“يفهم اللي بدّو يفهم”.. هل وصلت “رسالة” ميقاتي؟!
منذ تكليفه تشكيل الحكومة قبل نحو أسبوع، يحرص الرئيس نجيب ميقاتي على انتقاء مفرداته بعناية، حاصرًا إياها باللغة الإيجابيّة المتفائلة، بعيدًا عن كلّ ما من شأنه تعكير الأجواء، وإضفاء بعض السلبيّة على المشهد، ومعتمدًا مقولة “خير الكلام ما قلّ ودلّ”، في الردّ على التسريبات الإعلامية المكثّفة حول عقد ومشاكل تحول دون التأليف.
يستند هذا “التكتيك” الذي يعتمده الرئيس ميقاتي، وفق ما يقول بعض المتابعين والعارفين، إلى قناعة راسخة لديه بأنّ نجاحه في مهمّته التي توصَف في بعض الأوساط بـ”التعجيزية”، بل “الانتحاريّة”، يتطلّب مثل هذه المقاربة، فهو يريد “أكل العنب”، لا “قتل الناطور”، و”أكل العنب” هنا هو لصالح البلد الذي لم يعد أبناؤه قادرين على الصبر والتحمّل، بعدما دقّت الأزمات، بكلّ الأنواع والأشكال المُتاحة، أبوابهم إلى حدّ بعيد.
لذلك، كانت “استراتيجيّة” ميقاتي منذ اليوم الأول بالتعاون مع الرئيس ميشال عون، بوصفه “شريكه” في التأليف، وحتى بالانفتاح على رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، منعًا لأيّ “تجاذبات” تضرّ ولا تنفع، ولكن تحت سقف واضح حدّده لنفسه، وعنوانه الثبات على المسلّمات الوطنيّة، التي رسمها بيان رؤساء الحكومات السابقين الأخير، والذي صدر عشيّة تكليفه.
ماذا تغيّر؟
بالأمس، وفي أعقاب اللقاء الرابع بين الرئيسين عون وميقاتي في قصر بعبدا، خرج الرئيس المكلّف بتصريح جديد، انطوى على الإيجابيّة المعتادة، والرغبة بتحقيق الهدف المنشودة، لكنّه تضمّن في الوقت نفسه، رسائل “مبطنة” غُلّفت بعبارة “يفهم اللي بدو يفهم” التي تحوّلت سريعًا إلى “الترند”، في ضوء التحليلات والتفسيرات التي أعطيت لها، حتى إنّ البعض اعتبرها تمهيدًا لـ”صدام” مع فريق “العهد“.
صحيح أنّ المحسوبين على الرئيس المكلّف يرفضون أيّ تأويل أو تفسير، طالما لم يصدر عن الرئيس ميقاتي نفسه، إلا أنّهم يضعون كلام الرجل في سياقه الواضح، فهي أتت بعد تأكيده أنّه يقيّد نفسه بمهلة غير مفتوحة، وهو ما يعلمه القاصي والداني منذ تكليف الرجل، لأنه يرفض الخضوع لمنطق “المماطلة” الذي لم يعد “ترَفًا” في ظلّ الوضع الراهن، ولأنّ الناس سئمت من الصراعات على الحصص وغيرها.
لذلك، أراد الرئيس ميقاتي توجيه “رسالته” بوضوح. هو يريد أن ينجح في مهمّته، لأنّ “إنقاذ لبنان” لا بدّ أن يمرّ خلالها، لكنّه لا يريد أن يكون ممرًا للمزيد من التعقيد الذي لا يترجم سوى زيادة الأعباء على اللبنانيين، خصوصًا بعد تجربتين غير مشجّعتين للسفير مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري، اللذين لم يوفَّقا بتشكيل الحكومة، رغم كلّ المحاولات المضنية، وهو ما يرفض الرئيس ميقاتي تكراره بالوتيرة نفسها.
أمر لا يُصدَّق!
بمعزل عن “رسالة” الرئيس ميقاتي “الحازمة”، وما قصده بها، ثمّة كثُر غير قادرين على “التصديق” أنّ الحكومة لا تزال “عالقة” عند العقد نفسها، وأنّ هناك من لا يزال مصرًّا على الحصول على حقيبة من هنا أو هناك بأيّ ثمن، ويرفض تقديم أيّ “تنازل”، رغم كلّ الظروف التي تشهدها البلاد، والتي تحتّم تقديم التنازلات، كيفما كان.
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ ما حصل في خلدة قبل يومين كان يفترض أن يكون “جرس إنذار”، يُضاف إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتفاقم، والذي ينذر بالأسوأ، في ظلّ الأزمات “الكارثية” التي يتخبّط خلفها اللبنانيون، والتي تزداد مع كلّ يوم بدل أن تنقص، لتعبّر خير تعبير عن عبارة “الانهيار الشامل”، التي يبدو أن بعض السياسيين “تأقلموا” معها ربما لكثرة تكرارها، تمامًا كما بات الحديث عن الذهاب إلى “جهنّم” أمرًا عاديًا.
لكنّ كلّ هذه الأجواء السلبيّة لم تجد طريقها بعد إلى حيث يجب، فمواقف الأفرقاء لا تزال على حالها، والدوران يبدو في حلقة مفرغة، حيث ثمّة من يقول إنّ الأسباب التي منعت الرئيس سعد الحريري من التشكيل لا تزال هي هي، وأنّ أيّ تقدّم لم يُحرَز بعد، لأنّ هناك من يصرّ على عدم إعطاء الرئيس ميقاتي ما لم يُعطَ للحريري، رغم أنّ “العطاء” هنا يجب أن يكون للبلد، وعلى طريق إنقاذه، وليس لشخص ميقاتي أو الحريري أو غيرهما!
قال الرئيس ميقاتي إنّه كان يتمنّى أن تكون وتيرة التشكيل أسرع، وتحدّث عن سعيه لتفادي “وكر الدبابير”، بالإبقاء على التوزيع المذهبي والطائفي المعمول به كما هو. يتقاطع ذلك مع ما قاله منذ اليوم الأول عن جدّيته في تشكيل حكومة “إنقاذية”، ولكنّه لا يزال يصطدم على ما يبدو بـ”فيتو” لا تفسير له. فهل تصل “رسالته” المستجدّة وتلقى صداها الإيجابيّ، أم تُفسَّر سلبًا، فتطيح سياسة “التحدّي” بالفرصة التي قد تكون “الأخيرة”؟!