نصحوه فلم يتعظ، فحصل ما حصل
نصحه رئيس الحكومة وتمنى عليه تقدير مصلحة لبنان العليا ودعاه بطريقة مهذّبة ولائقة وغير مباشرة إلى تقديم إستقالته، فلم يفعل. وهكذا فعل البطريرك الماروني عندما زاره أمس الأول مبتسمًا
قبل أن يحدث هذه الأزمة مع المحيط العربي، والتي كان لبنان في غنىً عنها، إعتقد كثيرون أن جورج قرداحي سيحدث فرقًا في الوزارة الآتي إليها من رحم الإعلام.
فالإعلامي الإعلامي، خصوصًا عندما يتسلّم مسؤولية عامة، عليه أن يعرف كيف يجب أن يكون التصرّف مع الأزمات الكبيرة. وعليه أن يقدّر مسبقًا أهمية كل كلمة تخرج من فمه. فعليه ومنذ اليوم لتسّلمه مهامه الوزارية أن يزين كلماته جيدًا، مع إحتفاظه بأن يدلي برأيه الشخصي بكل حرية، ولكن بالطبع بكل مسؤولية، لأنه يُفترض بأي وزير أن يلتزم السياسة العامة للحكومة المنتسب إليها، والتي حدّدها بيانها الوزاري، والذي على أساسه نالت الحكومة ثقة مجلس النواب، خاصة ما جاء فيه عن” تعزيز علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة والإصرار على التمسّك بها والمحافظة عليها والحرص على تفعيل التعاون التاريخي بين بُلداننا العربية، ودعوة الأشقاء العرب إلى الوقوف إلى جانب لبنان في هذه المحنة التي يرزح تحتها شأنُهم دائماً مشكورين“.
سبق لي أن توليت مسؤوليات في وزارة الإعلام، وكنت خلال السنوات الطويلة التي قضيتها فيها مستشارًا لعدد من وزراء الإعلام. وأذكر، كما يذكر الجميع، كم كنا نتعمّق في درس كل كلمة وكل فاصلة في أي بيان كان يصدر بإسم وزير الإعلام، إذ كان لكل موقف مقام. ولا أذكر أنه صدر أي بيان عن أي وزير من دون أن يشبع درسًا وتمحيصًا ومناقشة، والأهم إستشفاف ما يمكن أن تكون عليه ردّات الفعل
صحيح أن الوزير قرداحي قال ما قاله، وهو حرّ في ما يقول كأي مواطن لبناني، وبالأحرى كأي إعلام حرّ، قبل أن يتولى مسؤولية وزارة الإعلام. ولكن ما لم يكن صحيحًا، وهذا في رأي كثيرين، ردّة فعله على ما إعتبره المسؤولون في المملكة العربية السعودية إنحيازًا إلى جهة دون أخرى في حرب اليمن، وإفتئاتًا على دور المملكة في هذه الحرب.
يُقال إنه كان لزامًا على الوزير قرداحي إعتبار ما عبّر عنه يوم لم يكن وزيرًا في حكومة تحرص أشدّ الحرص على علاقات لبنان بمحيطه العربي، وتنأى بنفسها عن التدّخل في الشؤون الداخلية لأي دولة شقيقة أو صديقة، زلّة لسان وهفوة يمكن الإعتذار عنها “وعفى الله عمّا مضى“.
لكن أن يستمرّ هذا الوزير على موقفه، متكلًا على من يدعمه من القوى الداخلية، فهو ما لم يفهمه كثيرون، خصوصًا أنه برفضه أولًا الإعتذار، ومن ثم عدم التجاوب مع التمني عليه بتقديم إستقالته، يزيد الأمور تعقيدًا وتأزّمًا.
وبدلًا من المساهمة في إطفاء النار تأتي مواقف بعض الأطراف، ومن بينهم الموقف الأخير لوزير الأشغال العامة والنقل علي حمية لتزيد “الطين بلّة”، وتضع مصير الحكومة في مهبّ الريح، على رغم الجهود التي يبذلها الرئيس ميقاتي لرأب صدعها وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، من خلال ما يقوم به من إتصالات حثيثة، خارجية وداخلية، في محاولة للتخفيف من أضرار ما نجم من مضاعفات تصريح قرداحي.