مسؤول أممي: لبنان على شفير الانهيار ويجب إعادة النظر في نموذجه الاقتصادي
قال مبعوث مستقل للأمم المتحدة إن “لبنان ليس دولة منهارة لكنه على شفير الانهيار”، مشيراً إلى أنّ المسؤولين ليس لديهم أي شعور بضرورة التحرك العاجل أو العزم اللازم لتحمل مسؤولياتهم إزاء أزمة اقتصادية أدت إلى “إفقار وحشي” للمواطنين.
وأضاف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر، في مقابلة مع وكالة “رويترز” في ختام مهمة استمرت أسبوعين لدراسة الفقر في لبنان: “أنا مندهش جداً من حقيقة أن هذه دولة في طريقها للفشل، إن لم تكن فشلت بالفعل، واحتياجات السكان لم تتم تلبيتها بعد”.
والتقى دي شوتر خلال زيارته بمجموعة من كبار المسؤولين، ومن بينهم 9 وزراء ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
ولم يعلق مصدر مسؤول في مكتب رئيس الوزراء على تصريحات دي شوتر، لكنه أشار إلى أن ميقاتي عقد اجتماعاً مثمراً هذا الأسبوع مع مسؤول آخر في الأمم المتحدة، وهو المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي.
وأشار دي شوتر إلى أنّ “ما قامت به السلطات اللبنانية من تدمير للعملة الوطنية، وإدخال البلد في مأزق سياسي، وتعميق أوجه عدم المساواة التي طال أمدها، قد أغرق لبنان في فقر مدقع”.
وأضاف: “لبنان ليس دولة منهارة بعد، لكنه على شفير الانهيار. لقد كان ذات يوم منارة تسترشد بها المنطقة: مستوياتٌ عالية في التنمية البشرية وقدرات كبيرة”.
واعتبر دي شوتر أن “تدمير الليرة اللبنانية أدى إلى تخريب حياة الناس وإفقار الملايين”، لافتاً إلى أنّ “الأزمة المصنّعة تدمّر حياة السكان، وتحكم على الكثيرين بفقر سيتوارثه الناس جيلاً بعد جيل”.
وأردف المسؤول الأممي: “أوجه عدم المساواة في لبنان عند مستويات غير مقبولة منذ أعوام. وحتى قبل الأزمة، كانت فئة أغنى 10 في المائة من السكان تحصل على دخل يزيد خمس مرات عن فئة أفقر 50 في المائة منهم. وهذا المستوى الصارخ من عدم المساواة يعززه نظام ضريبي يكافئ القطاع المصرفي، ويشجّع التهرب الضريبي، ويركّز الثروة في أيدي قلّة. وفي الوقت نفسه، يتكبّد السكان ضرائب تنازلية تصيب أكثر ما تصيب أشد الناس فقراً. إنها كارثة من صنع الإنسان، استغرق صنعها وقتاً طويلاً”.
وتابع: “مقلقٌ كيف أن القيادة السياسية تبدو غير راغبة في تبيان العلاقة بين الإصلاح الضريبي وتخفيف حدة الفقر، وتقلّل من شأن ما يمكن أن تحققه أنظمة الحماية الاجتماعية من فوائد في إعادة بناء الاقتصاد، ولا سيّما في أوقات الأزمات. وللأسف، ما من خطة موثوقة لتخفيف حدة الفقر أعلمتني بها الحكومة إلا وتعتمد على المانحين الدوليين والمنظمات غير الحكومية”.
ورأى دي شوتر أنّ “الاعتماد على المعونة الدولية ليس مستداماً، وأنّه في الواقع يضعف مؤسسات الدولة”، وأردف: “معروفٌ أن لبنان يتكبّد مستويات عالية من الديون، لكن ارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لا يؤدي بحد ذاته إلى أزمة ديون. السؤال المطروح هو علامَ أنفق القادة السياسيون الموارد. على مدى عقود، تجاهل لبنان الحاجة إلى سياسات اجتماعية، من برامج قوية في الرعاية الاجتماعية وبنى أساسية للخدمة العامة، وركز بدلاً من ذلك على القطاعات غير المنتجة مثل المصارف، مضاعفاً الدين العام باستمرار، ومكرساً تلك الموارد لخدمته”.
وقال: “من المذهل التقصير في المسؤولية على أعلى مستويات القيادة السياسية. وبينما التقيت بمسؤولين مخلصين على مستوى صغار الموظفين، صدمت بانفصال المؤسسة السياسية عن واقع الذين يعيشون في فقر على الأرض. فالأطفال يجبَرون على ترك المدرسة والعمل في ظروف غير آمنة. كذلك، فإن اللاجئين واللبنانيين في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة والكهرباء، وموظفو المدارس والمستشفيات العامة يغادرون البلد بعد أن طالهم الفقر”.
وتابع دي شوتر: “يفتقر لبنان إلى نظام شامل للرعاية الاجتماعية كان من شأنه أن يخفف من آثار الأزمة التي ضربت ومعظم السكان من غير حماية. يجب على الحكومة أن تعطي الأولوية لوضع حد أدنى من الحماية الاجتماعية الشاملة، بما في ذلك التأمين ضد البطالة، ومستحقات الأطفال، ومعاشات الشيخوخة والإعاقة، ومستحقات المرض والأمومة أو الأبوة، وكلها كانت ستحمي العمال أثناء الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19”.
وأضاف: “لبنان لديه فرصة لإعادة النظر في نموذجه الاقتصادي، ولن يؤدي الاستمرار في تحفيز نموذج فاشل قائم على الريعية وعدم المساواة والطائفية إلا إلى إغراق السكان أكثر في العوز. وإلى أن يتم اقتراح خطة موثوقة لتحويل الاقتصاد، ومعالجة عدم المساواة، وضمان العدالة الضريبية، والحؤول دون المزيد من المآزق السياسية، لن يأخذ المجتمع الدولي الإصلاحات على محمل الجد”.
وأكمل: “لا تزال العلاقة المعقّدة بين الطبقة السياسية والقطاع المصرفي مقلقة للغاية. وعلى الحكومة أن تكون قدوة وأن تكشف علناً عن جميع الإيرادات والحصص والمصالح المالية، وأن تخصّص الموارد لآليات المساءلة الحقيقية، ولن يصدّق المجتمع الدولي التزامات الحكومة بالإصلاح إلا إذا التزمت بشكل جدي بمبدأ الشفافية”.
ولفت دي شوتر إلى أنّ “المجتمع الدولي يجب أن يلمس جدية الحكومة في تطبيق الشفافية والمساءلة، ومن شأن اعتماد نهج قائم على الحقوق أن يوجه جهودها على هذا المسار”.