بين الخطوط العريضة للبحر الأحمر: طريق طويل ومكلف

منذ السابع من أكتوبر، دخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التوتر. وامتدت المواجهات من شواطئ البحر الأبيض المتوسط باتجاه البحر الأحمر. أثارت العمليات العسكرية التي شنها الحوثيون ضد سفن الشحن المتجهة نحو إسرائيل، كما زعموا، مخاوف بالغة بشأن التجارة العالمية. رداً على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عمليات ضد أهداف الحوثيين، مع إعطاء ألمانيا إشارات بدخول محتمل. وعليه، تشير التقديرات إلى أن تكلفة الأضرار التي سببتها هجمات الحوثيين على التجارة العالمية تصل إلى 360 مليون يورو في الساعة. فلماذا يجذب البحر الأحمر انتباه القوى الغربية وما هي الرسائل الخفية التي يحملها هذا الموقع؟

 

بشكل أساسي، يعتبر البحر الأحمر ضروريًا للتجارة العالمية، وخاصة التجارة البحرية. يمر من خلاله 15% من التجارة العالمية البحرية عبر باب المندب لتصل إلى قناة السويس متجهة إلى أوروبا و منها إلى العالم. و بالتالي،يعتبر هذا الطريق التجاري هو الطريق الرئيسي للبضائع بين آسيا وأوروبا. تقوم حمولات سفن الشحن التي تمر عبر هذه المنطقة بنقل عدة أنواع من البضائع بما في ذلك النفط الخام والغاز والمواد الكيميائية.

وبسبب التهديدات الأخيرة التي أثارتها هجمات الحوثيين على هذا المسار، أوقفت بعض شركات الشحن تحركاتها باتجاه قناة السويس واستبدلتها بطريق بديل عبر رأس الرجاء الصالح. وباستخدام هذا الطريق البديل، تستغرق الشحنات إلى أوروبا أكثر من 40 يومًا للوصول إلى وجهاتها بينما كانت تستغرق حوالي 30 يومًا عبر باب المندب. تتضمن هذه الأميال البحرية المضافة تكاليف أكبر تترجم بكميات أكبر من الوقود وأسعار أعلى للتأمين. ومن المتوقع أن تتراوح الزيادة في تكلفة الشحنات بين 20 و30 بالمائة. ومع ذلك، حتى الآن، تتحمل شركات الشحن هذه التكلفة المتزايدة ولكنها ستعكسها قريبًا على المستهلكين إذا استمرت الظروف لفترة أطول.

بحسب بعض المحللين لشبكة DW، تثير ردود فعل الحوثيون غير المتوقعة تهديدات للولايات المتحدة بأن تصبح ضحية لفخ جيوسياسي في اليمن. فلم يتبق أمام الولايات المتحدة خيارات واسعة بشأن لجم عمليّات الحوثي باستثناء العملية العسكرية ضد اليمن، خاصة بعد فرض عقوبات، و قيود على تدفقات الأموال وتواجد الأسطول العسكري التي لم تأثر على قرار الحوثيين.

إن خيار الحوثيين للحفاظ على زخمهم في هذا الصراع يعتمد على عدة ركائز. أولاً، تؤدي الفوارق العسكرية بين الولايات المتحدة والحوثي إلى زيادة تكلفة الفرصة البديلة بالنسبة للولايات المتحدة في عملياتها. إن الأسلحة الأمريكية باهظة الثمن، وبالتالي يجب أن تكون دقيقة في أهدافها، في حين أن أسلحة الحوثيين أقل تكلفة إلى حد ما. علاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة مقيدة باختيار وسائلها العسكرية ضد الحوثيين والتي تقتصر فقط على الحرب الجوية حتى الآن. ولن تخاطر بشن حرب واسعة النطاق على اليمن خاصة مع بدء عام الانتخابات وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في وقت سابق من العام الماضي. لكن الحوثيين يعرفون التعامل مع هذه الأنواع من الهجمات، خاصة بعد الهجمات الجوية التي نفذتها السعودية على اليمن في السابق. لذلك، فإن الحوثيين يمكنهم التحرك عسكريًا بسرعة، وقد كانوا في حالة حرب على مدار العشرين عامًا الماضية، لذا فهم استعداد لمواصلة سلوكهم في البحر الأحمر دون خوف.

ومن الناحية الجيوسياسية، تتم مراقبة تحركات اللاعبين الإقليميين الرئيسيين الآخرين عن كثب. ولا يمكن تهميش دور الصين في هذا الصراع. على الرغم من معارضتها للولايات المتحدة، أدانت الصين الهجمات الإيرانية على باكستان. السبب الرئيسي وراء هذا السلوك هو أن الصين تعتمد بشكل كبير على التجارة لتأمين نموها الاقتصادي. ويبلغ معدل النمو في الصين حالياً حوالي 5%، وهو معدل منخفض بالنسبة لها. ومن ثم، فإن الصين لا تريد فترة طويلة من الصراع في البحر الأحمر لأنها في حاجة ماسة إلى طريق الشراع لبيع منتجاتها للعالم. كذلك فإن الهند التي تعتمد مؤخراً على النفط الإيراني لا تريد صراعاً طويل الأمد ولن تحبذ التصعيد في البحر الأحمر لأن 80% من صادراتها إلى أوروبا تمر عبره.

هناك جانب مهم آخر يتعلق بتايوان. وتعد الجزيرة المنتج الرئيسي للرقائق الإلكترونية الصغيرة(Microchips) في العالم وتحتاج الاقتصادات المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة إلى هذه الرقائق نظرا لأهميتها الاستراتيجية. ومن المثير للاهتمام أن طريق شحن الرقائق في تايوان يمر عبر البحر الأحمر للوصول إلى العالم، وبالتالي لا يفضل تأخير التسليم عن طريق اتخاذ طرق بديلة.

وفي ظل هذه التوترات، فإن توقعات الضغوط التضخمية وارتفاع أسعار النفط التي تؤدي إلى تعطيل سلسلة التوريد العالمية هي توقعات حقيقية. ويأتي الوقت الذي قد يرتفع فيه التضخم في فترة حساسة للغاية حيث بدأ التضخم في التباطؤ بعد الصدمات التي أحدثها فيروس كورونا والسياسات النقدية التي تبنتها البنوك المركزية الكبرى. ومن ثم، فمن المرجح أن تظهر أوقات عصيبة إذا لم يتم التوصل إلى حل بنيوي للحرب في غزة.

المصدر: BreakingNewsLeb

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى