أول سيدة حكمت في التاريخ.. قصة الملكة تومريس التي رفضت الخضوع للفرس وقطعت رأس الملك كورش الكبير
أول سيدة حكمت في التاريخ.. قصة الملكة تومريس التي رفضت الخضوع للفرس وقطعت رأس الملك كورش الكبير
التقت الملكة المحارِبة تومريس بكورش الكبير، أول ملوك فارس، في معركةٍ تاريخية، لم يخرج منها سوى شخص واحد على قيد الحياة.
يُعتقد أن الملكة تومريس هي أول امرأة حاكمة تُعرف في التاريخ. كانت ملكة على شعب الميسجات، في العام 530 قبل الميلاد؛ وهو شعبٌ ينتمي إلى القبائل الرُحَّل، ومعروفٌ بملابسه الفرائية، وكانت الأراضي العشبية موطناً له.
خلال فترة حكمها، خاضت الملكة تومريس صراعات وحروباً كبيرة مع الإمبراطورية الإخمينية في بلاد فارس، كان أبرزها مع الملك كورش الكبير، حيث كان يُتوقع أن ينتصر.
فقد أحضر جيشاً قوامه 200 ألف جندي لغزو أراضي السهوب، شمال إمبراطوريتهم؛ لكنه فوجئ بضراوة شعب الميسجات وملِكتهم، التي قاتلت بشراسة من أجل حماية عائلتها وشعبها، وانتصرت في النهاية.
هو صراعٌ على الحكم بين قوتين، تردّد صداه عبر التاريخ.
الملكة تومريس.. المحاربة التي رفضت الخضوع للفرس
امتدت الإمبراطورية الفارسية من البحر الأبيض المتوسط في الشرق، إلى نهر السند في الغرب، وكانت واحدة من أقوى الإمبراطوريات في العالم. فقد كان بإمكان الجيش الفارسي أن يخرج منتصراً من أي معركة.
وفي المقابل، كانت مملكة الميسجات أصغر بكثير.
ففي القرن السادس قبل الميلاد، حكمت الملكة تومريس الأراضي الواقعة شمال بلاد فارس وشرق بحر قزوين. كان شعب الميسجات من البدو الرُحَّل، الذين عاشوا في سهوب آسيا الوسطى، وركبت نساؤه الخيول وقاتلن في المعارك وحكمن البلاد.
كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت عن شعب الميسجات: “يقاتلون على ظهور الخيل وعلى الأقدام. يستخدمون الأقواس والرماح، لكن سلاحهم المفضل هو فأس المعركة”.
وسَّع كورش الكبير، حاكم بلاد فارس، حدود إمبراطوريته بقهر البابليين ثم حوَّل انتباهه شمالاً إلى شعب الميسجات. لكن، كانت هناك مشكلة واحدة فقط: رفضت الملكة تومريس الخضوع للفرس.
حكمت تومريس شعب الميسجات بعد وفاة زوجها. وجنباً إلى جنب مع ابنها، سبارغابيسس، دافعت الملكة المحارِبة عن أراضيها وشعبها. تُشير بعض المصادر
إلى أنها أولَت اهتماماً خاصاً للأطفال، وتنشئتهم في بيئة سليمة.
قبل إرسال جيوشه إلى الشمال، حاول الملك كورش أن يحل المسألة دبلوماسياً؛ فأرسل بعض السفراء إلى الملكة تومريس، ليجس النبض عما إذا كانت تقبل أن تصبح زوجته.
أدركت تومريس أنها مجرد حيلة وخطة من الملك للسيطرة، وكانت تعرف أن “مملكتها هي ما يتودَّد إليها كورش”، كما يقول هيرودوت. فرفضت عرض الزواج، وطلبت من كورش في المقابل التركيز على حكم أراضيه بدلاً من محاولة الاستيلاء على أراضيها.
حينها، أرسل كورش جيشه شمالاً لغزو أراضي شعب الميسجات.
الملكة تومريس تخسر المواجهة الأولى مع الملك كورش
مع وجود الجيش الفارسي على حدودها، أرسلت الملكة تومريس تحذيراً إلى كورش، مفاده: “إذا لم يتراجع، فسوف يهاجم جيشُ الميسجات في غضون ثلاثة أيام”. وعندما مرت الأيام الثلاثة، خدع الفرس الميسجات، إلا أن هذه الحيلة ستنقلب عليهم.
كيف ذلك؟
جاء الفرس بفكرة ذكية: خيَّم جيشهم على جانبٍ واحد من النهر الفاصل بين بلاد فارس وإقليم الميسجات، وتظاهروا بالتراجع. وعندما تقدَّم الميسجات، وجدوا معسكراً مهجوراً مليئاً بالنبيذ.
لم يعتد الفرسان الرُحَّل صنع النبيذ، ولم يزرعوا العنب أو يخمِّروه. فبحسب هيرودوت، فإن الميسجات شربوا الحليب في المقام الأول.
واحتفالاً بتراجع الفرس، شرب الميسجات النبيذ حتى الثمالة، فانقض عليهم الفرس وأسروا معظم جنودهم، ومن ضمنهم ابن الملكة تومريس. ناشد الابنُ، بعد أن ضربه العار من أَسره، الملكَ كورش من أجل الحصول على إذنٍ لإنهاء حياته.
وبموافقة الملك، قَتَل نجل تومريس نفسه.
وبحسب كتاب “جوديث“، للكاتبة ديبورا ليفاين غيرا، ألقَت الملكة اللوم على الملك كورش في مقتل ابنها. وأوصلت إليه رسالةً، تعهدت فيها بقتله، وجاء فيها: “أنت يا كورش أيها المتعطِّش للدماء، لا تفتخر بنفسك بهذا النجاح الضعيف. لقد تغلبت على ابني بالنبيذ، كان هذا هو السم الذي أوقعه في شباكك، وتغلَّبت عليه به، وليس في قتالٍ مفتوحٍ وعادل”
انتقام الملكة وسقوط الملك
أصرّت تومريس على الانتقام، وعملت من أجل تحقيقه، وتعهَّدت قائلةً: “سأعطيك ما يكفي من الدم”. وعندما تجاهلها الملك الفارسي، حضَّرت جيشها، ثم هاجمت بلاد فارس.
واجه شعب الميسجات الفرسَ، فيما وصفه هيرودوت بأنها “أعنف معركة بين غير اليونانيين”. وتقاتَلَ الأعداء في قتال ملاحمٍ بالرماح والخناجر، ولم يستسلم أيٌّ من الجانبين، خصوصاً أن كورش افترض أنه سيكون من السهل التغلُّب على الميسجات.
فقد فاق عدد الفرس مقاتلي الميسجات بعددٍ كبير جداً، وتفاخروا بضخامة إمبراطوريتهم؛ لكنهم أغفلوا حقيقة أن شراسة تومريس، وإصرارها على الانتصار والانتقام، كل ذلك مَنَح الميسجات ميزة وقوة.
خلال المعركة، سقط كورش. وفي أعقاب ذلك، طلبت الملكة من جيشها البحث عن الملك بين جثث الفرس وإحضار جثته إليها. وعندما أحضروها إليها، قطعت رأسه وأغرقته في وعاءٍ مليءٍ بالدم.
وقالت تومريس: “أعيش وقد هزمتك في القتال، ومع ذلك أنا مُدمَّرةٌ، لأنك أخذت ابني بدهاء”. ثم أردفت بعبارتها الشهيرة: “كنتَ متعطشاً لشرب الدماء طوال حياتك، والآن هأنذا أتغذى على دمائك وأرتوي منها”.
عاشت قصة تومريس لفترةٍ طويلةٍ بعد زمن الميسجات، وبعد رحيلها. ورسم فنانو العصور الوسطى الملكة المحاربة، وهي تقطع رأس عدوها. وأعاد فنانو عصر النهضة تمثيل عقاب تومريس بجثة الملك كورش.
لكن هل قتلت تومريس كورش الكبير حقاً بهذه الطريقة الوحشية؟ يزعم هيرودوت، الذي كتب -في القرن الذي تلا مقتل كورش- أن قصة قتل تومريس للملك كورش قد تكون حقيقية لكنها سردية ناقصة.
ويسأل هيرودوت: “ماذا حدث لتومريس بعد صدّ الفرس؟”، لا يسجل التاريخ الفصل التالي من حياة الملكة تومريس، ما عدا كتاب العصور الوسطى الذي يروي أن شعب الميسجات تطوَّرَ إلى الهون، الذين غزوا أوروبا على ظهر الخيول.
لكن، ورغم اختفاء تومريس من السجلات التاريخية، فقد استمرَّت سمعتها بالقسوة والوحشية طيلة قرون طويلة