منظمة دولية تحسم الجدل.. هل تلفظ قناة “بي آوت كيو” أنفاسها الأخيرة؟
أعاد تقرير منظمة التجارة العالمية، الذي خلص إلى أن السلطات السعودية تقف وراء قنوات “بي آوت كيو”، تسليط الضوء بقوة على قضية القرصنة الرياضية التي تفجرت بعد أسابيع قليلة من اندلاع الأزمة الخليجية.
وفي 5 يونيو 2017، قطعت السعودية، إضافة إلى الإمارات والبحرين ومصر، علاقاتها مع قطر، وفرضت ضدها إجراءات إغلاق برية وجوية وبحرية بزعم دعم الأخيرة للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتؤكد أنها تواجه حملة ممنهجة للسيطرة على قرارها المستقل وسيادتها الوطنية.
وبعد شهرين من تلك الأزمة غير المسبوقة بتاريخ مجلس التعاون الخليجي ظهرت قنوات مجهولة المصدر تُدعى “بي آوت كيو”، وشرعت بنقل جميع الأحداث والفعاليات والبطولات الرياضية التي تمتلك قنوات “بي إن سبورت” القطرية حقوق بثها حصرياً، ثم توسعت ببث محتواها الترفيهي أيضاً.
ولم تتبنَّ أي جهة مسؤولية بث تلك القنوات؛ إلا أن إشادة مسؤولين بارزين في الديوان الملكي السعودي، وصحفيين مقربين من دوائر صنع القرار بها، وجهت أصابع الاتهام إلى السلطة بالوقوف خلفها نكاية بجارتها قطر، في ضوء استفحال الخلاف بينهما وارتفاع منسوب التوتر الخليجي الداخلي.
كما تزامن ظهور تلك القنوات مع حظر السعودية قنوات قطر الرياضية ومصادرة أجهزتها في البلاد، إلى جانب ترويج جهات سعودية لإطلاق مجموعة قنوات رياضية جديدة تُنهي ما أسمته “احتكار بي إن سبورت” لحقوق بث البطولات الدولية.
حكم واضح
منظمة التجارة الدولية أصدرت، الثلاثاء (16 يونيو 2020)، حكماً عبر لجنة فض النزاع قالت فيه إن السعودية قد انتهكت قانون المنظمة، وأن عليها “تصحيح تدابيرها حتى تصبح متوافقة مع التزاماتها لاتفاقيات المنظمة”.
وذكرت المنظمة أن قناة “بي آوت كيو” موجودة في السعودية، والرياض غضت النظر عن قرصنتها “بي إن سبورت”، مشيرة إلى أن السعودية خالفت القانون الدولي للملكية الفكرية وفقاً لأدلة مقدمة من الفيفا.
وأكّدت أن قناة القرصنة استفادت من دعم مؤسسات وشخصيات سعودية نافذة، منها سعود القحطاني، المستشار السابق في الديوان الملكي، كما أنها قرصنت بث عدة قنوات، من بينها مجموعة “بي إن سبورت” القطرية.
بدوره قال الحساب الرسمي للوفد الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة في جنيف، عبر “تويتر”، إن الدوحة حققت مع أصحاب الحقوق من جميع أنحاء العالم انتصاراً تاريخياً.
وأشارت إلى أن على السعودية “أن تذعن لحكم لجنة فض النزاع، وأن تتخذ إجراءات جنائية ضد من يقف وراء قناة القرصنة وسرقاتها للمحتوى الإعلامي الخاص بقنوات بي إن سبورت”.
وكانت المنظمة الدولية قد قالت في تقريرها الأولي، الذي نشر الاثنين (26 مايو)، إن السلطات السعودية تقف وراء مجموعة قنوات القرصنة “بي آوت كيو”، مؤكدة أن ذلك سيؤثر “سلباً” على محاولة صندوق الاستثمارات السعودي شراء نيوكاسل يونايتد، أحد أندية الدوري الإنجليزي الممتاز مقابل 300 مليون جنيه إسترليني (370 مليون دولار).
صحيفة “الغارديان” البريطانية ذكرت في اليوم نفسه، أن رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز تلقت نسخة من تقرير المنظمة، ورفعت دعوى ضد الرياض كجزء من الإجراءات القانونية.
ولفتت النظر إلى أن تصريحات السلطات السعودية التي ادعت عدم وجود صلة بينها وبين تلك القنوات، “قد تنتهك قواعد البريميرليغ، والتي تنص على أنه لا يمكن تقديم معلومات كاذبة ومضللة”، بشأن عملية شراء النادي الإنجليزي من طرف الرياض.
ملف القناة القطرية
وبتقرير المنظمة الدولية تسجل الدوحة نقطة فارقة في ملفها لملاحقة المتورطين بقرصنة قنواتها، وجاء ليؤكد ما أورده برنامج استقصائي بثته قناة “الجزيرة” الإخبارية حول تورط جهات رسمية بالقضية التي لم تكتمل فصولها بعد.
وبث برنامج “ما خفي أعظم”، الذي عُرض في 22 سبتمبر 2019، فيديو مسرباً من داخل مقر قناة “بي آوت كيو” السري، الذي يقع في حي القيروان بالرياض، والشخصيات المرتبطة به، كما أظهر الفيديو المعدات وأجهزة البث والاستقبال التي تستخدم بالقرصنة.
وبيّن أن شركتين سعوديتين، هما “سيلفيجن” و “شماس”، تورطتا في عمليات القرصنة، وعرض تحويلات مالية بين تلك الشركات وإدارة القمر الصناعي “عربسات”، كاشفاً عن تجهيز مكان بديل لعملية القرصنة في دولة عربية أفريقية، بعد زيادة الضغوط على المملكة.
بدورها اتهمت النيابة العامة القطرية ثلاثة موظفين في مجموعة “بي إن سبورت” بالتخابر مع السعودية ومصر للإضرار بمصالح الشبكة الرياضية؛ ليخلص البرنامج إلى أن العملية ليست نتاج قراصنة عاديين، وإنما هي جزء من منظومة متكاملة بغطاء رسمي ودعم مالي.
ما موقف الدوحة؟
في الجهة المقابلة، تصر قطر على موقفها بعد مرور قرابة 3 سنوات على ظهور “بي آوت كيو”؛ إذ أعلنت موقفها منذ البداية بأن ما تقوم به “بي آوت كيو”، “غير شرعي وليس قانونياً، وستلاحقه في كافة المحافل الدولية”، إضافة إلى اللجوء إلى أروقة المحاكم والقضاء.
ففي أكتوبر 2018، أطلقت قطر “تحكيماً دولياً” ضد السعودية بقيمة مليار دولار، للتعويض عن تعرض بث قنواتها الرياضية لما وصفته بأنه “أكبر عملية قرصنة في تاريخ البث الفضائي”.
وقبل ذلك، وتحديداً في الذكرى السنوية الأولى للأزمة الخليجية، توعد النائب العام القطري، علي بن فطيس المري، بملاحقة المتورطين في قرصنة حقوق “بي إن سبورت”، مشدداً على أن الأخيرة سوف تستعيد جميع حقوقها “التي تم الاعتداء عليها وقرصنتها بطرق غير مقبولة وغير قانونية ويعاقب عليها القانون”.
كما حشدت الدوحة جميع الاتحادات الدولية والقارية بمختلف الألعاب والرياضات للتنديد بقرصنة قنوات “بي إن سبورت”، المعروفة إعلامياً بـ”البنفسجية”، وتجلى ذلك ببيان مشترك أصدره الفيفا، في 31 يوليو 2019، مع نظيريه الآسيوي والأوروبي، إضافة إلى روابط دوريات إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا.
وحمل البيان تهديداً ووعيداً لقناة القرصنة، مستنكراً بأقوى العبارات “عملية السرقة الجارية لحقوق الملكية الفكرية والتجارية”، ومتعهداً بإيجاد حلول لعملية السرقة بكل الوسائل الممكنة، بعد فشل الحصول على استشارة قانونية داخل السعودية، منذ مايو 2018.
ومنتصف يونيو 2019، قضت محكمة باريس الكبرى بأن شركة توزيع الأقمار الصناعية “عربسات” متورطة في عملية مشتركة مع قناة “بي آوت كيو” لقرصنة مواد خاصة بشبكة “بي إن سبورت”.
الرياض.. صمت ثم تحرك
من جهتها فضلت الرياض الصمت وعدم التعليق على ظهور “بي آوت كيو”، في ضوء احتدام الحديث حول القرصنة والقائمين عليها؛ إلا أن القناة المثيرة للجدل أصدرت بياناً، مطلع سبتمبر 2017، قالت فيه إنها “شركة كوبية – كولومبية تلتزم بقوانين الدولتين في النقل والبث، وتحارب الاحتكار، وتؤمن بحق الشعوب في الاستمتاع بمشاهدة الفعاليات الرياضية مهما كانت حالتهم المادية”، وهو ما نفته الحكومتان الكوبية والكولومبية بشكل رسمي.
وأشارت إلى أنها مستمرة في نقل المباريات، مطالبة “بي إن سبورت” بالتوقف عن إقحام السياسة في الرياضة على حد قولها، وهو ما أثار جدلاً وسخطاً في منصات التواصل؛ لكون الأخيرة هي من تملك حقوق البث بشكل حصري مقابل أموال كبيرة.
ولم يوقف بيان قناة القرصنة الضجة الكبيرة المثارة، كما أن زيادة الضغوط على المملكة عبر اتحادات دولية وقارية ومسؤولين دفعها للتحرك ومصادرة جهاز بث يقوم بقرصنة إحدى القنوات الرياضية.
هذا ما ذكرته صحيفة “عكاظ” المحلية، في مايو 2018، في إشارة إلى جهاز “بي آوت كيو”، موضحة أنه طبقاً لإحصاء أولي فقد تمت مصادرة 5 آلاف جهاز، وتم إتلافها، مبينة أن السلطات المختصة اتخذت الإجراءات النظامية بحق البائعين؛ لمخالفتهم الأنظمة المتعلّقة بالحماية الفكرية”.
وبعد شهر ونيف، وتحديداً خلال بث مباريات مونديال روسيا، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المستشار بالديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني (أعفي لاحقاً)، قوله إن السلطات السعودية صادرت 12 ألف جهاز على الأقل بُرمجت لقرصنة قنوات “بي إن سبورت”.
وقال القحطاني لـ”الفرنسية”، إن الرقم الفعلي لتلك الأجهزة قد يكون أعلى، مؤكداً أن السعودية تحترم حماية الحقوق الفكرية، وتلتزم بالاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص.
أما بشأن الموقف الرسمي، فقالت وزارة الإعلام السعودية، في 12 يوليو 2018، رداً على تكليف الفيفا محامياً محلياً لملاحقة قناة القرصنة قانونياً، إن الخطوة تأتي استكمالاً لجهود وزارة التجارة والاستثمار في مكافحة أنشطة “بي آوت كيو” داخل المملكة.
وأشار البيان إلى أنه “بحال كان للفيفا مطالب مشروعة مدعومة بأدلة موثوقة فيجب أن تكون على ثقة بأنها ستنال حقوقها العادلة في المحاكم المستقلة في المملكة بما يتوافق مع قانون البلاد”.
وقبل أسابيع من ذلك، نفت وزارة الإعلام السعودية ما وصفته بأنه “ادعاء الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بأن (بي آوت كيو) تتخذ من السعودية مقراً لها”، مستدلة بمكافحة وزارة التجارة والاستثمار جميع أنشطة القناة بلا هوادة.
وفيما بدا أنه إبراز إعلامي لخطوة مكافحة القرصنة، نشر الحساب الرسمي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، نهاية سبتمبر 2019، صوراً ومشاهد تظهر مداهمة بعض المتاجر التي تبيع أجهزة تنتهك الملكية الفكرية؛ مثل “بي آوت كيو”، و “آي بي تي في”، بعد أيام من تحقيق قناة الجزيرة.