“فشل أمام حزب الله وإيران”… كتاب “صادم” يعرض إخفاقات الجيش الإسرائيلي!
تناولت صحيفة “هآرتس” كتاباً جديداً ألفه العميد (احتياط) جاي حازوت، قائد فرقة سابق في القيادة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي، والذي حمل عنوان: “الجيش المتطور وجيش الفرسان: كيف تخلت إسرائيل عن القوات البرية؟”٬ حيث تقول الصحيفة إن هذا الكتاب هو “الوثيقة الأكثر إثارة للصدمة” حول إخفاقات الجيش الإسرائيلي التي أدت إلى هجوم حركة حماس في السابع من تشرين الأول 2023.
وكان من المقرّر أن يصدر هذا الكتاب في مطلع تشرين الأول الماضي٬ ولكن تم تأجيله لأسباب واضحة بعد هجوم حماس في الفترة نفسها٬ لكن يوجد به الآن الخاتمة نفسها تقريباً التي كتبت قبل هجوم حماس. وتقول صحيفة هآرتس إنه “لو كان القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون قد استمعوا إلى تحذيرات الكتاب في الوقت المناسب، لكان حجم الكارثة أقل”٬ على حد وصفها.
ويسلط كتاب العميد جاي حازوت الضوء على حالة “الغطرسة والرضا عن الذات” لدى الجيش الإسرائيلي٬ اللذين مكنا حماس من تحقيق انتصارها في السابع من تشرين الأول. لكن السؤال الأهم الذي تطرحه الصحيفة: هل تؤدي نفس أوجه القصور في استخلاص العبر والنتائج، وكذلك الإخفاق الاستخباراتي في استشراف المستقبل٬ إلى إعاقة إسرائيل في حرب أوسع نطاقا مع حزب الله أو إيران؟
يبدأ الكتاب باجتماع لمنتدى العمليات العليا في قوات الدفاع الإسرائيلية في عام 2018،شارك فيه المؤلف. وكشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في حينه، غادي آيزنكوت، للقادة بعض أسرار “الحرب بين الحروب” التي شاركت فيها الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو ومديرية العمليات بشكل مكثف منذ بداية العقد. وكتب حازوت: “لقد عكس النهج والعمليات التي تم تقديمها خلال الاجتماع جيشاً متقدماً ومتطوراً في أفضل حالاته٬ جريئاً ومراوغاً ومبتكراً وغنياً بالتكنولوجيا ويسعى إلى اختراق العدو”.
لكن ضباط القوات البرية الإسرائيلية، الذين شكلوا الأغلبية في الاجتماع، كانوا في حيرة من أمرهم. لقد أدركوا أن في الجيش الإسرائيلي “جيشين قد تطورا”، وأن الجيش الذي ينتمون إليه “كان باهتاً وغير ذي صلة ويتعامل بشكل أساسي مع مهام أمنية روتينية مرهقة”٬ ومن هنا تأتي تسمية الكتاب: “الجيش متطور عالي التقنية وجيش الفرسان”.
وفي حرب ما بين الحروب التي استمرت على مدى ثلاثة عقود، استثمرت إسرائيل مبالغ ضخمة في مجتمع الاستخبارات والقوات الجوية والتكنولوجيا، وخفضت استثماراتها في القوات البرية. ونشأت التغييرات جزئيًا بسبب انخفاض تسامح المجتمع الإسرائيلي مع الضحايا٬ حيث إن العملية البرية، سواء في الحروب أو بينها، هي مغامرة خطيرة ستتطلب دائمًا ثمناً باهظاً.
وكانت النتيجة حلقة مفرغة٬ حيث تلقت الوحدات البرية، وخاصة تلك المكونة من جنود الاحتياط، تدريبًا أقل، لذلك كان لدى مجلس الوزراء الأمني وهيئة الأركان العامة ثقة أقل فيهم. وبدأ الجنود الشباب “الموهوبون للغاية” في البحث عن مستقبلهم في أماكن وفيالق أخرى.
واختتمت النسخة الأصلية للكتاب بالقتال مع غزة في أيار 2021 وحادثة “مترو حماس” خلال المعركة حينها٬ أي الغارات الجوية الفاشلة على شبكة أنفاق حماس تحت الأرض٬ حيث أعلن الجيش الإسرائيلي حينها أن العملية كانت نجاحاً كبيراً٬ وتباهى عدد قليل من الصحفيين بالقتل الجماعي بالضربة الساحقة لحماس٬ لكن في الواقع، حدث العكس.
والخطة التي أعدت بعناية شديدة لسنوات وكان من المفترض أن تكون حاسمة، أطلقت دون مبرر. فقد كان كبار القادة يكرهون إرسال قوة برية لتنفيذ عملية محدودة ضد حماس وأنفاقها، حيث يبحث مئات المقاومين الفلسطينيين عن ملجأ تحت الأرض ثم يتعرضون لضربة جوية عالية الدقة.
وبدون المناورة البرية، لم تنخدع حماس وظل مقاتلوها حيث كانوا. ولم يُقتل سوى عدد قليل منهم٬ وأهدرت إسرائيل واحدة من أوراقها الاستراتيجية. ولا يتردد حازوت في انتقاد رؤسائه السابقين. وفي رأيه، كانت هذه الحادثة تجسيداً لأخطاء الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة: الخوف من إرسال القوات البرية والمجازفة بالخسائر أو الفشل التام، ورسم حالة وردية للجيش. ولم يكن يعلم حازوت أن كلماته ستتحول لنبوءة في السابع من أكتوبر 2023.
في بداية الحرب، عُيِّن حازوت رئيساً لوحدة القوات البرية المكلفة بتعلم الدروس من الإخفاقات في الحرب. وتوفر اجتهاداته في الكتاب دليلاً على “مشاكل وأمراض الجيش الإسرائيلي”، وخاصة القوات البرية٬ وهو أمر غير معتاد بالنسبة لضباط الجيش الإسرائيلي. ومن الواضح أنه، على عكس معظم زملائه، قرأ حازوت الأدبيات العسكرية الموجودة على أرفف الكتب التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية٬ كما تقول “هآرتس”.
ولكن خاتمته تترك الانطباع الأقوى عن الاخفاقات أمام حماس، لأن هذا هو في الأساس أول كتاب عن إخفاقات السابع من تشرين الأول يكتبه ضابط في الجيش لا يزال في منصبه.
وقبل بضعة أشهر من الحرب، عاد حازوت من عمله كملحق عسكري في سنغافورة وتقاعد من الجيش. في صيف عام 2023 انضم إلى مجموعة بحثية مدنية قدمت المشورة لجيش الدفاع الإسرائيلي بشأن صياغة استجابة للتهديد المتزايد الذي تشكله “قوة رضوان” أو “النخبة” التابعة لحزب الله. وقد انتشرت على طول الحدود في جنوب لبنان دون أن تفعل إسرائيل أي شيء حيال ذلك.
كلما زاد البحث الذي أجراه حازوت، زاد قلقه. لقد اكتشف أن حزب الله حقق اختراقاً كبيراً، ولم يكن لدى الجيش الإسرائيلي رد مناسب. ويقول حازوت في كتابه: “أدت سنوات من الدفاع الثابت والمهام الفاترة دون أي مبادرة٬ إلى فقدان الحدة واليقظة لدى الجيش الإسرائيلي”.
تحدث حازوت، الذي كان مرعوباً من الخطر القادم، مع أربعة من مرؤوسيه السابقين: ثلاثة قادة برتبة لواء والعميد إيتسيك كوهين، الذي تم تعيينه في ذلك الصيف رئيساً للفرقة 162. كانت رسالة حازوت إلى القادة الأربعة متطابقة: إن أصعب حرب نخوضها على الإطلاق ستندلع قريباً. لكنهم قالوا له اترك كل شيء وركز كل جهودك على إعداد وحداتك للتحدي.
تقول هآرتس٬ لمدة ثلاث سنوات، كان حازوت مشغولاً باستعداد القوات البرية. لقد أجرى بحثًا وكتب كتابه، ورأى كيف ينظر أعداء إسرائيل إلى استقطاب المجتمع الإسرائيلي أثناء محاولة حكومة نتنياهو إضعاف القضاء. وكتب حازوت: “لقد هزني هذا ولم يمنحني أي راحة٬ لهذا السبب كنت أشعر بالفشل منذ الحرب٬ لأنني لم أكن قوياً بما فيه الكفاية في نشر هذا الكتاب وإطلاق تحذير قبل وقوع الكارثة”.
التقى حازوت مع اثنين من قادة الألوية الثلاثة في الأيام الأولى من الحرب. سألوه كيف عرف أنه هناك كارثة ستقع؟ لم تسنح له الفرصة مرة أخرى للقاء قائد اللواء الثالث، العقيد روي ليفي، الذي عاد إلى الخدمة القتالية على الرغم من إصابته بجروح خطيرة. حيث قُتل ليفي في السابع من أكتوبر في معركة كيبوتس رئيم على يد مقاتلي القسام.
ومثل زملائه الآخرين في الجيش الإسرائيلي، كان حازوت قلقًا للغاية بشأن جبهة الشمال قبل الحرب. وفي اجتماع مع قائد الفرقة على الحدود اللبنانية، شعر بالفزع من الوضع٬ حيث يقول إنه سأل الجنرال المسؤول هناك: “كيف يمكنك النوم في الليل”!
وعرض حازوت الانضمام إلى الفريق الذي سيعرض الصورة المزعجة لحقيقة الوضع في الشمال على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وعقد الاجتماع الذي سيشكل الفريق في السادس من تشرين الأول .
ويتحدث حازوت بإيجاز عن الفشل الاستخباراتي الذي سبق الحرب. ويكتب عن “ف”، وهو ضابط الصف من الوحدة 8200، وهي منظمة استخباراتية تجسسية نخبوية، الذي حذر القادة من جهود حماس التدريبية في القطاع٬ ولكن المقدم “أ” ضابط الاستخبارات في فرقة غزة الذي لم يلتفت إلى تحذيرات الضابط “ف”، وصف ما تم توثيقه عبر الحدود بأنه “مناورات روتينية تتم فقط لخلق انطباع ما”.
وبالنظر إلى الوراء، يجد حازوت أوجه تشابه مع العقلية الإسرائيلية تجاه مصر وسوريا في الفترة التي سبقت حرب يوم الغفران عام 1973 حيث “الغطرسة، والازدراء، ونهج “كل شيء سيكون على ما يرام” هو الذي يسود.
يقول حازوت إن “قواتنا الضعيفة كانت تعتمد على حاجز بينها وبين غزة٬ أجهزة تجسس ورجال استخبارات يرون كل شيء بأعينهم ولكنهم أسرى لمفهوم مفاده أن الجانب الآخر لا يريد حرباً”.
ويضيف: “لقد بدأت الحرب ضد حماس، بهزيمة إسرائيلية ساحقة. فخلال ساعات، استولى جيش العدو على منطقة بأكملها وهزم القوة العسكرية التي دافعت عنها. وقُتِل المئات من الإسرائيليين. وأصبح سكان المجتمعات المجاورة لقطاع غزة لاجئين في بلادهم وانضم إليهم سكان الجليل بعد أن نجح حزب الله في إنشاء منطقة أمنية عازلة في أراضينا٬ وانهار الجدار الحديدي ويجب إعادة بنائه”.
كيف هزمت حماس فرقة كاملة من الجيش الإسرائيلي واستولت على مناطق عديدة؟ لم تعترف إسرائيل بتهديد غزو جيوش حماس وحزب الله، وعودة الحرب متعددة الجبهات بعد خمسين عاماً من حرب عام 1973.
ويضيف الكاتب أن قوات رضوان لدى حزب الله٬ والنخبة لدى القسام٬ كانتا على استعداد للهجوم في الشمال والجنوب على التوالي والاستيلاء على الأراضي، لكن “الجيش الإسرائيلي لم يجهز نفسه لهذا الغرض٬ ولم تشن إسرائيل ضربة استباقية لإزالة التهديد. بدلاً من ذلك، أصبح الجيش مدمناً على الهدوء.
في العقدين الماضيين حدثت عملية عكسية٬ حيث سارعت قوات حماس وحزبا الله إلى بناء قواتها، لكن الجيش الإسرائيلي قلل من لياقته واستعداده على الأرض. وبعد أن أدرك هؤلاء أن إسرائيل قد ردعت وكانت تتخلى عن الغارات والهجمات البرية خلال جولات القتال، صاغوا قدرة جديدة: الهجوم على إسرائيل.
ومع تحول أخلاق الجيش الإسرائيلي، التي كانت تستند إلى المبادرة والهجوم والسعي إلى الاشتباك والجرأة والمكر، إلى غبار، أصبحت جميع هذه الأفكار يتبناها أعداؤنا٬ وفي تحليل عسكري بارد، كشفت خطة هجوم حماس عن فكر عسكري لامع، وخطة إبداعية من الخداع والمبادرة والهجوم والجرأة والسعي إلى الاشتباك مع إسرائيل٬ يكتب الكاتب.
ويضيف حازوت: “أدركت حماس أنها لم تكن تواجه تهديداً ملموساً. كل جولة من الحرب سمحت لحماس بتعلم قدرات الجيش الإسرائيلي ونشر قواتها بشكل أفضل للحرب الكبرى”، لذلك “تجنب الجيش الإسرائيلي لمدة عقدين من الزمان شن غارة حرب كبيرة على غزة٬ بثمن. وعندما لا يجعل الجيش الطرف الآخر ينتقل إلى الدفاع، فإن العدو سيتحول في مرحلة معينة إلى التفكير الهجومي”.
وفقاً لحازوت، “في الغالب، كانت جولات القتال السابقة في غزة عمليات ردع إسرائيلية فاشلة. حيث أدركت حماس أنها لم تكن تواجه تهديداً ملموساً. وخدعت إسرائيل نفسها في ثلاث جولات من القتال لم تهاجم فيها حماس، بل كانت تفتخر بانتصاراتها على الجهاد الإسلامي والاستفراد به٬ لكن الحقيقة هي أننا سمحنا لجيشين إرهابيين بالانتشار على الحدود، مسلحين ومجهزين تجهيزاً جيداً، مع القدرة على الانتقال من الروتين إلى الطوارئ وشن هجوم في ساعات، هذا أعظم إخفاق في السابع من أكتوبر”.
ويقول حازوت: “شرعت كتائب القسام في هجوم مفاجئ ضد أربع كتائب ضعيفة من الجيش الإسرائيلي٬ وذلك على الرغم من ضعفها العسكري في مواجهة إسرائيل، حيث لا تمتلك دبابات وطائرات، لكن ببضعة مئات من المقاتلين يتحركون على دراجات نارية ومركبات رباعية الدفع”.
ونجحت حماس في هزيمة فرقة من الجيش الإسرائيلي كانت في وضع دفاعي. كما نجحت في إضعاف كل مزايا “أقوى جيش في الشرق الأوسط” من خلال الجمع بين استغلال عمى الاستخبارات الإسرائيلية، وتوقيت الهجوم في عطلة يهودية، وتحييد قيادة الفرقة وتدميرها٬ الأمر الذي منع التعبئة الفعالة للقوات، وحتى سلاح الجو.
ولكن الأخطر٬ أن خطة هجوم حماس كانت مبنية على حقيقة مفادها أن الجيش الإسرائيلي سيفشل في الدفاع عن مستوطنات الغلاف. ويحدد حازوت جذر الفشل بالقول: توقفت إسرائيل تدريجياً عن فرض المحيط الأمني - الشريط الضيق غرب السياج الحدودي – بعد “مسيرات العودة” التي نظمتها حماس هناك في عام 2018.
وعلى الجانب الإسرائيلي، بعد الانسحاب من غزة في عام 2005، أقام الجيش الإسرائيلي قواعد عسكرية مؤقتة، ولكن هذه القواعد أقيمت دون أي تفكير تكتيكي. وحاول جميع قادة فرقة غزة نقل قاعدة نحال عوز، ولم تكن هذه القاعدة موقعاً عسكرياً حقيقياً، لأن المنطقة عرضة لإطلاق النار من حي الشجاعية في مدينة غزة على الجانب الآخر من الحدود. وكانت تعاني من كل نقاط الضعف المحتملة التي قد تؤدي إلى الاستيلاء عليها وتدميرها من قِبَل الخصوم. على سبيل المثال، المراقبات الإناث في الجيش الإسرائيلي. ويتساءل حازوت: “لماذا تم نشر هؤلاء المجندات، اللواتي لم يكن يلقن للقتال، في القاعدة الأكثر تقدماً وتهديداً في الجيش الإسرائيلي”٬ ونحن نعرف الآن كيف انتهى الأمر بهن أسيرات لدى حماس.
يقول حازوت٬ في الأشهر التي سبقت الحرب، تلقت إسرائيل ضربتين تنبيهيتين بشأن دفاعاتها المتراخية على الحدود٬ فقد اخترق مسلح من حزب الله من لبنان وفجر عبوة ناسفة قوية عند تقاطع مجدو في عمق الأراضي الإسرائيلية، مما أدى إلى إصابة مستوطن إسرائيلي بجروح خطيرة. وعبر شرطي مصري إلى جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود بالقرب من الحدود مع سيناء٬ ربما كانت الاستنتاجات الشاملة كفيلة بتغيير التكتيكات على الحدود، لكن الجيش الإسرائيلي تجاهل هذا.
و”إذا انهار مفهوم الدفاع في منطقتين حدوديتين أمام مسلح أو جندي واحد، فكيف لنا أن نتعامل مع آلاف المسلحين مصحوبين بنيران المدفعية والصواريخ في هجوم مفاجئ عبر القطاع بأكمله؟” يتساءل الضابط حازوت.
ويقول: “جمعت خطة حماس لهزيمة فرقة غزة بين ثلاثة أساليب: الأول تم نسخه من حزب الله: غزو فوق الأرض عبر القطاع بأكمله من قبل فرقة كوماندوز مناسبة في غضون مهلة قصيرة. والثاني تم أخذه من سيناء: غارات الجماعات المسلحة على الجيش المصري، والتي تميزت بالتنقل السريع على أساس شاحنات صغيرة ودراجات نارية، بمساعدة القوة النارية. العنصر الثالث مأخوذ من الحرب في أوكرانيا: طائرات بدون طيار هجومية في الضربة الافتتاحية”.
وكما يقول حازوت: “لقد تم دمج هذه الأساليب في مفهوم عملياتي واحد. وبشكل دقيق٬ حيث قامت حماس بتحليل جميع أوجه القصور الدفاعية في الجيش الإسرائيلي. حيث كانت قدرتها على قراءة الجيش مثل كتاب مفتوح بسبب إهمال الجيش والمجتمع في إسرائيل”.
واستعانت حماس ببعض العمال من غزة الذين يعملون في المستوطنات الإسرائيلية القريبة من حدود غزة، ولكن أيضاً كانت تمتلك المعلومات القيمة التي تم جمعها من رسائل الجنود على وسائل التواصل الاجتماعي. يكتب حازوت: “كل من أراد أن يعرف أي شيء عن الجيش الإسرائيلي لم يكن بحاجة إلى عمليات إلكترونية أو جواسيس متطورين. كان يحتاج فقط إلى جمع المعلومات من مصادر مفتوحة”.
ويضيف حازوت أن حماس جعلت نفسها “محصنة ضد وحش الاستخبارات صاحب أشهر سمعة على هذا الكوكب في الاختراق”، وأصبح مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي مدمناً على نوع معين من الاستخبارات حول غزة، دون أن يدرك أن حماس كانت تدرك ذلك.
يقول حازوت٬ عند ساعة الصفر في السابع من أكتوبر، بدأت موجة الانفجارات٬ وفي الجناح العسكري لدى حماس، صدرت الأوامر إلى المقاتلين على طول بالوصول إلى مناطق التجمع لتلقي الإحاطات وإعداد معداتهم. في الساعة 05:00 صباحاً كانت قوات النخبة لدى القسام جاهزة للانطلاق والتي تأخرت من الساعة 06:00 إلى الساعة 06:30 صباحاً.
وتحت وابل من النيران القاتلة عبر القطاع، تحركت 27 فرقة نحو السياج الحدودي٬ في غضون 12 دقيقة تغلب مقاتلو القسام على الحواجز الحديدية التي اعتقد الجيش الإسرائيلي أنها غير قابل للعبور. دمر رجال حماس على متن طائرات شراعية وفرق تعمل بطائرات بدون طيار مسلحة وسائل إسرائيل الاستخباراتية لجمع المعلومات وفجروا الأسوار واستباحوا المستوطنات الإسرائيلية.
استهدفت الموجة الأولى من الهجوم القواعد العسكرية ومقارها وتم تثبيت قوات حماس هناك بعد تدمير فرقة غزة٬ بينما أرسلت حماس مئات المسلحين الآخرين إلى المستوطنات في الجنوب وخططت لإرسال بعضهم إلى عمق إسرائيل. وفي غضون ذلك، داهمت قوات حماس 37 من مرافق الاتصالات التابعة لفرقة غزة. وأدى تدميرها إلى إعماء الفرقة وتعطيل قدراتها القيادية. ولم تتمكن مراكز القيادة والألوية التابعة للفرقة من أداء مهمتها. ولم يكن أحد يسيطر على قطاع القتال أو يتولى قيادته، الذي تحول إلى ساحة لمئات المعارك وجهاً لوجه، حيث يتمتع العدو بميزة من حيث العدد والفتك.
وتحولت القواعد العسكرية الإسرائيلية إلى فخاخ موت. حيث لم يكن لديهم قوة نيران قاتلة على الأرض، وفي بداية القتال، لم يكن لديهم قوة نيران من الجو أيضاً. وعندما وصلت الطائرات الأولى، لم يكن هناك من يوجه نيرانها، وعندما صرخ الجنود طلباً للمساعدة لم تكن هناك قوة احتياطية لمساعدتهم. ومثل سكان المستوطنات كان عليهم أن يقاتلوا بمفردهم أمام حماس.
ولم يكن لدى فرقة غزة، التي كانت ضعيفة الدفاع، والتي لم تكن لديها احتياطيات في العمق الخلفي، أي فرصة للنجاح أمام مقاتلي القسام. ويعتقد حازوت أن “الفرقة الأكثر لياقة وأفضل استعداداً في الجيش الإسرائيلي كان من المفترض أن تستوعب هجوم حماس، وتحتويه بثمن باهظ من الجنود، لكن دون أن تنهار في أي مرحلة. لكن للأسف، استعدت فرقة غزة بناءً على نوايا العدو، وليس قدراته. حيث أدركت حماس أن الفرقة التي واجهتها لم تكن مستعدة للهجوم وكانت في حالة تأهب منخفضة٬ يقول الضابط حازوت.
وعلى حدود غزة، ظهرت كل الأمراض في الجيش الإسرائيلي التي حاول التحذير منها. ثقافة مهنية وعملياتية دون المستوى، احتقار عقيدة القتال، وقادة غير مسيطرين أو يتجاهلون الجوانب القانونية للتاريخ العسكري، وثقافة لا تقدس التحسين أو التعلم من الدروس، وافتقار القادة إلى الشجاعة للتعبير عن آرائهم.
في النهاية، لم تنجح القوات البرية في مهمتها الوحيدة: الدفاع عن سكان المستوطنات والبلدات القريبة من غزة. حيث أدت سنوات من الدفاع الثابت والمهام الفاترة دون أي مبادرة إلى فقدان الحدة واليقظة. وتحولت تحولت ثقافة الاستعداد التي كانت مقدسة في جيش الدفاع الإسرائيلي إلى غبار.
ويضيف حازوت، أن “القوات البرية كان وعيها زائفاً حيال العقبات، لأن قادة الجيش الإسرائيلي لم يتعلموا من التاريخ. لقد حدث ذلك للفرنسيين في الحرب العالمية الثانية عندما تم تجاوز خط ماجينو عبر غابات آردين، وحدث للإسرائيليين في حرب “يوم الغفران” عندما انهار خط بارليف. فلماذا لم نتعلم من تجربتنا؟”
ولكن لم يكن “جيش الفرسان” (القوات البرية) وحده هو الذي انكشف ضعفه في السابع من تشرين الأول. فما قيمة مئات العمليات التي يشنها الجيش المتطور تكنولوجياً على بعد مئات الكيلومترات من حدود إسرائيل إذا لم نتمكن من احتواء عصابة من المسلحين على بعد متر واحد من السياج؟
في السنوات الأخيرة، استثمرت إسرائيل 200 مليار شيكل [53 مليار دولار] في الوحدة 8200 الاستخباراتية التي كان من المفترض أن تقدم تحذيراً، لكنها فشلت في اكتشاف توقيت هجوم منسق من قبل آلاف الأشخاص على بعد أمتار من الحدود.
وحتى الشاباك٬ تخلى عن هذا المجال وتحول إلى السيبرانية٬ وتمكن 1500 مسلح من مقاتلي النخبة، في الموجة الأولى من الغزو٬ من مداهمة البلدات الإسرائيلية، ولم يكن لدى الشاباك جاسوس واحد بينهم٬ يقول حازوت.
في نهاية كتابه، يقترح حازوت أن التصحيح بدأ عندما توقفت الحكومة عن القلق بشأن أوجه القصور في الجيش وبدأت الهجوم البري. وقد سبق هذا القرار نقاشات عاصفة، شارك حازوت في بعضها. ويروي حازوت نقاشاً بين العميد (احتياط) موشيه “شيكو” تمير، الذي وضع خطة الهجوم البري، ووزير الدفاع يوآف جالانت.
في النهاية٬ تتساءل صحيفة هآرتس: “هل تكون هذه الدروس والأخطاء كافية لمواجهة تحديات أكبر٬ حرب إقليمية مع إيران أو حرب برية مع حزب الله في لبنان قد تحدث قريباً؟”.
المصدر : ليبانون ديبايت