قمع المظاهر العاشورائية في الكويت: فتنة في زمن الوحدة
لمصلحة من إثارة الفتنة الطائفية في الكويت في هذا التوقيت، الذي تشهد فيه المنطقة حرباً ضارية متعدّدة الجبهات مع العدو، يتوحّد فيها السنة والشيعة والمسيحيون ضد إسرائيل، بشكل لم يسبق له مثيل منذ زمن طويل؟ القرار الذي اتخذه وزير الداخلية الكويتي، فهد اليوسف، بمنع رفع رايات عاشوراء ونصب الخيام، وحصر الإحياء في داخل الحسينيات، وإلغاء المسيرات العاشورائية، لم يكن له سبب مقنع، ولا سيما أن عمليات تنظيم الإحياء في السنوات السابقة كانت تتم بسلاسة، بتعاون بين وزير الداخلية والسلطات الأمنية من جهة، ومنظمي المجالس من جهة أخرى. ولم يحدث مرة أن أثارت تلك المجالس مشكلة، ولا حدث أن أدت الإجراءات التنظيمية للسلطات الكويتية إلى اعتراضات من المنظمين أو المشاركين. حتى أن الأمير الراحل، صباح الأحمد الصباح، قال ذات مرة، خلال حضوره أحد المجالس العاشورائية، إنه لم يعرف من هو سني ومن هو شيعي.ورغم أن قراراً كهذا، أقلّ ما يقال فيه إنه غريب، لا يُتّخذ إلا بموافقة الأمير، مشعل الأحمد الصباح، نظراً إلى حساسيته، إلا أن ما يجب الالتفات إليه هو أن فهد اليوسف شخصية مثيرة للجدل، وكان أحد عناوين الصراع بين القيادة السياسية والغالبية في مجلس الأمة المنحل، والتي كانت ترفض عودته في الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة، قبل أن يتّخذ الأمير قراره بحل المجلس المذكور، وتعليق بعض مواد الدستور لتعطيل الحياة البرلمانية مدة لا تزيد عن أربع سنوات. على أن النتيجة الأولى لقرار وزير الداخلية، والذي أعقبته حملة فورية لإزالة الخيام ونزع الرايات وتحطيم بعض البنى الخاصة بالمجالس، كانت معركة ضارية على وسائل التواصل الاجتماعي، دخل على خطها مثيرو فتنة سواء من الجيوش الإلكترونية أو من المغرّر بهم، ممن صفّقوا للقرار، مقدّمين الأمير بصفة من يشن حرباً على «الروافض والمجوس»، ما ولّد شعوراً بالاستفزاز لدى شيعة الكويت.
أما أهم ما في الحدث، فهو أنه يأتي في ظل الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين واللبنانيين، والتي أبطلت إلى حد كبير سنوات من العمل على إثارة فتنة بلغت ذروتها في الحرب السورية، التي لم تكن لها وظيفة أكبر من تلك. ذلك أن الأميركيين لم يسعوا إلى إسقاط النظام السوري، ولا إلى نصرة المعارضة، بقدر ما كان همّهم تسعير الاقتتال الأهلي السوري لإيذاء المقاومة، واستنزاف خصومها، وإنهاك الشعب السوري. والنتيجة الآن، أن ثمة سوريين يشمتون بالمقاومة، و«يباركون» الغارات الإسرائيلية التي تقتل قادتها ومقاتليها. وإذا كان في الإمكان زرع الخلاف في كل مكان يتعايش فيه السنة والشيعة بغض النظر عمَّن الغالبية ومن الأقلية، فالأكيد أن المستفيد من كل فتنة من هذا النوع، هو الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان لا يخفى على أحد عملهما الدؤوب لإزكائها.
لكن أي مصلحة للكويت والكويتيين، وفي الأساس للقيادة السياسية، في تسعير هكذا حساسيات الآن؟ قد يكون مفهوماً أن أمير الكويت الجديد يسعى إلى اجتذاب قاعدة شعبية في ظل تعطيل الحياة البرلمانية – والذي اعتُبر ضربة للإسلاميين الذين سيطروا على المجلس في كل الانتخابات التي جرت على الأقل في العقدين الأخيرين -، وتفرّد القيادة السياسية بالقرارات، إلا أن مثل هذه السياسة ليست جديدة، وهي سبق أن ارتدّت سلباً على أسرة الحكم بالذات وعلى الكويت.
المصدر: الاخبار