لبنان يراهن على القطاع السياحي لإنعاش الاقتصاد

في وقت يلقي الواقع الاقتصادي بثقله على مختلف القطاعات في لبنان، تتوجه الأنظار إلى القطاع السياحي، الذي قد يستفيد بشكل أو بآخر من التراجع الحاصل في قيمة الليرة اللبنانية مقابل سعر صرف الدولار، فقد عانت المؤسسات السياحية من الانهيار الحاصل ومن تبعات الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية، إضافة إلى انتشار وباء كورونا وإقفال العديد منها مع ازدياد الضغوط، أما حالياً فتعلق الآمال على الموسم السياحي الذي قد يشكل فرصة تحمل معها بعضاً من الإيجابية، فهل يمشي لبنان في خطى دول أخرى مثل اليونان وتركيا، التي استطاعت أن تخرج من أزمتها الاقتصادية بفضل القطاع السياحي؟ وهل تصدق التوقعات في شأن الموسم السياحي وأرقام الحجوزات في الفنادق والرحلات الآتية إلى لبنان، بما يسمح بنهوض القطاع والإنعاش الإقتصادي بعد الانهيار المستمر الحاصل؟

آمال كثيرة… فأين الواقع؟

تعلّق آمال القيّمين على القطاع السياحي على الارتفاع في أرقام الحجوزات في الفنادق والرحلات الآتية إلى لبنان، إذ يبدو الموسم السياحي واعداً لكثيرين، لكن في مقارنة مع أرقام الحجوزات للرحلات الآتية إلى لبنان في هذا الموسم مع العام 2019، على اعتبار أن مطار بيروت كان مقفلاً في العام الماضي، يشير مدير مطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن إلى أن النسبة تراوح بين 25 في المئة و30 من نسبة الحجوزات في الأشهر نفسها، بمعدل 5000 إلى 5500 من القادمين يومياً إلى بيروت، هذا فيما كانت الأعداد آنذاك تصل إلى 20 ألفاً في اليوم. ويعيد الحسن، في حديث مع “اندبندنت عربية”، السبب إلى استمرار انتشار الوباء في دول عدة في العالم وإقفال مطارات عدة. ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 50 في المئة في شهر أغسطس (آب) المقبل من النسبة التي سُجّلت في العام 2019، فعلى الرغم من التحسّن الملحوظ في الأرقام، تبقى قليلة بالمقارنة مع سنوات ماضية.

أما حجوزات الفنادق، فإن معظمها إما للبنانيين أو لمغتربين وليس لسيّاح حتى اللحظة، وفق ما يوضح نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر. ويشير إلى 450 ألف لبناني في منطقة الخليج و250 ألف لبناني في أفريقيا، اعتادوا القدوم بشكل متكرر إلى لبنان، وهم يتمتعون بقدرة شرائية كبرى. ونظراً لأن الإجراءات لا تزال مشددة في أوروبا بسبب الوباء، يفضلون القدوم إلى لبنان للاستجمام، خصوصاً مع انخفاض الكلفة بالنسبة إليهم في البلاد. فإذا كانت الأسعار اليوم مرتفعة بالنسبة إلى اللبنانيين الذين يتقاضون أجورهم بالليرة اللبنانية، فإن الوضع يختلف بالنسبة إلى من ينفق بالدولار الأميركي.

ويشير الأشقر إلى الطبقات الوسطى من اللبنانيين، التي اعتادت السفر صيفاً إلى وجهات مختلفة، وهي عاجزة عن ذلك حالياً بسبب حجز أموالها في المصارف، لذلك تختار السياحة الداخلية التي تعتبر نشطة حالياً بشكل ملحوظ، علماً أنها تركز في السياحة الداخلية على المناطق النائية للاستمتاع فيها، مما يفسر ارتفاع أرقام الحجوزات فيها، خصوصاً في عطلات نهاية الأسبوع. ويقول، “الفنادق في المناطق النائية وبيوت الضيافة ممتلئة حالياً وللأشهر المقبلة، لأن اللبنانيين ينجذبون إليها في هذه المرحلة، ويجدون فيها متنفساً لهم بكل ما فيها من رفاهية”.

تمييز

وتستقطب الفنادق وبيوت الضيافة أفراداً من المنظمات غير الحكومية والأجانب الذين يحضرون لتقديم المساعدات في لبنان والمؤسسات التي يحضر أفرادها للأعمال، ونسبة الأجانب من هؤلاء 90 في المئة. وفي ما عدا ذلك، تبدو الحجوزات للأجانب قليلة للأشهر المقبلة، فيما ترتفع أعداد العراقيين الذين يواظبون على القدوم إلى لبنان.

وكانت نقابة الفنادق قد اتخذت قراراً بالتمييز في سعر الفنادق بين اللبنانيين والسياح الذين تتقاضي التعرفة منهم بالدولار الأميركي، مما أثار بلبلة. ويوضح الأشقر أن سبب ذلك ليس كما اعتقد البعض، أي التمييز أو استغلال السائح، فالهدف الحقيقي هو إبقاء الفنادق اللبنانية على المنصات العالمية لحجز الفنادق والتي تتقاضى التعرفة بالدولار الأميركي بنسبة 20 في المئة، فيما اعتاد السياح واللبنانيون على الدفع بالليرة اللبنانية، وبالتالي كانت الفنادق تتكبد خسائر جراء ذلك، إلى أن انسحبت الفنادق اللبنانية من المنصة، ولعودة الفنادق اللبنانية إلى الخريطة العالمية، خصوصاً مع انخفاض الكلفة في لبنان بالنسبة إلى القادمين من الخارج، كان الحلّ كما حصل في مصر والجزائر بالحجز بالدولار الأميركي للقادمين من الخارج، وتبقى التعرفة للبناني المقيم بالعملة المحلية. وفي الوقت نفسه، تبقى كلفة الإقامة في فندق في لبنان أقل بنسبة 60 أو 70 في المئة للقادمين من الخارج، نظراً إلى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية.

بين السياح الأجانب والمغتربين

يبدو واضحاً أن الأرقام المسجلة في الحجوزات للموسم السياحي الحالي تخص المغتربين بشكل أساس، لاعتبارهم يعودون في هذه الفترة بعد انقطاع في العام الماضي بسبب انتشار الوباء. ويعبّر كثرون منهم عن دعمهم بهذه الطريقة أهلهم ووطنهم في هذه الظروف الصعبة. وفي المقابل، يعوّل اللبنانيون على هذا الدعم، لعله يسهم في انتعاش ولو بسيط في الوضع الاقتصادي من خلال تنشيط القطاع السياحي.

وفق ما يظهر في حجوزات الرحلات الآتية إلى لبنان، ترتفع بشكل ملحوظ أعداد القادمين من الولايات المتحدة الأميركية والخليج، دبي وقطر والرياض وجدة والبحرين، وأفريقيا، بحسب مدير المحاسبة في قسم المبيعات في الخطوط الجوية القطرية سماح جعفر. وتظهر الأرقام ارتفاعاً في أعداد القادمين إلى لبنان مقارنة بسنوات سابقة. وما يبدو مستجداً هو ارتفاع أعداد القادمين من الولايات المتحدة الذين يحتلون أعلى اللائحة من حيث العدد. في الوقت نفسه، لا يبدو لجعفر أنه يمكن وضع هؤلاء القادمين إلى لبنان في خانة السيّاح، بل هم من المغتربين الذين يعودون لزيارة الأهل ويمارسون السياحة نظراً لانخفاض الكلفة، ففي سنوات سابقة اعتاد هؤلاء السفر إلى تركيا للسياحة بعد القدوم إلى لبنان لزيارة الأهل، بعد انخفاض قيمة العملة فيها، أما اليوم فيختلف الوضع، وهم يحضرون للمكوث في لبنان والسياحة فيه، خصوصاً أن الفنادق والمرافق السياحية والمطاعم ذات كلفة متدنية بالنسبة إليهم، مما قد يسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية في البلاد، وينعكس إيجاباً على القطاع السياحي.

انتعاش أم ازدهار؟

مع الانخفاض الملحوظ في أعداد الإصابات بكورونا في لبنان، وإدراجه من قبل فرنسا في قائمة الدول الخضراء في تصنيفها المستند إلى المعايير الصحية، فمن المتوقع أن تنشط السياحة في البلاد، خصوصاً بعد إقفال المطار في موسم الصيف الماضي وانتشار الوباء بمعدلات أكبر. و”يشكل انخفاض معدلات الإصابة بكورونا عنصراً إيجابياً لعودة المغتربين الذين لم يزوروا البلاد في العام الماضي، مما يسهم في تنشيط السياحة الداخلية”، بحسب مستشار وزير السياحة مازن بو ضرغام.

ويشير بو ضرغام إلى ارتفاع ملحوظ في حجوزات بيوت الضيافة والشاليهات على شواطئ البحر وفي الفنادق في المناطق النائية ومختلف المناطق الساحلية، حيث لا غرف شاغرة، مما يبشّر ببداية انتعاش في القطاع السياحي بعد الضغوط المستمرة التي مرت بها مؤسساته في العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، يتجه اللبنانييون إلى السياحة الداخلية والسياحة البيئية. وفيما يعتبر بو ضرغام هذا النشاط السياحي ممتازاً، مشيراً إلى أن حركة القادمين إلى لبنان في تحسن ملحوظ، لا ينكر أن الأعداد لا تزال أقل بكثير من السنوات السابقة، عندما كانت البلاد تشهد ازدهاراً في السياحة.

ولعل الكلفة المتدنية في لبنان تشكل عنصر جذب للسياح عامة، ومنهم السياح العراقيون لما بين لبنان والعراق من تبادل بين السياحة الدينية والسياحة الطبية، فيمكن للسائح اليوم أن يمضي عطلته في الفنادق اللبنانية التي تُعرف بمستوياتها العالية من حيث الجودة في الخدمة والضيافة بكلفة لا تتخطى 50 دولاراً أميركياً لليلة الواحدة، أي تدني الكلفة إلى نحو 50 في المئة مقارنة بالسابق.

أزمة المصارف والاستقرار الأمني

وعلى الرغم من المنحى الإيجابي للأمور، قد يكون من الصعب الاعتماد على السيّاح لإنعاش الاقتصاد في العام الحالي، لاعتبار أن الأموال التي تنفق لا تدخل في الدورة الاقتصادية بسبب أزمة المصارف، فما يحصل في هذا الموسم يبدو أقرب إلى بداية انتعاش تعلّق عليها الآمال وهي تأسيسية للمرحلة المقبلة، وهدفها إنعاش المؤسسات السياحية والحفاظ على وجودها وجودة خدماتها، أما الاستقرار الأمني والسياسي فيبقى أساسياً لضمان انتعاش القطاع السياحي، لأنه لا يمكن التعويل على انخفاض الفاتورة السياحية نتيجة انهيار قيمة الليرة فحسب، لجذب السائح بغياب الاستقرار.

ويشدد بو ضرغام على أهمية تنشيط السياحة الداخلية، ليس من قبل اللبنانين وحسب، بل من الدول العربية أيضاً، فما هو موجود في لبنان ليس موجوداً في غيره من الدول نظراً لمقومات السياحة المتوافرة فيه من مناخ وبحر وجبل وجودة في خدمات الفنادق ومرافق سياحية تاريخية.

وانطلاقاً من ذلك، يعمل وزير السياحة اللبناني بالتنسيق مع نظيره المصري على رزم سياحية ما بين مصر ولبنان لفتح المجال السياحي بين البلدين. وثمة عمل على اتفاقات سياحية مع اليونان وقبرص للتبادل السياحي، وتم التوقيع على اتفاق مع العراق. و”نحتاج إلى نفض الغبار عن القطاع السياحي لتنشيطه من خلال خطط شاملة بعيدة المدى تسمح بالاستفادة من المقومات السياحية والميزات التي يتمتع بها والتي تفتقدها دول كثيرة مجاورة، لعلّ تنشيط القطاع السياحي يساعد في الانتعاش الاقتصادي، كما حصل في اليونان ودول أخرى”.

يُذكر أن دخل لبنان من القطاع السياحي كان في سنوات سابقة نحو 7 مليارات دولار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى