني ولا عاوز عسلك.. يا ليت كانوا كاتبين كل حاجة بالأسماء”، على حد تعبيره.
“ما بني على باطل”
في هذا الإطار يرى الصحفي الرياضي المصري محمد الجزار أن ما بُني على باطل فهو باطل”، في تعليقه على العلاقة غير المستقرة بين الأهلي وتركي آل الشيخ.
ويعتقد “الجزار” في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الود بين الجانبين لم يكن حاضراً سوى مرات لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، فيما كان الشد والجذب سيد الموقف، خاصة مع محاولات المسؤول السعودي التباهي وإعلان نفسه كأنه الرئيس المتحكم بقرارات الإدارة الأهلاوية، ومحاولة الضغط عليها بطريقة “غير مقبولة”.
وشدد على أن ذلك “لم يكن مقبولاً على الإطلاق”، خاصة أن “آل الشيخ” ليس سوى رئيس شرفي، وهذا “لا يعني تدخله بكافة الأمور الإدارية وشؤون النادي وكل شاردة وواردة وكأنه الحاكم الفعلي”.
واستدل “الجزار” في كلامه بالأمير السعودي عبد الله الفيصل، وهو الرئيس الفخري السابق للنادي الأهلي، وكيف كان يتعامل مع المسؤولين، ويدعم النادي كمحب وعاشق دون مقابل، ومن دون أن يعلن أو يكشف عن ذلك، ومنها واقعة حدثت مع الرئيس الحالي للأهلي محمود الخطيب عندما كان لاعباً.
وبيّن أن إدارة النادي الأهلي أخطأت منذ البداية في التعامل مع ملف “آل الشيخ”، وهو ما منح الأخير “بهرجة إعلامية كان يبحث عنها”، كاشفاً أن قرار الإدارة الأخير بإزالة اسم المسؤول السعودي من الرئاسة الشرفية “وضع النقاط على الحروف”.
الظهور الأول
رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب كان قد أخذ على عاتقه تقديم المسؤول السعودي إلى الجماهير الأهلاوية، أواخر عام 2017، معلناً تنصيب الأخير رئيساً شرفياً لـ”نادي القرن”، تزامناً مع الكشف عن خطط طموحة بمساهمة من المسؤول السعودي لإنشاء استاد الأهلي الجديد، وبناء مدينة رياضية متكاملة تضم مستشفى وفندقاً وميداناً للرماية وأكاديمية للنادي.
وكان “آل الشيخ” يستحوذ في ذلك الوقت على جملة من المناصب الرياضية في السعودية؛ كرئاسة هيئة الرياضة واللجنة الأولمبية، إضافة إلى أخرى عربياً وإسلامياً؛ كرئاسة الاتحاد العربي لكرة القدم ورئاسة الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي.
تلك المناصب، فضلاً عن الوعود التي أطلقها آل الشيخ، دفعت الجماهير الأهلاوية للاستبشار بالعهد الجديد، لكن سرعان ما انقضى “شهر العسل”، وسط استياء من المشجعين مما وصفوه بـ”تدخلات غير مقبولة”، و”محاولة الرجل الهيمنة على القرار الأهلاوي”، وتسييره وفق أهوائه، وفق ناشطين ومغردين.
ولم تمر سوى 6 أشهر حتى أعلن آل الشيخ اعتذاره عن عدم الاستمرار رئيساً شرفياً للقلعة الحمراء، وكشف أنه لم يبحث عن مظاهر إعلامية، مدعياً أنه دعم الأهلي في تلك الفترة القصيرة بمبلغ يتجاوز 260 مليون جنيه (14.5 مليون دولار).
الانفصال بين الطرفين لم يكن سوى بداية لمرحلة خلاف كبيرة وصلت إلى حد شراء المسؤول السعودي نادياً مغموراً في مصر وأطلق عليه اسم “بيراميدز”، وجلب إلى صفوفه لاعبين كباراً، كما أطلق قناة رياضية تحمل الاسم ذاته.
محاولات للصلح
وبعد الانفصال عرفت الساحة المصرية محاولات للصلح بين الجانبين، كان أبرزها إعلان آل الشيخ، في 4 يوليو 2018، تنازله عن جميع القضايا والشكاوى التي قدمها ضد الإدارة الأهلاوية على خلفية المبالغ والهدايا التي قال إنه قدمها لمجلس الإدارة.
في الجهة المقابلة أصدر النادي الأهلي بياناً أكد من خلاله “طي صفحة الخلافات”، و”إيقاف الدعاوى القضائية التي أقامها للسبب عينه”.
ومع كل هذا لم يحضر الود، بل على العكس تماماً كانت التصريحات والتصريحات المضادة “الشيء الأبرز” الذي ارتبط بالأهلي وآل الشيخ، فيما ابتعدت الجماهير الأهلاوية في لحظة ما عن الدبلوماسية وأطلقت، في سبتمبر 2018، وابلاً من السباب والشتائم ضد المسؤول السعودي، الذي لوح بالانسحاب من الاستثمار الرياضي في مصر.
فيما كان الموقف الأكثر وضوحاً من الجانب السعودي إعلان شركة “صلة” الرياضية إيقاف كافة استثماراتها في مصر والنادي الأهلي، التي تصل إلى نحو 3 مليارات جنيه (168 مليون دولار)، قبل أن يترك آل الشيخ الاستثمار في الساحة الرياضية المصرية ويتجه إلى شراء “ألميريا”، أحد أندية دوري الدرجة الثانية في إسبانيا، ويستحوذ على معظم أسهم النادي.