مواقف عون “زادت التباعد”.. لقاء بعبدا الرئاسي (لم) يكسر الجليد!
عشيّة عيد الجيش، كثرت التسريبات عن لقاء ثنائي بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، من شأنه “إنعاش” ملف تشكيل الحكومة المغيَّب عن دائرة الأولويات، أو بالحدّ الأدنى، “كسر الجليد” الناشئ بينهما، منذ “التسريب غير البريء” للمسودّة التي قدّمها رئيس الحكومة المكلّف لرئيس الجمهورية، وبعده “الإشكال البروتوكولي” الذي وقع بعد طلب الرئيس ميقاتي موعدًا لزيارة الرئيس عون، من دون أن يلقى جوابًا شافيًا حتى الآن.
بالفعل، حصل اللقاء، وقد أضحى ثلاثيًا بانضمام رئيس مجلس النواب نبيه بري إليه، إلا أنّ ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل كان “الطاغي” عليه، لتزامنه مع زيارة الموفد الأميركي المكلف رعاية المفاوضات آموس هوكستين، بل إنّ اللقاء بدا “محصورًا” بهذا الملف، خصوصًا أنّ الهدف الأساسيّ منه كان نقل موقف لبناني “موحّد”، في رسالة أريد منها نفي كلّ الاتهامات عن انقسام لبناني داخلي حول مقاربة ملف الترسيم.
لكن، أبعد من ملف الترسيم، لم يبدُ أنّ لقاء بعبدا حقّق أيًا من أهدافه غير المُعلنة، فلا هو مهّد للقاءات ثنائية أو ثلاثية أخرى، ولا أحيا مباحثات تشكيل الحكومة، ولا حتى خدم غاية “كسر الجليد”، بل إنّ هناك من يقول إنّ الأمور لم تعد تراوح مكانها فحسب، بل تراجعت إلى الخلف أكثر، على وقع المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية في خطاب عيد الجيش، والذي “زاد الشرخ” أكثر، نتيجة “السهام” التي صُوّبت في أكثر من اتجاه.
“رسائل” عون
في خطاب الرئيس ميشال عون في عيد الجيش، أكثر من “رسالة” التقطها المتابعون، قد يكون أهمّها تأكيده نيّته مغادرة القصر الجمهوري بانتهاء ولايته الرئاسيّة بمعزل عن السيناريوهات المحتملة، وهو ما تجلى بقوله “إنه الاحتفال الأخير الذي سأسلم فيه السيوف للضباط”، ولو أنّه أثار بعض الجدل بحديثه عن ضرورة انتخاب رئيس “يواصل مسيرة الإصلاح الشاقة التي بدأناها”، على حدّ وصفه.
لكنّ خطاب الرئيس لم يخلُ من الغمز واللمز الذي طال خصوصًا الرئيسين ميقاتي وبري، فهو حمّل رئيس المجلس مسؤولية إنجاز الانتخابات الرئاسية، داعيًا البرلمان إلى تحمّل مسؤولياته “في اختيار من يجد فيه اللبنانيون الشخصية والمواصفات الملائمة لتحمل هذه المسؤولية”، آملاً في الوقت نفسه ألا يكون مصير الانتخابات الرئاسية مماثلاً لمصير تشكيل الحكومة الجديدة، “التي لم تتوافر لها حتى الساعة المقومات والمعايير الضرورية”.
وهنا بالتحديد، كانت “رسائل” عون، أو ربما “لطشاته”، إلى الرئيس ميقاتي، إذ اعتبر أنّ عدم تشكيل الحكومة “يعرّض البلاد إلى مزيد من الخضّات ويعمّق الصعوبات الاقتصادية والمالية”، متحدّثًا عن مسؤولية أساسية لـ”المعنيّين” الذين لم يسمّهم، في “منع تعريض البلاد إلى مزيد من التدهور والترهل”، وقد فُهِم بوضوح أنّه كان يغمز من قناة رئيس الحكومة المكلف، رغم أنّ الأخير يؤكد أنه قام بواجباته كاملة، حين سلمه مسودة “مناسبة”.
ماذا بعد؟
يقول المتابعون إنّه بعد هذه المواقف، لم يكن من المتوقع أن تفضي لقاءات بعبدا إلى أيّ “حراك جدي” على خط ملف الحكومة، أو حتى إلى أيّ “مرونة أو ليونة” مستجدّة، بل إنّ هناك من يعتبر أنّه لولا ملف ترسيم الحدود الضاغط، واقتناع الرؤساء الثلاثة بضرورة الخروج بموقف موحّد في حضرة المبعوث الأميركي، لكان يمكن لمواقف رئيس الجمهورية أن تطيح باللقاء “الجامع” عن بكرة أبيه، خصوصًا أنّ ما كان منتظَرًا منه كان مختلفًا في الشكل والمضمون.
ومع أنّ “المعنيّين” الذين أشار إليهم الرئيس عون رفضوا الدخول في أيّ سجال مع رئيس الجمهورية، يؤكد العارفون أنّ “الكرة” لا تزال في ملعب الأخير، ولو حاول رميها عشوائيًا في ملعب هذا أو ذاك، فالكلّ يعرف أنّ التشكيلة الحكومية “عالقة” عنده، فضلاً عن كون الرئيس المكلف أكد في أكثر من مناسبة أنه ينتظر اتصالاً من دوائر القصر الجمهوري لزيارة بعبدا، بعدما طلب موعدًا من دون تلقي جواب، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
وإذا كان من الواضح أنّ ملف الحكومة طوي عمليًا، باعتبار أنّه لم يعد هناك متّسع من الوقت لتشكيل الحكومة، ومن ثمّ حصولها على الثقة، في وقت باتت أقلّ من ثلاثة أشهر تفصل عن انتهاء الولاية الرئاسية، ثمّة من يعتقد أنّ أداء الرئيس نفسه لا يوحي بأنّه “راغب” أصلاً في أن تؤلف حكومة جديدة قبل انتهاء “العهد”، ربما لإدراكه أنّه لن يستطيع الوصول إلى “مقوّمات” أفضل من تلك المتوافرة في الحكومة الحاليّة، ولو أوحى أنه غير راضٍ عنها.
في النتيجة، لا كسر جليد بين الرؤساء، ولا حكومة ولا من يحزنون، وهو ما أوحى به بوضوح الخطاب الرئاسيّ في عيد الجيش الأخير في “العهد”. لكنّ الخشية تبقى أن يتمدّد مثل هذا الأداء إلى ملف الانتخابات الرئاسية، فيفرض الفراغ نفسه مرشحًا أوحد، بانتظار “تسوية” قد تأتي وقد لا تأتي أبدًا، خصوصًا بعدما ثبُت بالملموس أنّ المعارك “الدونكيشوتية” التي جُرّبت سابقًا لم تعد تجدي نفعًا اليوم..