التفاح “في الأرض”.. والتاجر يقول للمزارع: دبّر راسك
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”: إذا سألنا اللبنانيين اليوم عن التفاح سيجيبون بسرعة البرق: التفاح الحرام! فيلدز، بطلة المسلسل التركي، أخذت عقلهم وشاهقة، أم المكائد، يكرهونها وأندور، كا تسميها يلدز، تحولت من شريرة الى أقل شراً. لكن، ما لا ينتبه إليه لبنانيون كثر أن هناك تفاحاً لبنانياً “على الأرض” وعليه يبكي مئات المزارعين اللبنانيين صبحاً ومساء. التفاح اللبناني صورة واضحة عن لبنان المتأزم. إنه انعكاس لبلدٍ منسي يتساقط مثل حبات التفاح على الأرض ولا يجد من ينشله أو يلمه. فهل يلتفت إليه أحد قبل فوات الأوان؟
في بلدٍ “فلت” فيه “الملق” من كل الجوانب أصبح مزارعوه يجلسون تحت “فيّات” اشجار التفاح ويرندحون أغنية: يا دارة دوري فينا. حال هؤلاء حال. إنهم يبكون. الرجال، مزارعو التفاح العنيدون، يبكون على إنتاجهم. فالموسم أسوأ من سيئ والدولة، قبل التفاح، بالأرض. فالى من يشكون؟
نتابع هؤلاء. ننصت إليهم. ننظر في عيونهم وسماتهم وحركاتهم. يبدون أحياناً مثل “الروبو”، يتحركون بلا هوادة ويبقون في أمكنتهم، غير عارفين ماذا ينتظرهم غداً وبعد غد. فلا من يشكون له ولا من يأملون منه. هناك مُزارعون مجبولة أيديهم بالتراب، وهناك من يتسامرون على جثثهم، وهنالك وزارة تفكر حالياً في زراعة الزعفران ناسية أن هناك شجرة عمرها من عمر لبنان، تحدّت عبر الأزمنة الثلوج والجليد، ومكّنت سكان الجبال وموارنته من الصمود. فهل نقول الى هؤلاء: مبروك لكم إنجاب الزعفران والعوض بسلامة شجرة التفاح؟
أزمة تصريف
وما يُفاجئ هو أن من يناقشون أزمة تصريف التفاح في لبنان إنما يذهبون الى أبعد، الى إيران والمملكة العربية السعودية، والى اليمن ومصر، والى اليمين واليسار، والى الحزب الأصفر والتيار البرتقالي والى الكتائب والقوات اللبنانية والمردة… فالمسائل في لبنان، على اختلاف مشاربها، زراعية أو تربوية أو مالية أو… أو… أو… لها طابع سياسي. فكيف يُطلب من المملكة العربية السعودية أن تفتح باب استيراد تفاح لبنان الملغوم بالكبتاغون؟ وكيف يُطلب منها ومن دول الخليج إستيراد تفاح من بلد هناك من يرشقهم فيها بالنعوت والوعود؟ مزارعون قالوا ذلك ومزارعون ردوا: وما ذنبنا نحن؟ لماذا علينا أن ندفع نحن ثمن أفعال وأقوال سوانا؟
لن ندخل في تلك الجدلية بل سنسأل عن مصير شجرة التفاح ومزارعي التفاح.
إبن البترون جوزف مسعد، المزارع والكاتب في آن واحد، هو من طلب من وزارة التربية ومن أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر- على ما قال- تأخير بدء المدارس قليلا الى ما بعد موعد قطاف التفاح “فجميع بلدان العالم تفعل ذلك كي يشارك الأولاد في القطاف، وهذا ما كنا نفعله نحن أيضا حين كنا صغاراً، فلماذا على المدارس أن تبدأ اليوم في 7 أيلول؟”. نجح مسعد ورفاقه في تأخير بدء الموسم الدراسي، لكن ماذا عن مصير أطنان التفاح المكدسة أو التي “تستوي” على أغصانها؟
يتحدث جوزف مسعد “عن صندوق تفاح يباع بسعر يتراوح بين دولارين وأربعة دولارات، فالتفاح على ارتفاع 1500 متر يباع بأربعة وعلى “الواطي” بأقل” يضيف “مشكلتنا ان لا أحد يبالي بنا، من جبة بشري الى المتن، في حين أنه في كل مرة يقترب فيها موسم التبغ “تقوم قيامة” نبيه بري. مزارعو التفاح خائفون على مصير إنتاجهم خصوصاً أنه بعد غد الخميس ستصل سرعة الرياح، بحسب الأرصاد الجوية، الى ستين كيلومتراً في الساعة وقد لا تبقى تفاحة معلقة على شجرة. ما يحصل يُشكّل أكبر جريمة في الكون. هناك ما لا يقل عن خمسة ملايين صندوق تفاح لا نعرف مصيرها. ويستطرد: صندوق التفاح سعره فارغاً خمسة دولارات وسعر تبريد الصندوق سبعة دولارات، يعني ها قد تكبدنا 12 دولاراً، من دون أن نكون قد فعلنا بعد شيئاً. تكلمت مع كثير من مزارعي العاقورة وحراجل “شي ببكي”. التفاح على أمّه. والتفاحة الغولدن، مثل الصبيّة البيضاء الشقراء، إذا وقعت على الأرض “تدبغ”. وصناعة الخلّ يحتاج الى مصانع وأيدي عاملة”.
هل تحدث جوزف مسعد مع وزير الزراعة كما تحدث مع وزير التربية؟ يجيب: “وزير الزراعة يكتفي بفرك اليدين” ويستطرد “لا مولدات ولا أسمدة. حارة كل مين إيدو إلو. كميل شمعون، رحمه الله، صدّر التفاح الى الولايات المتحدة الأميركية واستورد بدلا منه “تشكليتس”. فليفعل المسؤولون في بلادنا شيئاً”.
ما رأي رئيس تعاونية التفاح في تنورين ريمون نهرا؟
يرأس نهرا تعاونية زراعية تضمّ 104 أعضاء، يمثلون بعض مزارعي تنورين. وهو يسعى الى إيجاد الحلول بدل التذمر ويقول: “عملنا خلال الشتاء الماضي على تحسين قدرتنا على التصريف لكن مشكلتنا التي واجهناها بدت ثقافية. طلبنا من المزارعين المهتمين بالتصدير أن يقوموا بفحص بساتينهم الزراعية لتحديد نسبة الترسبات الكيميائية فيها وما إذا كان إنتاجهم مناسباً للتصدير. لكن، ما واجهناه، هو أن كثيراً من المزارعين رفضوا أن يفعلوا ذلك، وفضلوا الإتكال على التاجر لإجراء الفحص وهذا خطأ كبير يقترفونه”. ويستطرد نهرا بالقول: “ما يحصل أن التاجر يخلط في أحيان كثيرة التفاح، بين ما هو عالي الترسبات وبين ما هو مستوفي المواصفات، والبلد المستورد يقوم عادة بفحص عينات، فإذا صودف أن العينة التي أجرى عليها الفحوصات تحتوي على ترسبات عالية عمد الى إلغاء الشحنة كاملة وإعادتها الى مصدرها. وعندها يقول التاجر للمزارع بما معناه: روح دبّر حالك”.