“الرئيس” ليس في حاجة ليأخذ مكان أحد

عندما تحدّث الرئيس نجيب ميقاتي أمام الرؤساء والأمراء العرب في قمة الجزائر لم يكن يتحدّث سوى كونه رئيس حكومة كل لبنان، وليس بأي صفة أخرى، وأن كان يتكلّم بإسم جميع اللبنانيينن حتى الذين يناصبونه العداء.

فما قاله يعني الجميع وليس فئة دون أخرى. فعندما يصارح العرب بأن لبنان الذي يعرفونه قد تغيّر كان في الوقت نفسه يصارح اللبنانيين، الذين يعيشون هذا التغيير نحو الأسوأ. فالأزمة الإقتصادية والمعيشية لا تقتصر فقط على منطقة دون أخرى. فالوضع في جونيه ليس أفضل من الوضع في طرابلس. والوضع في طرابلس ليس أفضل بكثير من كل بلدات عكار. وكذلك يشبه الوضع في النبطية وبعلبك الوضع في عاليه والمختارة وبعل محسن وزحلة وشتورا.

عندما أفشل رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل كل المساعي، التي قام بها الرئيس ميقاتي لتشكيل حكومة متجانسة كتلك الحاضرة اليوم أمامنا مع إدخال بعض التعديلات ، كان يأمل في التوصّل إلى حكومة كاملة المواصفات لملء الفراغ الرئاسي الذي كان متوقعًا حصوله.
لم يفكرّ الرجل يومًا واحدًا في أن يحّل مكان أحد. فهو يعرف الأصول ويحترمها ويطّبقها في حياته السياسية وفي حياته الخاصة. فهو يعرف حساسية التوازنات الدقيقة القائم عليها الوطن، ويعرف مدى خطورة المسّ بها. وهذا ما أعلنه اكثر من مرّة، وكرره أمام البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي الحريص على صلاحيات كل المراجع والعائلات الروحية التي يتكّون منها لبنان، إلى حين التوصّل إلى تفاهم نهائي على أن يصبح لبنان دولة مدنية.
لم “يهضم” جبران باسيل فكرة أن توكل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة يترأسها نجيب ميقاتي، خصوصًا أنه لم يسمّه في الإستشارات النيابية الملزمة، وهو الذي قال بعدما تمّ تكليفه: “الله لا يخليني إذا بخليه يألف حكومة أو يحكم”.

منذ البداية كان هدف باسيل واضحًا وضوح الشمس، وهو “إستغل” نقطة ضعف رئيس الجمهورية تجاهه، فكان يقنعه بتغيير موقفه في كل مرّة كان يصعد فيها الرئيس ميقاتي إلى قصر بعبدا. وهكذا كان يتحّول التفاؤل بإمكانية تشكيل “حكومة التوافقات” إلى التشاؤم بعدم تشكيلها، وذلك ظنًّا من “الحرتقجي” أن “هرطقاته” الدستورية سيقتنع بها الآخرون، ومفادها إستحالة تسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، وحاول بالتالي اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي، لكنه لم ينجح. وها أن مجلس النواب قد أوصى هذه الحكومة التي يترأسها نجيب ميقاتي بمواصلة قيامها بمهامها، وها هو رئيس الحكومة يتوجه بإسم لبنان إلى قمة الجزائر، ومعه وزيران محسوبان مبدئيًا على باسيل.

خيبات باسيل لم تستجلب سوى المزيد من هذه الخيبات، وهو لا يزال “يتعنطز ” و”يتغطرس” و”يتطاوس”، ويهدّد باللجوء إلى الشارع بعدما خذله الجميع، آخذًا من تظاهرات “يوم الخروج” مثالًا عمّا يمكن أن يحدثه “غضب الشارع العوني” في وجه حكومة ميقاتي.
الردّ الطبيعي على هذه العصبية، التي بدت جليّة أمس في مواقف باسيل في جلسة مجلس النواب، وقبلها في المقابلة التي أجراها معه الزميل سامي كليب، سيكون من قِبَل الرئيس ميقاتي بمزيد من الحرص على خصوصيات كل مكّون من المكونات اللبنانية، والتشديد على أنه لا يريد أن يحلّ مكان أحد، بل هو حيث هو يقوم بما يمليه عليه ضميره الوطني، وبما ينصّ عليه الدستور، لا زيادة ولا نقصانًا. وكل ما عدا ذلك فهو من عمل الشيطان.
المصدر:  “لبنان 24”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى