باسيل يساجل في معارك خاسرة!
يستمرّ الاشتباك السياسي والاعلامي بين الرئيس المكلّف ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وبين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، علماً أن هذا السجال الحاصل، والذي يصرّ باسيل على إشعاله، لا ينسجم مع الايجابية التي تطبع لقاءات الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الامر الذي بات يحسم أن المشكلة الاساسية تنطلق من المصالح السياسية “لصهر العهد“.
يبدو أن النائب جبران باسيل لا ينوي الحفاظ على “شعرة معاوية” مع الرئيس المكلف، إذ إنّ جبهة النار المفتوحة بوجه ميقاتي تؤكد على أن باسيل قد سلك طريق اللاعودة في العلاقة مع الاخير وذلك من خلال خطاباته وبياناته العنيفة التي بات يصدرها بين حين وآخر في محاولة لإلهاء الرأي العام عن حقيقة مخططاته السياسية للمرحلة المقبلة. الامر الذي دفع بمكتب ميقاتي الاعلامي لإصدار بيان ختم من خلاله حفلة الردود والردود المضادة، معتبراً انه على باسيل، الذي بات مؤخراً يهوى السجالات، أن “يساجل نفسه في المرآة” وأنهى بذلك كل الكلام.
ولعلّ النائب جبران باسيل قد جنح في خصومته محوّلاً الخلاف مع ميقاتي من صراع سياسي الى صراع طائفي يحاول من خلاله التأكيد على أن صلاحيات رئيس الجمهورية لا يمكن أن تكون بيد الحكومة، مع ما يمثله موقع الرئاسة الثالثة في التوازنات الطائفية ، غير أن باسيل الذي ورّط نفسه في معركة خاسرة منذ بدايتها ساهم من حيث لا يدري بالتفاف الطائفة السنية حول ميقاتي الحريص دوماً على التوازن في لبنان ولا سيما في هذه المرحلة الحساسة التي تشهدها البلاد، والتي تشهد فيها جميع القوى السياسية بمن فيها خصوم ميقاتي، على تجاوزات باسيل الفاقعة والتي باتت تمسً بالدستور والأعراف.
مما لا شك فيه ان رئيس “التيار الوطني الحر” يساجل “يميناً وشمالاً” في محاولة لشدّ العصب المسيحي على اعتبار أنه يسعى الى حماية حقوق المسيحيين السياسية والدستورية، وعليه، فإنه يتحدّى الدستور عبر معايير جديدة يحاول إرساءها بعد تجاوزات لا تعدّ ولا تحصى بدأت مع رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري ومن الواضح أنها لن تتوقف عند ميقاتي الذي يبدو عازماً على عدم السماح لباسيل، اقلّه خلال وجوده في الحكم، بممارسة فوقيته والانقضاض على “الطائف” وتمريك المخالفات الفادحة من غير حدّ!
لكنّ السؤال الذي ظلّ يطرح نفسه منذ العام 2019 وبعيد انطلاق حراك 17 تشرين، هل سعى باسيل فعلاً الى تحصيل حقوق المسيحيين من خلال تنصيب نفسه الآمر الناهي في كل الاستحقاقات الرئيسية في لبنان أم أن السحر انقلب على الساحر فوجد نفسه يضع الطائفة بأكملها في مواجهة طائفة اخرى وأدخلها في عداوات مع شركاء في الوطن والطائفة نفسها، وقاد معارك واهية لم يحقق من خلالها انتصاراً واحداً الا اذا كان يعتبر بأن التعطيل بطولة وانتصار!
تسريبات “التيار” الاخيرة كانت مفاجئة، لأنها ألمحت الى عدّة سيناريوهات كان احدها أن رئيس الجمهورية ميشال عون قد يقرر “الاستعصاء” بقصر بعبدا، وهو أمر بالغ الخطورة ونوع من انواع التصعيد السياسي الذي يذهب باتجاه الخرق الفاضح للدستور. لكن من الواضح أن النائب جبران باسيل يريد أن يلقي بثقل التعطيل في حضن ميقاتي وتحميله تبعات الفراغ الرئاسي، إن حصل، علماً أن ميقاتي قد قدّم تسهيلات في مسار المفاوضات الحكومية وأبدى انفتاحاً على ملاحظات الرئيس عون بهدف تيسير التشكيل، الامر الذي لم يُحرج باسيل الذي لا يتوانى عن الإدعاء بعدم التدخل في ملف التأليف، لكنه في الوقت نفسه يفبرك العراقيل بهدف فرض املاءاته الحكومية معتمداً على توقيع عون.
همّ باسيل الأساسي لا يتركّز فقط في الحصول على مكتسبات سياسية ودستورية لاحقاً، بل هو يعمل أيضاً من خلال حروبه المفتعلة على كسب التعاطف المسيحي واستجماع واقعه الشعبي الذي أظهرته الانتخابات النيابية الاخيرة متراجعاً بشكل كبير. لكنّ المسيحيين اليوم ليسوا في هذا الوارد على الاطلاق، بل يرغبون جديًا بعملية إصلاح والبدء بخطوات الانقاذ التي تمكّنهم من الخروج من عمق الأزمة الراهنة. حتى أن بعض الوزراء داخل الحكومة، والمحسوبين عموماً على “التيار” ورئيس الجمهورية باتوا يبدون امتعاضاً شديدا من العرقلة المفضوحة التي يبتكرها باسيل والتي تؤدي الى استمرار الحكومة في مهام تصريف الاعمال عوضاً عن تشكيل حكومة جديدة بنفس المواصفات تكون قادرة على تحقيق بعض الانجازات في ظلّ الواقع الاقتصادي والمعيشي المنهار وتمهّد لإمكان حصول فراغ رئاسي ومنع البلاد من الذهاب نحو الشلل الكامل.