ساعات حاسمة في لبنان اليوم.. ما السيناريوهات الأكثر ترجيحًا في أزمة تشكيل الحكومة

بيروت – يستبعد محللون تشكيل حكومة في لبنان بالتوافق بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وإذا تحقق ذلك، فإنه سيوصف بالمعجزة السياسية، بعد أن أخذت الصراعات منحىً شخصيًا، بين الرجلين وفريقيهما.

تناقضات اللقاء
في الشكل، كسر الحريري حالة المراوحة السياسية، بعد نحو 9 أشهر من تكليفه مهمة تشكيل الحكومة بدعم من المبادرة الفرنسية، ومبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري (حليف حزب الله)، وكذلك بدعم من بعض الجهات الدولية والعربية وأبرزها مصر، التي عاد منها أمس الأربعاء 14 يوليو/تموز، متوجهًا إلى قصر الجمهورية، حيث قدم لعون تشكيلة حكومية جديدة مؤلفة من 24 وزيرًا.

وكانت الرئاسة المصرية أعلنت دعمها الكامل لمسار الحريري السياسي، الرامي إلى استعادة الاستقرار في لبنان، وفق تعبيرها.

وبعد لقائهما، تمنى الحريري أن يرد عون على مقترح التشكيلة خلال 24 ساعة، وقد أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا أشارت فيه إلى أن عون تسلم تشكيلة حكومية تتضمن أسماء جديدة، وتوزيعا جديدا للحقائب الوزارية والطوائف، مختلفا عما كان الاتفاق عليه سابقا، وأن عون أبلغ الحريري أن هذه التشكيلة ستكون موضع بحث ودراسة وتشاور.

لكن في المضمون، غلب التشاؤم على كل الإيجابيات التي جرى إشاعتها، إذ من غير المرجح أن يلتزم عون بالمهلة الزمنية التي حددها الحريري لإعلان موقفه من التشكيلة.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الحريري قدم تشكيلة تتضمن أسماءً غير مقبولة لدى بعض القوى السياسية، كما أنه تجاهل مطلب عون بتسمية الوزراء المسيحيين، وتحديدًا اسم وزيري الداخلية والعدل.

فما السيناريوهات المطروحة في الساعات المقبلة؟
إعلان تشكيل الحكومة، أو اعتذار الحريري عن التكليف، أو استئناف مرحلة الاستعصاء المفتوح، كلها سيناريوهات مطروحة، بتعا لموقف عون من التشكيلة المقترحة.

هذا الترقب يتزامن مع حراك دبلوماسي واسع تجاه لبنان، وكان آخره لقاءات المبعوث الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل مع المسؤولين اللبنانيين، حيث حثهم على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة.

وهنا، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم حيدر أن التشكيلة التي قدمها الحريري تعد الفرصة الأخيرة بعد أكثر من 15 لقاءً جمع الرئيسين من دون جدوى، في وقت تنحدر الأوضاع في البلاد نحو مزيد من الفوضى، والانهيار الاقتصادي نتيجة خسارة الليرة أكثر من 95% من قيمتها.

وقبل هذا اللقاء الأخير، يعتبر حيدر أن الحريري كان أقرب لإعلان الاعتذار عن مهمته، لكنه تريث في هذه الخطوة بناءً على اتصالات داخلية وإقليمية تسعى لاختبار المحاولات حتى الرمق الأخير.

ويرجح حيدر عدم موافقة عون على تشكيلة الحريري، وقد تكون الذريعة عدم مراعاة آلية تسمية الوزراء المسيحيين، لكن المشكلة الجوهرية تكمن في رفض عون أن يكمل الحريري مهمته، وفق تقدير حيدر.

ويعتبر أن الاستعصاء الداخلي صار معضلة التعطيل الأساسية تحت قبة الشروط المرفوعة من قبل جميع الأطراف السياسية، إلى جانب عوائق إقليمية، قد تكون أقل حدّة، لكنها مؤثرة، وتحديدًا أن صراع المحورين المتخاصمين (إيران وأميركا) مع حلفائهما، يشتد بالساحة اللبنانية.

وقال “طالما الملفات الإقليمية معقدة، سيستمر انسداد التسويات في لبنان حول الملف الحكومي”. ويستبعد المحلل السياسي الاتفاق على بديل للحريري في حال قدم اعتذاره، وإلا “ستكرر تجربة الرئيس المكلف السابق مصطفى أديب الذي جاء الحريري خلفا له”.

من جهته، يتوقف الصحافي والمحلل السياسي حسين أيوب عند موقف المصريين الداعم للحريري، ويربطه باعتبارات إقليمية عدة، لكنها أعطت الحريري رافعة عربية، ويعتبر أنه تمايز بوضوح عن الموقف السعودي الرافض لتسمية الحريري، الذي سبق أن شكل نقطة ضعفه طوال رحلة التكليف.

ويتحدث أيوب -للجزيرة نت- عن 3 سيناريوهات محتملة عقب لقاء الحريري وعون: أولها، الاحتمال الأضعف وهو إمكانية الإعلان عن تشكيل حكومة بالتوافق بين الرجلين مع إدخال تعديلات طفيفة عليها، بموازاة المساعي العربية والدولية لإنجاح مهمة الحريري.

وثانيها، عدم إعطاء عون موقف من التشكيلة ضمن المهلة التي حددها الحريري، أو عدم استمهاله لمناقشته، وبالتالي اعتبار الحريري أن هذا التجاهل بمثابة رفض لها، وقد يُقدِم عندها على الاعتذار.

وثالثها، أن يعلن عون موقفا رافضا للتشكيلة، وبالتالي يُقدِم الحريري أيضا على الاعتذار.

ويعتبر المحلل السياسي أن السيناريو الأكثر ترجيحًا راهنًا، هو اعتذار الحريري عن مهمته. وإذا اعتذر سيكون من الصعب جدًا التوافق على شخصية بديلة عنه، لأن موقف نادي رؤساء الحكومات السابقين، يتحرك باتجاهين: إما مقاطعة المشاورات التي سيجريها عون لتسمية شخصية بديلة عن الحريري، وإما المشاركة من دون تسمية أي شخصية أخرى.

أما في حال انتقل الحريري إلى ضفة المعارضة، فـ”سيصبح الشارع مساحة مستحبة للاستثمار من مختلف الأطراف”، وفق أيوب.

وهنا، تشير مصادر مقربة من أجواء تيار المستقبل برئاسة الحريري إلى أن النقاش الدائر داخل التيار يتمحور حول أيهما أكسب للحريري في الانتخابات المقبلة: أن يكون رئيسا للحكومة، أو أن يقف بجبهة المعارضة، مع ما يتبع الخيار الثاني من فرص “للاستفادة” شعبيًا بشعارات، مثل استعادة صلاحيات رئاسة الحكومة وغياب الميثاقية الطائفية داخل السلطة.

الاهتمام الدولي
وفي سياق آخر، تعتبر الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بومنصف، أنه إذ توفرت الإيجابية لدى عون والحريري، يمكن التغاضي عن تفاصيل الخلاف بينهما، في ظل التسهيلات الممنوحة خارجيًا للبنان، وإذا “لم تثمر الجهود الدولية، مقابل استمرار القوى السياسية في عنادها، يعني أن ثمة أمرًا مريبًا غير مرئي”.

وتشير -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الجهد الدولي يأتي قسرًا تجاه لبنان، خصوصًا أن معظم الدول الوازنة بالملف اللبناني تنشغل بأولويات أخرى، وفي طليعتها فرنسا التي تتحضر للانتخابات الرئاسية.

وترجح بومنصف دفع القوى الداخلية للمجتمع الدولي والعربي، نحو الاقتناع بعدم تشكيل حكومة موكلة بتنفيذ الإصلاحات، وإنما بتشكيل حكومة انتخابات مع اقتراب موعد الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية في ربيع 2022.

لكن، لماذا لا تتجاوب الطبقة السياسية مع الجهود الدولية المبذولة تجاه لبنان؟
تجيب المحللة السياسية بأن ثمة غرابة بعدم بلوغ كل المساعي الدولية مبتغاها، وتحديدا فرنسا وروسيا ومصر، وتعتبر أن المشكلة هي غياب إيران عن هذه المساعي.

وتقول إن أي جهد دولي يبذل تجاه لبنان لن تتحقق أهدافه إذا لم يتم التحدث مع إيران بشأنه، إذ تشكل ثقلًا وازنًا بلبنان من خلال حزب الله، الذي يبدو معنيًا بقوة بالملف الحكومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى