أكثر من 45 مليار دولار تكاليف كهرباء لبنان ولا كهرباء في لبنان !!!!
25 مليار دولار من أصل 45 أُنفقت على الطاقة والكهرباء في 10 أعوام…
أكثر من 45 مليار دولار أميركي أنفقت على قطاع الكهرباء منذ عام 1992 حتى عام 2021 (من دون البواخر والدعم على المحروقات)، فيما اللبنانيون لا يزالون يقبعون في العتمة، فيما تكلفة إنارة لبنان من خلال أحدث المعامل لا تتعدّى مليارَي دولار حداً أقصى. أما المسؤولون عن هذا الإنفاق فبعيدون كل البعد عن المساءلة في ظل غياب أي تحقيق جزائي أو مدني أو جنائي.
أكثر من 45 مليار دولار تشكل أساس الفجوة المالية لمصرف لبنان أنفقت على قطاع كان عصيّاً على الإصلاح حتى بات اللبنانيون يحلمون بالعودة 50 عاماً الى الوراء عندما كانوا ينعمون بالكهرباء على مدار الساعة ويصدّرون الفائض عنهم الى سوريا.
أكثر من 45 مليار دولار (مع الفوائد) أنفقت على قطاع الكهرباء، فيما تناهز الفاتورة التي يدفعها اللبنانيون على المولدات الخاصة ملياراً و700 مليون دولار سنوياً، مع كلفة اقتصادية واجتماعية وبيئية تناهز 200 مليون دولار بسبب انقطاع الكهرباء والمعامل التي تشغّل من دون شروط بيئية.
من بين الـ45 مليار دولار، ثمة 25 مليار دولار أنفقت على القطاع في الأعوام العشرة الأخيرة من دون أن يشمل المبلغ المليار و180 مليون دولار لقاء استئجار بواخر كان يُفترض أن تغادر لبنان بعد 3 سنوات، وتتركا خلفهما كهرباء 24 على 24، ولكن المنافع الشخصية التي تحققت منهما جعلت فترة بقائهما تمتد الى أكثر من ثماني سنوات أنتجت خلالها 22 مليون ميغاواط ساعة، وفق ما يقول الخبير في قطاع الطاقة محمد بصبوص. وفي موضوع البواخر تحديداً، يلفت بصبوص إلى أن أحد وزراء الطاقة السابقين كان يفكر في استقدام باخرتين إضافيتين، الى الباخرتين الأساسيتين، ولكن إدارة المناقصات أحبطت المحاولة، لافتاً الى التلاعب بقرار مجلس الوزراء في ما يتعلق بالباخرة الثالثة التي كانوا ينوون استقدامها على أساس أنها مجانية، ليتبيّن لاحقاً أن القرار نص على أن تكون “مجانية لأول ثلاثة أشهر، ثم تضم الى الباخرتين”. وقال إن التذرّع بعرقلة بناء محطات كهربائية غير منطقي، فهل من المعقول أن يسهّلوا استئجار البواخر ويمنعوهم من بناء مصانع”.
هذا في لبنان، أما في مصر فقد تمكنت شركة سيمنز الألمانية خلال 18 شهراً، من بناء 3 معامل لتوليد 14 ألف ميغاوات بكلفة 6 مليارات دولار، فيما أمنت الصين الكهرباء لمواطنيها بتكلفة نحو 20 مليار دولار، أما لبنان الذي يحتاج الى 3500 ميغاوات فقط (كلفتها أقل من مليارَي دولار حداً أقصى) فلا يزال مواطنوه يتندّرون على ساعات تيار لا تزيد عن أربع ساعات حالياً.
في الأعوام الماضية، قُدّم أكثر من 10 مشاريع لإصلاح الكهرباء، إلى جانب مناقصات استقدام البواخر كحل عملي وموقت إلى حين تنفيذ المشاريع التي يضم بعضها إنشاء معامل حديثة للطاقة المتجددة، ولكن لم يحصل أي تقدم في هذا الصدد بحجج سياسية مختلفة، فيما استمر الإنفاق والهدر على القطاع من دون أن يرف جفن أيّ من المسؤولين عن ملف الكهرباء.
“النهار” حصلت على أرقام رسمية عن المبالغ التي صُرفت على قطاع الكهرباء خلال الأعوام العشرة الماضية، بالتفصيل، وهي متقاربة مع الأرقام التي لحظها بصبوص في دراسته، فكيف وزعت هذه الأموال؟ وعلى ماذا أنفقت؟
خلال الفترة الممتدة من عام 2010 لغاية 2021، مجموع ما تم تحويله الى الخارج كفريش دولار لمصلحة وزارة الطاقة والمياه وكهرباء لبنان يبلغ 25 مليار دولار، واذا ما أضيفت الفائدة إلى هذه الأموال يتخطى المبلغ 26 مليار دولار، بما يشكل نحو 37% من حجم الفجوة المالية في لبنان البالغة نحو 70 مليار دولار. 20 مليار دولار من هذا المبلغ حوّلها مصرف لبنان الى الخارج لمصلحة كهرباء لبنان بعد فتح اعتمادات مستندية لتسديد ثمن الغاز أويل والفيول أويل لمصلحة كهرباء لبنان، و5 مليارات دولار لمصلحة وزارة الطاقة والمياه.
الرقم كبير، لا بل مخيف ويثير الاستغراب والحيرة. فمن أين أُمّنت هذه الأموال؟
الجواب بسيط وفق ما تقول مصادر متابعة، الأموال أُمّنت من أموال المودعين واحتياطي مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، بدليل أنه لا عائدات لمؤسسة الكهرباء بالدولار الأميركي، وما كانت تجبيه من فواتير هو بالعملة اللبنانية، وبالكاد يكفي لتسديد رواتب وأجور العاملين في مؤسسة الكهرباء والشركات الاستشارية والصيانة.
منذ عام 2010 لغاية اليوم، أنفق وزراء الطاقة والمياه و”كهرباء لبنان” أكثر من 25 مليار دولار أميركي فريش من الاحتياطي لدى مصرف لبنان، لتسديد ثمن الفيول أويل والغاز أويل وغيرهما من النفقات. هذا الإنفاق لم يكن من أموال الخزينة التي تعاني من عجز دائم بل مصدره مصرف لبنان وأموال المودعين حصراً، والمحزن في الأمر، أنه منذ 2010 الوعود بالطاقة والكهرباء والمياه كثيرة ورنانة، أما على الأرض فلا كهرباء ولا مياه ولا معامل جديدة، فيما الإنجاز الوحيد سدود مثقوبة لا تروي العطش ولا تحيي المزروعات، سدود تمتلئ بالمياه شتاءً وتكون “منشفة” صيفاً.
25 مليار دولار، أنفقها وزراء تولّوا مهام وزارة الطاقة في الأعوام العشرة الماضية، بقرارات حكومية وسلف خزينة وموازنات، على شراء المحروقات للمعامل، الى أن توقف مصرف لبنان في بداية 2022 عن دفع اعتمادات للكهرباء فوصلنا الى صفر كهرباء أو ساعة يومياً. إنفاق لم يُستثمر في بناء معامل جديدة كان يمكن أن تحل مشكلة الكهرباء في لبنان ودول المشرق العربي مجتمعة.
باختصار، الدولة لم تؤمن “دولاراً واحداً” من موازناتها لتسديد ثمن الفيول والغاز أويل والصيانة للكهرباء والطاقة. فتولى مصرف لبنان تسديد هذه المبالغ من احتياطاته من العملات الاجنبية لديه ومن أموال المودعين. هذا الخطأ الذي ارتكبه المصرف المركزي برّره بوجود قوانين ملزمة وقرارات حكومية ووزارية.
الخطأ الأكبر أن هذا التمويل حصل من أموال المودعين لا من أموال الخزينة التي كانت وما تزال موازناتها في عجز دائم، فيما سندات اليوروبوندز التي أصدرتها الدولة اللبنانية لتمويل حاجاتها من الدولار الأميركي ما بين 2010 و2019 وقيمتها 36 مليار دولار ذهبت جميعها لتسديد اليوروبوندز المستحقة (أصلاً وفوائد) البالغة 38 مليار دولار وفق أرقام وزارة المال، أي إن اليوروبوندز الصادرة في الفترة الممتدة من 2010 الى 2019 لم تموّل حتى الديون السابقة المستحقة عليها، وتالياً لم يكن لدى الدولة أي فائض لتمويل الكهرباء من اليوروبوندز.
خبراء اقتصاديون وماليون يؤكدون أنه إذا أعادت وزارة الطاقة والمياه وكهرباء لبنان الـ25 مليار دولار التي تم إنفاقها وهدرها مع فوائدها منذ عام 2010 لغاية 2021، فإنه يمكن سداد 37% من الفجوة المالية، وعندها يمكن إعادة 99% من أموال المودعين.
وحان وقت وقف غسل الدماغ وهو أخطر من غسل الأموال”. فالمشكلة برأيه “ليست بضعة ملايين من الدولارات هنا، وعشرات الملايين الضائعة هناك، وإن كان يجب ملاحقة المتسبّبين بهدرها، المشكلة وفق ما يقول بـ26 مليار دولار تبخرت في الكهرباء والطاقة في الأعوام العشرة الاخيرة. والمشكلة في عجز الموازنات والإنفاق من دون إيرادات والهدر وسوء الإدارة في الكثير من المرافق العامة، كذلك تكمن المشكلة في المالية العامة، إذ حسب تقرير ديوان المحاسبة ثمة 27 مليار دولار، لا يُعرف كيف تم إنفاقها”.
وختم “جريمة بحق لبنان وشعبه ومودعيه، جريمة حجمها 37% من الفجوة المالية، جريمة بخرت أموال المودعين في الهواء مع الفيول في دواخين الزوق الصحّية، وفي معمل الجيّة الصديق للبيئة!”.