عهد ميشال عون… ما له وما عليه
أمّا وقد إنتهى العهد بما له وبما عليه لا يسع للمتتّبع لأحداث السنوات الست، التي كانت مثار جدل بين اللبنانيين، مؤّيدين ومعترضين ورافضين، إلاّ أن يتوقّف عند الأسباب الموضوعية، التي أدّت إلى هذا الفشل غير المسبوق.
ومن بين الأسباب الكثيرة، التي كانت وراء هذا الإنهيار المأسوي للعهد والبلد في آن، نورد ، على مدى يومين متتاليين، ما يلي:
أولاً: عندما تقع أحداث كبيرة غير محسوبة ومن النوع الذي يترك تأثيرات عميقة ويُحدث تحّولات جذرية، مثل إنفجار مرفأ بيروت الذي لم يشهد العالم مثيلًا له وقد ُصنِّف أضخم وأخطر إنفجار غير نووي في التاريخ الحديث، ومثل جائحة كورونا التي اجتاحت العالم وأوقفت الحياة لشهور طويلة وضربت المجتمعات والإقتصادات وفاقمت في الأزمة الإقتصادية وسّرعت وتيرتها، كلها أمور تدخل تحت خانة”وجوه وعتاب”.
ثانيًا: الملفات والمشاكل المزمنة والمتراكمة على مر سنوات وعقود. فالإنهيار المدّوي لم يحدث فجأة ولم يأت من فراغ، وإنما سبقته مقدمات ومؤشرات وإنذارات، وكانت نتيجة سياسات فاشلة، من دون رؤية وآفاق مستقبلية، وتعتمد التأجيل والمراوغة.
كل هذه الملفات والأزمات إنفجرت مرة واحدة في عهد عون وفي وجهه، بمجرد أن توافرت “الشرارة” و”الصاعق المفّجر”، بدءا من إنتفاضة 17 تشرين وصولًا الى إنفجار مرفأ بيروت. وإذا كان مقّدرا للأزمة أن تنفجر يومًا وللإنهيار المالي – الإقتصادي أن يحدث يومًا، فإن هذه “الشرارات – الأحداث” ساهمت في تقديم الموعد وتسريع الوتيرة.
ثالثًا: طريقة إدارة الحكم التي اعترتها أخطاء وشوائب، وكان يمكن أن تكون أفضل في أكثر من مجال، وخصوصا في مجال تشكيل الحكومات التي استهلكت واقتطعت من عمر العهد نصفه تقريبًا مع حكومات تصريف أعمال، وكذلك الأمر على صعيد الإدارة السياسية التي لم تكن سلسة واحتوائية لبؤر التوتر ومصادر التهديد والعرقلة، وعكست أحيانًا رغبة في كسر التوازنات وقواعد اللعبة، وعكست في أحيان أخرى إستخفافًا وخطأ في التقدير للمواقع والمخاطر. وأوضح مثال على ذلك، العلاقة المتوترة مع الرئيس نبيه بري التي إتسمت بالتوتر والتشنج، وكذلك العلاقة مع وليد جنبلاط التي ظلت غير مستقرة حتى آخر لحظة.
رابعًا: “التسويق الشعبوي الإعلامي” للعهد وغير المطابق للواقع اللبناني في الدستور والتوازنات الطائفية والتعقيدات السياسية. وهذا ما أدى الى إحاطة العهد بهالة كبيرة ورفع سقف التوقعات والطموحات، لتصطدم لاحقًا بجدار الواقع الذي أدّى إلى الشعور بخيبة كبيرة . إن نظرية أو مقولة “العهد القوي، و”الرئيس القوي” لا تصّح ولا تستقيم مع بلد قائم على توازنات دقيقة، وأن إختصار العهد برئاسة الجمهورية، بشخصه وفريقه، وكان استعمال هذه التعابير على نطاق واسع من الأخطاء البارزة، لأن الرئيس هو رأس الدولة ولكنه ليس المقرر والحاكم فيها، ولأن العهد يشمل كل السلطات والمؤسسات.
خامسًا: يحمّل كثيرون النائب جبران باسيل مسؤولية أساسية في ما آل إليه “العهد” من تعثر وإخفاق. فالتعامل مع باسيل في السنوات الخمس الماضية على أنه “الصهر المدلل” عند الرئيس عون، الذي قال عنه ذات مرة أنه عطي أدوارًا وصلاحيات واسعة، والقدرة على التعاطي والتأثير في كل شيء “مثل إبني”؛ وعلى هذا الأساس تصرّف على أنه “الرئيس الظل” في إدارة الملفات والمشاريع والتعيينات في شكل مباشر أو من خلف الستارة. فهو أخذ من العهد ولم يعطه سوى ما نزل عليه من مصائب وويلات. وقد يكمن السبب الأساسي في أن باسيل عمل وتصّرف من خلفية إنجاح مشروعه الرئاسي للوصول الى قصر بعبدا ووراثة عون رئاسيًا، مثلما ورثه سياسيا في قيادة “التيار الوطني الحر”، أكثر مما عمل وتصّرف من خلفية إنجاح عون وعهده، علما أن نجاح العهد كان مفتاح النجاح لباسيل في مسيرته السياسية والممر الألزامي للوصول الى قصر بعبدا. وكانت النتيجة أن المشروع الرئاسي الذي تصّرف على أساسه باسيل وكشف عنه عون وتبناه باكرًا كان سببًا مباشرا في استحداث خصومات لرئيس الجمهورية وارتفاع سواتر سياسية في وجه عهده.
في مقالة الغد سنورد أربعة أسباب إضافية أدّت إلى فشل العهد.
المصدر: “لبنان 24”