مساعي “احتواء” الأزمة الدبلوماسية متواصلة.. ماذا لو استقالت الحكومة؟
كتب المحرر السياسي:
إلى “الذروة”، وصلت اليمن، حيث تُرجِمت خلال عطلة نهاية الأسبوع “شبه قطيعة”، مع تصاعد خطوات دول الخليج، بين استدعاء وطرد سفراء، وربما ما هو أعظم.
بالموازاة، استمرّت مساعي “احتواء” الأزمة المستجدّة، التي بدأها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي منذ اللحظة الأولى لتسريب مضمون تصريحات قرداحي المتلفزة، حين أعلن “تنصّل” الحكومة منها، وتطلّعها إلى أفضل العلاقات مع الدول العربية، ولا سيّما دول الخليج، وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية، التي لطالما كانت إلى جانب لبنان.
وإذا كان الرئيس ميقاتي حرص على “الموازنة” في مساعيه، بين الداخل “المنقسم” على نفسه، و”الخارج” حيث يعقد سلسلة لقاءات خلال الساعات المقبلة، فإنّ “اندفاعة” دول الخليج استمرّت فصولاً، فكانت الإجراءات “المتسارعة” التي أقدمت عليها، والتي وُصِفت في بعض الأوساط بـ”التاريخية”، وسط مخاوف من أن تتوسّع أكثر، لتصل إلى حدود “قطع العلاقات”.
“استقالة” الحكومة
بالتوازي مع المساعي التي يقودها الرئيس ميقاتي لرأب الصدع، ومحاولة “احتواء” الأزمة، التي لا يستفيد أحد من تمدّدها، ولو “كابر” البعض في التصريح والتصعيد، بدأ رفع السقف في بعض الأوساط السياسية الداخلية، في تجلّ للانقسام الداخليّ الذي يبدو أنّ التطورات الأخيرة أعادت بلورته، بعد فترة من الهدوء النسبي، إن جاز التعبيرالأزمة اللبنانية الخليجية التي نشبت على خلفية تصريحات لوزير الإعلام جورج قرداحي أدلى بها قبل تسلّمه منصبه الوزاري، وعبّر فيها عن “رأي شخصي” بحرب
وإذا كانت استقالة وزير الإعلام شكّلت مطلبًا أساسيًا لكثيرين، باعتبار أنّ تصريحاته تسبّبت بالأزمة، وبالتالي فإنّ انسحابه من المشهد قد “يهدّئ” الوضع إلى حدّ بعيد، ويحقّق “المصلحة العليا” التي دعاه رئيس الحكومة نفسه إلى “تقديرها”، ثمّة من قرأ الموضوع من زاوية أخرى، باعتبار أنّ الاستقالة التي لا تبدو نتائجها “مضمونة”، قد تجرّ نحو الأسوأ، خصوصًا بعدما حصد قرداحي “تأييدًا” من داخل الحكومة، وسط تحذيرات بأنّ استقالته لن تكون وحيدة، بل ستُستتبَع بأخرى جماعية لوزراء “حزب الله” و”أمل” و”المردة”.
في مقابل هذا “السيناريو” الذي قد يؤدي إلى “تطيير” الحكومة، وإدخال البلاد في “فوضى” لا تحمد عقباها، بشكل أو بآخر، ثمّة قوى سياسية بدأت تدفع نحو “سيناريو” آخر، يتمثّل باستقالة الحكومة عن بكرة أبيها، في خطوة “حسن نيّة” تجاه دول الخليج، خصوصًا بعد كمّ من “الرسائل” التي وصلت إلى القوى النافذة ومفادها أنّ استقالة وزير الإعلام بمفرده ليست كافية، وأن المطلوب مواجهة “هيمنة” إيران المتواصلة منذ سنوات، من خلال “ذراعها”، أي “حزب الله”، على الحكم في لبنان.
هكذا، يبدو أنّ كلّ “السيناريوهات” التي يتمّ تداولها من جانب البعض، عن حسن أو سوء نيّة، تقود إلى نتيجة واحدة، وهي “استقالة” الحكومة، التي طال انتظارها لأكثر من عام، وتطلّبت ولادتها وساطات إقليمية ودولية بالجملة، وتضحيات وتنازلات أكثر من أن تُعَدّ وتُحصى، فماذا لو استقالت الحكومة اليوم؟ وهل تشكّل الحلّ المطلوب لبنانيًا؟
يقول مؤيّدو الاستقالة إنّ من شأنها توجيه رسالة “إيجابية” لدول الخليج، وتبديد “الهواجس” التي أثارتها لديها تصريحات وزير الإعلام، الذي يُعَدّ “واجهة” لها. لكنّ معارضيها يسألون في المقابل: هل فعلاً تُبدَّد مثل هذه الهواجس بالاستقالة؟ وهل تعني الاستقالة انتهاء “هيمنة” فريق من هنا أو هناك، لو صحّت هذه الفرضية؟ ومن قال إنّ استقالة الحكومة هي أساسًا مطلب دول الخليج، التي من الواضح أنّ امتعاضها يتجاوز وزير الإعلام، ولا يرتبط بالحكومة الحاليّة التي بقيت “محايدة” إزاءها؟
يعتبر معارضو الاستقالة أنّ السؤال الذي يتوجّب على الداعين لاستقالة الحكومة الإجابة عليه هو: ماذا لو استقالت الحكومة؟ من سيستطيع عندها تأليف حكومة جديدة، بعدما جُرّب المجرَّب؟ وهل يريد البعض العودة إلى “نغمة” تصريف الأعمال التي جُرّبت أيضًا، وثبت عدم قدرتها على مواجهة الظروف الاستثنائية التي يعيشها الوطن؟ وأليس التعويل المفترض لمواجهة الهيمنة، هو على الانتخابات؟ وإذا كانت هذه الانتخابات مهدَّدة أصلاً، كما يخشى كثيرون، فهل ستثبّت الاستقالة إجراءها، أم التهديد المحدق بها؟
لا شكّ أنّ استقالة الحكومة تبقى خيارًا واردًا على طريقة “آخر الدواء الكيّ”، لكن لا شكّ أيضًا أنّ “احتواء” الأزمة لا يكون عبر “خلق” أزمات جديدة، في بلدٍ بات يولّد الأزمة تلو الأزمة، فيما مواطنوه فقدوا كلّ قدرة على الصمود والمقاومة، وبالتالي فإنّ المطلوب “استنزاف” الفرص المُتاحة، قبل “تصعيد” الموقف، حتى لا تُنسَف الانتخابات، ومعها كلّ أمل بإنقاذ وحلّ ومن يحزنون!