تعرفوا على محمية جزر النخل شمالي لبنان

محمية “جزر النخل” شمالي لبنان تختزن تاريخاً منذ العهد الصليبي والانتداب الفرنسي، وتنفرد بثرواتها الطبيعية والحيوانية وتعد متحفاً تاريخياً وطبيعياً.

افتتحت “لجنة محمية جزر النخل” شمالي لبنان ” المحمية أمام الزوار درجاً على عادتها بين منتصف حزيران/يونيو، وآخر أيلول/سبتمبر من كل عام، وذلك بعد أن شكلت وزارة البيئة اللبنانية لجنة جديدة للمحمية.

تتكون المحمية من ثلاث جزر هي، النخل والرمكين وسنني، ويمكن الوصول إلى المحمية عبر مراكب افتتحت لها خطوط نقل متعددة، يصل المركب إلى رصيف طويل على الطرف الشمالي لجزيرة النخل، يمكّن الركاب من النزول بسهولة بعيداً عن مياه البحر العميقة، وأمواجه.

وبعد عبور الرصيف، يبدأ الشاطىء الرملي، الذي يغطي نصف الجزيرة، بينما تغطي الصخور نصف شاطئها الآخر.

وفي جولة في جزيرة النخل، بدت كما كانت منذ أكثر من سنتين دون أي تجديد. وفي هذا الإطار، تحدث رئيس اللجنة المهندس عامر حداد للميادين نت عن المحمية، وقال إنها تقع داخل البحر، وعلى مسافات بعيدة عن الشاطىء. وأشار إلى أنه “في ظروف الانهيار المالي، وارتفاع صرف الدولار، أصبح متعذراً تأمين كل التكاليف التي تضاعفت قيمتها، في الوقت الذي ليس لدينا فيه أي مدخول، اللهم إذا صرفت وزارة البيئة بعض الأموال المحدودة جداً، أو إذا جمعنا بعض رسوم دخول رمزية من الزوار، لا تغطي بعض المصاريف العادية من تنظيف ورعاية”.

وأضاف حداد أن لجنته وضعت خطة متكاملة للمحمية، لكنها تحتاج للكثير من الأموال، موضحاً “يوم وضعنا الدراسة، كان سعر صرف الدولار لا يزال على سعر الـ1500 ليرة لبنانية لكل دولار، وفي ظل الظروف الراهنة، لا نستطيع تأمين حتى لوحة إرشاد واحدة”.

وأشار إلى أن “الهمّ الأساسي حالياً هو إبقاء المحمية بوضع طبيعي، وهناك فريق عمل يرعى المحمية، بينما كل الخدمات على المحمية مجانية. ففي هذه الشهور الثلاثة نريد أن يتمتع الناس بها، خصوصاً أبناء الطبقة الفقيرة الذين لا يستطيعون ارتياد المنتجعات عالية التكاليف”.

وأوضح أن “المعوقات حالياً مادية، وهناك معوقات أمنية، فالمحمية فارغة ليلاً، وعرضة للاعتداءات، والتخريب، وتؤمن مفرزة الشواطىء في قوى الأمن الداخلي حمايتها مما يشعر الزوار بنوع من الارتياح”.

حداد كشف أنه تمّ وضع دراسات ومخططات لتطوير المحمية، وتحديد دورها، إضافة لوضع الثروة السمكية، والطيور، والنباتات، وكل الأمور المتعلقة بها، “لكن التنفيذ يحتاج لمال وأمن”، وفق حداد، الذي أمل أن يعود لبنان إلى سلامه، وأمنه، لتنفيذ هذا المخطط الضروري والهام للمنطقة وللبنان ككل.

محمية غنية بالنباتات الفريدة والأسماك والزواحف
تبعد المحمية مسافة خمسة كيلومترات ونصف داخل البحر، غربي مدينة طرابلس، وهي تشكل مرجعاً للكثير من الطيور، المقيم منها والعابر، والأسماك، والزواحف، والنباتات الفريدة، كما تعتبر محطّة هامة لتفريخ السلاحف البحرية خصوصاً المهدّدة بالانقراض مثل لجأة البحر (caretta caretta)، والسلحفاة الخضراء.

تناهز مساحة جزيرة “النخل” العشرين هكتاراً، وأعلى نقطة فيها تبلغ ستة أمتار فقط عن سطح البحر، وفيها بئر مياه عذبة، وبقايا كنيسة صليبية بناها أحد الملوك الصليبيين خصيصاً لزواج ابنه.

و”الرمكين” تعرف بـ”الفنار” نظراً لبناء منارة عليها من قبل الفرنسيين لإرشاد السفن، مساحتها 1,6 كيلومتراً مربعاً، وأعلى نقطة فيها تبلغ اثني عشر متراً.

أما جزيرة سنني البالغة 4 هكتارات مساحةً، فهي غير قابلة للارتياد لأنها مكونة من صخور رؤوسها مسننة، ولذلك أطلق عليها الجمهور اسم “سنني”، لكنها تشكّل نقطة استراحة للطيور.

وتعتبر مغاور هذه الجزر وتجاويفها البحرية مكاناً مناسباً لتفريخ عدة أنواع من الأسماك المتوسطية كأرنب البحر، الحفش الصخري، والسرغوس، إضافة الى الأخطبوط والأصداف والإسفنج.

وتعتبر جزر المحمية بمثابة متحف تاريخي وطبيعي للعديد من انواع النباتات كحشيشة البحر، ونبتة الخشخاش الأصفر شبه المنقرض في منطقة البحر المتوسط، وأجملها الزنبقة البيضاء التي تزهر صيفاً.

وهناك أنواع عديدة من الطيور المفرخة على الجزر، مثل: النورس ذو الأرجل الصفراء، والنورس (الأدويني) ذو الأرجل الحمراء النادر والمهدد بالانقراض، والهدهد، وخطاف الصخور، وصقر العوسق، وأم سكعكع البيضاء، والبومة الصغيرة، وهازجة القصب، والجشنة السمراء، إضافة إلى حوالى 156 نوعاً من الطيور المهاجرة بعضها يكمل طريقه إلى اليابسة اللبنانية حيث يفرخ، وبعض أنواع الطيور يتخذ من جزر المحمية مرجعاً لقضاء فصل الشتاء مثل “النورس الأوديني وغراب البحر، ومالك الحزين، وبعض أنواع ديك الماء”.

حقائق
أوائل التسعينيات، قررت لجنة رعاية البيئة في الشمال، ومقرها في ميناء طرابلس، العمل على تكريس الجزر محمية بحرية بيئية. وصدر قانون حمايتها في 9 آذار/مارس 1992. لكن سبق للجامعة اللبنانية أن اهتمت بالجزر، وحاول أساتذة متخصصون فيها جعل الجزر الثلاثة محمية وذلك عام 1973، إلا أن التطورات حالت دون استكمال ذلك المخطط.

استخدم الفرنسيون المحمية لأغراض عسكرية، حيث لا تزال بقايا قواعد المدفعية، والأنفاق ظاهرة في جزيرة الرمكين. واستقدموا الأرانب لتتكاثر على جزيرة النخل بهدف ممارسة لعبة تصيّدها، وعند جلاء الفرنسيين عن المنطقة، بقيت الأرانب تتكاثر، وتقتات على جذور النخل حتى أيبستها، ولم يبق منها إلا القليل.

أوائل الثمانينيات، أغارت عليها الطائرات الحربية الاسرائيلية، فترك القصف آلاف القنابل العنقودية التي جعلت زيارتها متعذراً.

ومرّت سنوات طويلة لتنظيف المحمية من القنابل التي خلّفتها الغارة الإسرائيلية، حيث قامت بتنظيفها فرق من الجيش اللبناني. فيما عمدت فرق كشفية بيئية إلى تنظيفها من الأقذار. كما عملوا على التقاط الأرانب وإخراجها من نطاق المحمية حماية لأشجار النخيل التي أعيد غرس الجزيرة بها.

وبعد التنظيف، بدأت اللجنة المولجة الاهتمام بها بإشراف وزارة البيئة، فجهزت جزيرة النخل بممرات لتسهيل العبور، وبنت عليها برج مراقبة بالتعاون مع “جامعة البلمند”، وأقامت حماماً تجريبيا يعمل من دون مياه، وهي تشيد مظلات سنوية من سعف النخل، تغطي مقاعد خشبية للاستراحة على الشاطىء الرملي، تعدّها لاستقبال الزوار مطلع كل صيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى