إسرائيل في أيامها المعدودة العادية
الزمن ادار ضهره لإسرائيل وفلسطين على موعد قريب للتحرير.
المقدمات – الوقائع والدلائل؛
في ما كتبنا من تقديرات وتقارير وتحليلات اخيرا كنا اكدنا بحزم ان حدثا زلزاليا سيقع لتتويج احداث قرن بحروبه وتطوراته الانفجارية وانهاء مظاهره وتشكيلاته الجغرافية والسياسية والاجتماعية ورجحنا فلسطين موطنه واستطلعنا السيناريوهات والاحتمالات وتوقعنا ان يتسبب المستوطنين والمتطرفين الإسرائيليين بإشعال عود الثقاب في صاعق التفجير.
فقد ضربت اسرائيل ازمات زلزالية تكوينية اعجزتها عن انتاج حكومة مستقرة منذ سنتين بأربع انتخابات للكنيست في دلالة على شيخوختها وعجزها عن تجديد مشروعها ووظائفه.
اختل التوازن في بنيتها لصالح التطرف والاستيطان وتراجع تيار السلام والعلمنة بفعل هجرات معاكسة شملت اكثر من مليون من ابناء الطبقة الوسطى العلمانيين من لأشكيناز فاختلت بنيتها لصالح التدين والاستيطان والعنصرية المتوحشة.
فسدت طبقتها السياسية وكرس نتنياهو نفسه ملكها وجعلها في خدمته الشخصية ورهنها لنزعاته ومصالحه.
انتفت كل اسباب وعناصر قوتها التكتيكية والاستراتيجية وترتهب من حزب الله ومن الجبهة الشمالية وتعجز في مواجهة طائرات غزة الورقية وبالوناتها الحارقة وتستجدي قطر لتمويل التهدئة وحكومة حماس.
فقدت اخر انصارها في واشنطن بسقوط ترامب بعد ان اعطاها كل ما تستطيعه امريكا فنقل السفارة الى القدس واعترف بضم الجولان وكاد يعترف بضم الضفة الغربية واجبر نظم واسر على التطبيع والتحالف الا ان بهود امريكا خذلوه وتسببوا بانتصار بايدن وادارة بايدن لم تعد ترى بإسرائيل استثمار رابح بل عبئا ثقيلا وتريد ان تتحرر منها لتعيد صياغة مشروعها الشرق اوسطي بعد هزائمها وازماتها وصعود اوراسبا.
اوروبا مأزومة وعاجزة وتقلصت قدراتها وقوتها ومهدد اتحادها بالتفكك وتفكيك وحداتها الوطنية’ فرنسا على عتبة حرب اهلية بحسب بيانات كبار الضباط والنخبة الفرنسية”.
اوراسيا الصاعدة بقطبيها روسبا والصبن غير معنيتان وليست قادرتان ولا مصالح لها في تبني المشروع الاسرائيلي وتحمل كلفته المهولة.
الفلسطينيون فقدوا كل واي امل بالتفاوض والاتفاق وبوعود الدولتين وسلطة ابو مازن انتفت اسباب وشروط بقائها وتحكمها.
حلف المقاومة تصاعدت قدراته وقوته وايران اذلت امربكا بالحروب وبالملف النووي وردت على الاعتداءات الاسرائيلية وباتت يدها العليا في حرب السفن والحرب السيبرانية والحرائق وسورية اصبحت جاهزة للاشتباك بشهادة صاروخ الدفاع الجوي اس ٢٠٠ الشارد والمنفجر بالقرب من ديمونا.
الاردن مأزوم ينتظر شرارة الانفجار ولبنان في حالة افلاس وفوضى والسعودية خسرت حروبها وتلوذ بالتفاوض مع ايران والعودة الى سورية. ومشروع اردوغان مأزوم وقابل للانفجار فيطلب التفاوض مع مصر والسعودية.
جائحة كورونا ضربت الجميع وتغير في التوازنات وقواعد الانتظام والتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية ودول الاقتصاد الليبرالي الاكثر تأزما وتضررا واسرائيل في طليعتها.
المسرح جاهز تماما للعرض، وقد اطلق المستوطنون جرس البدء في باب العامود وحي الشيخ جراح وفي الايام العشر الاخيرة لشهر رمضان المصادفة لآخر ايام الجمعة المقرر انها يوم القدس بفتوى الخميني منذ ٤٢ سنة.
فنتنياهو راغب بإحداث توترات وتصعيد العنصرية لإعادة تجميع قواه في انتخابات خامسة فاطلق يد المستوطنين لاستعداء الكتلة العربية التي تحولت الى بيضة قبان التوازنات السياسية في اسرائيل وانتخاباتها وتشكيل حكوماتها.
كل الشروط والاسباب والموجبات والظروف كانت تستدعي حدثا زلزاليا واكثر المسارح جاهزية وتحضيرا الصراع العربي الاسرائيلي محور الحدث الاوسطي والعالمي لقرن مضى على وعد بلفور وتقسيمات سايكس بيكو وقد انفجرت الجغرافيا والنظم ويتأزم الباقون، فبحسب الخلدونية اعمار النظم والإمبراطوريات بين ٦٠ و٧٠ سنة وقد هرمت جميعها وفقدت وظائفها وادوارها وتستلزم احداث عابرة وجزئية لانفجار من بقي منها.
في التحليل؛
الامر الاكثر اهمية على الاطلاق هو انخراط فلسطينيي الـ ٤٨ منذ عام ٢٠١٤ بالانتفاضة والمقاومة بل تحول عتلة ومحور القضية الفلسطينية بيدهم لا بيد اللاجئين كما كان حتى رحيل منظمة التحرير عن بيروت ولا في الضفة بعد اتفاق اوسلوا ولا في غزة بعد تحريرها عام ٢٠٠٥ وان تصبح القوة المحورية في النضال الوطني الفلسطيني اراضي الـ ٤٨ يعني ان القضية عادت الى جوهرها كقضية حق وطني وقومي لا يمكن ردمها او انهائها باي حال او ظرف.
سلسلة الانتفاضات منذ ٢٠١٤ كانت تشتعل الشرارة في القدس او في مدن وتجمعات فلسطيني الـ ٤٨ وقد سبق ان قدمت ام الفحم ارهاصات ودلائل لم يتنبه لها الكثيرون فقبل اسابيع تظاهرت ام الفحم وانزلت عن بلديتها علم اسرائيل ورفعت علم فلسطين وبعدها فعلتها اللد.
جاءت احداث الحرم وباب العامود ثم حي الجراح بلسما ونارا لإشعال الحقل اليابس والايام العشر من رمضان وفي ثاني الحرمين.
فهبت فلسطين ٤٨ وانتصرت للقدس ما احرج غزة ووضعها امام فقدان دورها فبادرت الى التحذير ثم الانذار فالدخول على خط الاشتباك وتصعيده فغزة مدينة اللاجئين اكثر من ٧٠ بالمائة من سكانها لاجئين على عكس الضفة الغربية التي مازالت متلكئة وغزة فقيرة ومحاصرة وليس لها ما تخسره وفي غزة توازن قلق بين حماس وتحالفاتها الاخوانية مع قطر وتركيا والجهاد والفصائل التي تمثل امتدادا للحرس الثوري وحزب الله وسورية وان لم تتقدم حماس فالجهاد جاهزة واعدت عدتها وحلف المقاومة يسعى الى جولة عنف وهكذا بدأت اهم حرب في صناعة مستقبل فلسطين والاقليم وكشفت الاشتباكات عجز اسرائيل وانكسار قوتها ووبال جغرافيتها وفشل قبتها بينما تفوقت غزة وضربت بالعمق وعطلت الحياة والطيران واستهدفت الغاز ومنصاته والمطارات والعمق.
انفجرت تجمعات فلسطيني ال٤٨ وسيطروا على اللد وبئر السبع وام الفحم والكثير من الاحياء والقرى حيث الغلبة للفلسطينيين ما احدث شرخا عميقا في اسرائيل وغير من الكثير من عناصر انتظامها واستقرارها وتفوقها .
الجولة الجارية من حرب حقيقية متعددة الوسائط والابعاد والفروع حققت بأيامها الستة تحولات جوهرية لترسم ملامح لسيناريوهات مستقبلية في جلها لصالح الفلسطينيين والعرب وحلف المقاومة منها على سبيل المثال لا الحصر؛
-تحولت فلسطين ٤٨ الى عتلة ومحور القضية الفلسطينية وتطوراتها وهذه تسقط كل ما سبقها من محاولات تغتيت الفلسطينيين وتحويل قضيتهم الى ثانوية واعادت صياغة القضية الفلسطينية كقضية حق وطني وقومي لايمكن تجاهلها وبذلك سقطت حروب وجهود وتمويل وتحالفات لسبعين سنة سبقت .
– حقق فلسطينيو المقاومة في غزة معجزات واعجازات وحولوا اسرائيل وتقانتها وسلاحها وتفوقها الى خردة لا قيمة لها الا قتل وقصف المدنيين وتدمير الابنية والابراج بينما صواريخ ومسيرات المقاومة ضربت بإتقان ودقة واصابت واستهدفت البنى التحتية والمطارات والمصافي وخطوط نقل الغاز ومنصات استخراجه وعطلت الحياة في كل فلسطين وتكبدت اسرائيل خسائر مهولة اجتماعية سياسية واقتصادية وفي استقرارها.
-كشفت حقيقة ان إسرائيل لم تعد حاجة واولوية لأمريكا واوروبا واللافت ان امريكا سحبت ١٢٠ من خبرائها العسكرين وانذرت مواطنيها ودعتهم للحيطة وللرحيل في دلالة هامة جدا على عكس ما كائنته في الحروب من امداد اسرائيل بالذخائر والاسلحة واطقمها واسقطت كل التفاهمات والتفاوض والتطبيع والتحالفات فالحرب في فلسطين وساحاتها وعمقها .
– اعلت يد غزة والمقاومة وجعلتها المهيمنة والقادرة على التحكم بمسارات الحرب وتاليا صناعة واستثمار نتائجها وفي كليتها ليست في صالح اسرائيل.
-فجرت وستفجر تناقضات المجتمع الاسرائيلي وستجعل الانشغال المحوري في قادم الايام بمحاولات ترميم الانقسامات والازمات.
-جعلت فلسطيني ٤٨ اسيادا قادرون ولهم حضور وازن ولن تمر هدن او تفاوض او تسويات الا بما يحقق مصالحهم ويعلي دورهم ومكانتهم.
-ستعزز نزوع الهروب للمستوطنين والعودة الى بلادهم الاصلية فاكثر من خمسين بالمئة من اليهود لهم جنسيات اخرى.
-فتحت الصراع العربي الاسرائيلي على عتبة حقبة جديدة نوعية غير مسبوقة وفتحت الاقليم على تحولات نوعية تتغير معها الاوزان والقوى ومن غير المستبعد الجغرافيا والنظم.
في الاحتمالات والسيناريوهات؛
اربع منصات تملك اربع مفاتيح ذهبية تتحكم بمسارات الاحداث الجارية ومستقبلها؛
١-الضفة الغربية التي مازالت متلكئة عن دورها ولم تنتفض فان فعلتها تسقط حكومة ابو مازن وتضع سلاح واجهزة السلطة بين يدي المقاومة وتحاصر المستوطنات وتسقط الحواجز والمعازل فتصنع اختلالا فاضحا في ميزان القوى لحماية فلسطيني ال٤٨ وصناعة ميزان قوى لصالح المقاومة بالمطلق فانتفاضة الضفة تحاصر إسرائيل من الداخل وتضعفها وتعطل جيشها واسلحتها ومستوطنيها ومن غير المستبعد ان تدفعها للانسحاب من الضفة والانكفاء الى فلسطين ال٤٨ وتفتح كل بوابات وصول السلاح وتصنيعه وللإنفاق والمسيرات والصواريخ.
-المفتاح الثاني في الاردن وبيد حركته الوطنية و شعبه وهو مأزوم والفلسطينيون اكثر من ٦٠ بالمائة من الأردنيين والازمة الاجتماعية طاحنة وطول الحد ٣٧٠ كيلو متر والسكان والعمران متصل على عكس غزة فالحراك الجاري في الاردن اذا تطور سيغير في الحال والتوازنات والنتائج كمثل مفتاح الضفة.
-القاهرة والشعب المصري، فطرد السفارة واسقاط كامب ديفيد وفتح الحدود مع وعلى غزة يغير من التطورات برمتها ويمكن غزة من الصمود وتعزيز الضربات ومستواها وربما الانتقال الى الهجمات البرية التحريرية للمستوطنات ومدن غلاف غزة .
-قوى وفصائل المقاومة خاصة في جبهتي الجولان وجنوب لبنان والجاهزية على اكمل وجه وربما يكفي موقف واطلالة للسيد حسن نصرالله مع انذار لوقف قصف المدنيين في غزة ووقف اعتداءات المستوطنين على المواطنين العزل في مدن ال٤٨ واو موقف واضح من القيادة السورية بنفس المضمون والاتجاه.
وعلينا الا نستبعد دفع قوة من الجولان او الجنوب لرفع علم فلسطين على مستوطنه او اكثر لتنهار البنية الداخلية الاسرائيلية وتعجز اسرائيل عن توزيع قوتها على غزة والضفة وفي الـ ٤٨ ومع جبهات اخرى.
اي المفاتيح سيدور اولا في الاقفال هذه تقررها الساعات والايام القادمات وان دارت معا او دار احدها سيكون تحرير فلسطين راهن ومسالة وقت قصير.
مالم تدور المفاتيح في اقفالها فالاحتمالات وسيناريوهاتها ستسير على ما يلي؛
الاحتمال الاول؛ حراك دولي اقليمي فتفاوض وتهدئة على قواعد اشتباك جديدة
يرجحه؛ انهاك متبادل اسرائيلي وغزاوي يستعجل التفاوض.
الحاجة المصرية والخوف من نتائج استمرار الاشتباك في تفجير وارباك نظم الاقليم لاسيما مصر الاردن ودول التطبيع وانهاض حراك شعبي عربي تحت عناوين وشعارات وطنية وقومية تتفاعل مع ازمات الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
توازنات غزة فحماس تميل الى التهدئة ووقف الاشتباك وكذلك حليفتيها تركيا وقطر والهدنة تمكن حماس من حصد النتائج السياسية والدبلوماسية والمالية للحرب.
تتقاطع المصالح العالمية والاقليمية عند وقف الاشتباك وترتيب هدنة مديدة فروسيا ترغبها وامريكا والاتحاد الاوربي والخليج .
ومن المتغيرات التي ستحققها الهدنة اضعاف اسرائيل وتخفيف اوفك الحصار عن غزة وتامين الحد الادنى لحماية مواطني الـ ٤٨ ووقف الاستيطان في الضفة وعودة التفاوض بجدية وبرعاية رباعية وبدور محوري لروسبا ما قد ينتج تسوية ٤ حزيران على قياس وديعة رابين وخطوط حافظ الاسد.
الاحتمال الثاني؛ استمرار الحرب وانفجار شامل؛
وهو خيار واحتمال يسير على ذات مستوى احتمال الهدنة وفرصته كبيرة جدا واحتماله حتى اللحظة الارجح بسبب الاستعصاء وتبدل الرعاة وموازين القوى وحجم الاحتقانات وخاصة الفلسطيني الذي بات محبطا ويائسا وليس لديه ما يخسره واستمرار عنتريات نتنياهو واطلاق يد المستوطنين فاي وقف للحرب واي هدنة ستنعكس بانهيار منظومة نتنياهو وسقوطه المدوي ليصير عنصر تغذية استمرار الاشتباك واو من موقع العجز.
فاستمرار الاشتباك قد يدفع نتنياهو الى مغامرة حمقاء لتعميم الحرب بالتحرش بسورية واو بالجنوب اللبناني وهذ ستستدعي ردا ودخولا لحلف المقاومة الحرب لنتحول الى اقليمية واسعة بنتائج تاريخية وعالمية
الاحتمال الثالث؛ استمرار الاشتباك بوتائر مختلفة كالتصعيد والترقيد وهكذا فهذا الاحتمال له حظوظ عند كلا طرفي الاشتباك المتحكمة فغزة وحماس تحقق مكاسب جمه على حساب السلطة والاخرين ونتنياهو يحاول استيلاد حكومة ازمة وطوارئ تبقيه سنوات في الحكم وخارج السجن والعالم والاقليم يتفرج عاجزا وتمكن نتنياهو واليمين من تشكيل حكومة طوارئ لا يضر فرقاء التسوية بإعادة هيكلة اسرائيل وتوازناتها لتفاوض على تسوية تعيد الجولان والضفة بحسب خريطة ٤ حزيران برعاية دولية الوزن الفاصل لروسيا وهذه تحتاج في اسرائيل لحكومة يمين لا يسار وحكومة طوارئ توفرت شروطها الاسرائيلية على نحو ممتاز.
بين الاحتمالات الثلاث ليس في اليد عناصر ترجح احداها بتفوق على الاخريات.
الا ان المنصات والمفاتيح الاربعة قد تدور باي لحظة وتلتهب فتفرض اعادة ضبط التحولات ورصد الاحتمالات واستطلاع سيناريوهاتها
الخلاصة الذهبية؛
بات الزمن يعمل في غير صالح اسرائيل والاحداث تستوجب اما نقلة في مشروعات التفاوض والتسويات او انهيار اسرائيل وتحرير فلسطين من البحر الى النهر…
كيف؟ وما هو مستقبل اليهود فيها ؟؟
اسئلة تستوجب بحثا وتدقيقا معمقا وستكون شغلنا في الايام الاتية.
ميخائيل عوض – كاتب ومحلل سياسي
بيروت في ١٤-٠٥-٢٠٢١