سجن رومية.. الموت البطيء في انتظار الحرية
أمراض، فيروسات، وفيات، هلاك، نزاع، إلخ..إلخ..إلخ… هذه هي صورة سجن رومية في لبنان؛ صورة جعلت من هذا السّجن مركزاً للموت البطيء، حيث باتَ نُزلاءُ هذا السّجن يتمنون الإعدام أو الموت السّريع بدل انتظار الحرّية.
ومن على مواقع التّواصل الإجتماعي، عمد سجناء سجن رومية إلى نشر معاناتهم ، ليظهر حجم المعاناة، والإسقاط، الذي يتعرّضُ لهُ السّجناء عبر صفحتي “لجنة العفو العام”، و “سجناء رومية”.
ما يعانيه سجن رومية من إسقاط للحقوق الإنسانية، وإجحاف بحق السّجناء ليس وليد اليوم، لا بل هو نتيجة تراكمات من الإهمال، والتّقصير، والتّراخي، من قبل الجهات المسؤولة، فالقوى الأمنية وصلت إلى الحدّ الأقصى من قدراتها لناحية إدارة الأمور داخل السّجن، فمن جهة أولى فإن سجن رومية يعاني من مشكلة أساسية ألا وهي الاكتظاظ الكبير، حيث فاقت القدرة الإستيعابية للسجن ٣٧٠٠ سجين(١٥٠٠ عند إنشائه)، ليُشكل بذلك ضغطاً كبيراً، بحيث لم تعدْ غرفُ السّجنِ قادرةً على استيعاب هذا العدد.
من ناحيةٍ أخرى فإن التأخير في المحاكمات، أدى إلى تمديد وقتِ الإحتجاز، في ظل عدم تطبيق نص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي حددت سقف التّوقيف الاحتياطي في الجنح والجنايات، حيث ينص المشرع على أنه لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين، وفي الجناية ستة أشهر. وهذا ما أكد عليه وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، حيث أشار خلال حديث صحافي إلى أن ما نسبته ٧٩٪ من السجناء هم سجناء غير محكومين، و٤٣٪ هم من غير اللبنانيين.
سؤالٌ أخر يطرح حول حجم تقصير الجهات الرسمية بالتّعامل الإنساني مع سجناء سجن رومية، فكيف لدولة لا تستطيع أن تؤمن احتياجات عناصر قِواها الأمنية أن تؤمن احتياجات ما يُقابل ٥٥٠٠ سجين في لبنان؟؟ سؤالٌ أشعل لهيبَهُ مورّدو المواد الغذائية إلى سجن رومية، حيث هدّدوا بقطع إمدادات المواد الغذائية عن السجن في حال لم تدفعْ الجهات المسؤولة المبالغ المُتراكمة عليها، ما اضطر وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال الوزير يوسف الخليل إلى إحالة مبلغ ١٠ مليارات ليرة من احتياط موازنة عام ٢٠٢٢ لمصلحة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والسّجون في وزارة الداخلية والبلديات وذلك لتأمينِ جزءٍ من الإعتماد لتغذية السّجناء بمواد واحتياجات غذائية، إلا أن هذه الأزمة لم تحل بالشكل المطلوب، حيث طالت تداعياتها لتصل إلى مرحلة أن يقوم السّجين بتأمين القوت لنفسه، عبر تأمين كلفة الطعام، والدواء، وحتى صور الأشعة والفحوصات في حال كان مضطراً إلى ذلك، وهذا ما تؤكده شقيقة أحد السجناء التي أشارت إلى أنها اضطرت إلى دفع مبالغ من المال لنقل شقيقها المصاب بمرض جلدي، والذي توفي خلال نقله بسبب عدم توفر الإحتياجات اللوجستية لعناصر السّجن، ولا حتى توفر السّيارات بشكل دائم، ما يؤكد غياب المتابعة من قبل الدولة، وإلقاء اللّوم على عناصر السّجن الذين ما بيدهم حيلة.
بشكل دائم، ما يؤكد غياب المتابعة من قبل الدولة، وإلقاء اللّوم على عناصر السّجن الذين ما بيدهم حيلة.
و بشأن آخر مُتصل بمشاكل السّجناء، تبرز إلى الواجهة مشكلة الرعاية الطّبية للسجناء، إذ انتشرت عبر منصات التّواصل الإجتماعي صور تُظهرُ عدداً من السّجناء في وضعٍ صحي سيئ، لتحصل بعدها أعمال عنف في مبنى الأحداث، ومع انتهائها، اتهم السّجناء العناصر الأمنية بضربهم بطريقة وحشية، وإصابة بعضهم بجروح بليغة، لكن القوى الأمنية نفت كل تلك الاتهامات، ومن هنا يتوجب التّأكيد على أن القوى الأمنية باتت تعملُ فوقَ طاقتها، وموجوداتها، إذ بات العناصر والضّباط يُحاربون باللّحم الحيّ، ويُسابقون الوقت لأجل تأمين أدنى العنايات الطّبية، بوقت شحّ فيه توريد الأدوية، والاحتياجات اللازمة إلى مديرية السّجن، ما يدحض كاملاً أي رواية من شأنها أن تحمّل القوى الأمنية مسؤولية ما يجري داخل سجن
رومية، وهذا ما يؤكده بيان القوى الأمنية، حيث أشار إلى أنّه وبعد مطالبة عدد من النّزلاء بدخول المستشفى بسبب ادعائهم المرض افتعل المتواجدون في النّظارات الفوضى، عندها، توّجهت العناصر بصورة فوريّة للسيطرة على الأحداث، فاستغلّ الذين أُحضروا إلى الصّيدلية مجريات الأمور، وأقدموا على تصوير لقطات تظهرهم بأوضاع صحيّة سيئة لإثارة الرأي العام.
من ناحية أخرى فإن الأهالي ايضا غير مطمئنين على أوضاع أولادهم، فمع شحّ الطّعام، وتقنين الكهرباء، وانتشار الأمراض الجلدية بسبب التلوث، وعدم تأمين المستلزمات الطّبية، لا يزال الأهالي يحاولون جاهدين أن يصلوا إلى حل مع الجهات المسؤولة، حيث يؤكد أهالي أحد السّجناء على أن واقع السّجن هو مأسوي، وعملية المحاكمة مأسوية أكثر، فكيف يمكن لسجين أن يقبع موقوفاً لمدة ١٢ سنة من دون أي مُحاكمة؟ ومن هنا يطرح موضوع العفو العام، حيث يؤكد أهالي السجناء إلى أن الأمر متوقف على المناكفات السّياسية والطّائفية، وهذا ما يجبرهم على أن يقوموا دائماً بتحركات داخل السّجن وخارجه بغية الوصول إلى حلول للسجناء، وذلك لحث المسؤولين على إقرار قانون العفو العام، إضافةً إلى تحديد السّنة السّجنية 6 أشهر للجميع لمرة واحدة فقط، بالإضافة إلى شمول جميع السّجناء بقانون تخفيض العقوبات وإزالة الصّفة الجرميّة وإلزاميّة الدعم.
بحلقة مفرغة تدور مشكلة السجون في لبنان، إذ أن الأمر لا يتوقف فقط على سجن رومية، بل يمتد ليشمل كافة سجون لبنان، وسط غياب تام لأي حل شامل لهذه المشكلة .
المصدر: “لبنان 24”