*أبرز ما تناولته الصحف اليوم
كتبت النهار
المفاجأة الدرامية التي شكلها اختراق اسرائيل للبنية التحتية للاتصالات لدى “حزب الله” وأدت الى عدد هائل من الجرحى من عناصر الحزب، كانت على مستويين وفقا لمجموعة من المراقبين الديبلوماسيين: المستوى الاول لا يتعلق بالحزب تحديداً بل بما ترجمه الاختراق السيبراني الاسرائيلي من تطور تقني تمت ترجمته لأول مرة على نطاق غير فردي استخدمته اسرائيل ودول عدة في عمليات اغتيال او ما شابه في حين انها اعتمدت اخيراً على نطاق جماعي. وهي ستشكل تجربة واختباراً ستركز عليه استخبارات دول عدة في حروبها الباردة او الساخنة في انحاء عدة من العالم. والمستوى الثاني يرتبط بالحزب الذي شكل ما حصل تحدياً كبيراً له اولا على خلفية ان عناصره كانوا يحملون لأسابيع ان لم يكن لأشهر أجهزة يمكن ان تتحكم بها اسرائيل، وهو امر مخيف.
وثانياً على خلفية ان هذا الواقع كان ليشكل كارثة اكبر بكثير من تلك التي حصلت لو أن الحزب في خضم معركة عسكرية محتدمة مع اسرائيل واستخدمت هذه الاخيرة تفجير البايجرز في عناصر الحزب فسقط هذا العدد الكبير من المصابين والجرحى. وثالثاً ان الحزب الذي اجتاح بيروت في 2008 من اجل حماية بنية اتصالاته، وجد نفسه في موقع التحدي التكنولوجي الذي لم يستطع مواكبته ولم تتمكن الدولة اللبنانية من مواكبته كذلك او لم يتح لها ذلك.
وتالياً فانه واجه تحدياً وضعه في موقع ضعف خطير على هذا المستوى، وهو لن يستطيع في هذه الضربة المعنوية التي هزته في العمق ان يوازن موقع الردع مع اسرائيل على هذا الصعيد خصوصا ان تجربة الاشهر الماضية وعمليات الاغتيال الدقيقة التي قامت بها اسرائيل اظهرت تقدمها على نحو واضح واربكته في محطات عدة كانت اخرها السعي الى الردّ على اغتيال القائد المهم لديه فؤاد شكر. اذ كان امام معضلة الرد على قدر الحدث والمحافظة على قواعد الاشتباك في الوقت نفسه وتوجيه رسالة رادعة لاسرائيل في الوقت الذي هو مقيد بحكم اعتبارات ايران واعتباراته كذلك في عدم الذهاب الى حرب واسعة. وهو الامر نفسه الذي يواجهه اليوم بتحد اكبر بكثير على خلفية سعي اسرائيل الى استدراجه كما استدراج ايران الى حرب واسعة خصوصا في ظل الانشغال الاميركي بالانتخابات الاميركية وقبل حصول هذه الانتخابات.
والحزب ومعه ايران في ظل تطور لافت تمثل في اصابة السفير الايراني في لبنان مجتبى اماني بالتفجير نفسه ومعه اشخاص في السفارة الايرانية حيث يكشف ذلك، على رغم معرفة صلة الرحم بين ايران والحزب، مدى الانخراط العملاني المباشر للسفير الايراني في عمليات الحزب وتحركاته. وهذا موضوع اخر لم يتم التوقف عنده اعلاميا وسياسيا في حين يجب ذلك، خصوصا متى اخذ في الاعتبار ان سفراء الدول لا يحملون عادة اجهزة تقنية او الكترونية الا تلك التي توفرها لهم دولهم خشية الاختراق الاستخباراتي الخارجي.
الارباك الذي يواجهه الحزب على مستواه الداخلي كبير جدا حتى الان، ولكن قد يكون صعبا رصد تأثيره على حركته المستقبلية القريبة وكيفية استعادة خطابه الرادع من جهة والمطمئن من جهة اخرى لبيئته في شكل خاص وعناصره كذلك على مستوى ما يمكن ان يثقوا به واي رسالة ليست مخترقة اسرائيليا على سبيل المثال في ظل اثبات اسرائيل قدرتها الكبيرة على اختراق كل امكانات الحزب. في الوقت الذي وفي ظل الموقع الخطر والحرج الذي وجد نفسه فيه، يخشى ان يستدرج الى المكان الذي تريده اسرائيل وربما سواها ايضا. اذ تكمن المفارقة انه يوم الاثنين الماضي اي قبل ساعات من عملية تفجير البنية التحتية للاتصالات لدى “حزب الله”، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال اجتماع مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إن وقت الدبلوماسية مع “حزب الله” قد مضى وأن القوة العسكرية قد تكون في مركز الاهتمام.
وهذا امر لافت انطلاقا من ان المعطيات التي تسري عن الخلاف الاسرائيلي بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع غالانت ان الاخير لا يرغب في الانخراط في حرب مع لبنان على عكس نتنياهو في حين تفيد معلومات ديبلوماسية ان الاخير هو الذي لن يرغب بالحرب الواسعة او الاجتياح لادراكه ان كل رؤساء الوزراء في اسرائيل الذين خاطروا بمثل هذه الخطوة في لبنان خرجوا بهزيمة كبيرة ليس لاسرائيل بل بهزيمة سياسية شخصية كذلك .
اما الرؤية البعيدة المدى للبعض فهي تتصل برصد ما اذا كان دور”تقليم” قدرات الحزب في لبنان بعد تقليم قدرات “حماس” في غزة لا يرتبط بحادث عارض بل بارادات كبيرة غير مرئية او يمكن ان يستفاد من الاندفاع الاسرائيلي على هذا الصعيد من اجل المضي فيه اكثر . وهذا لا يتعلق بالحزب في لبنان فحسب بل بتقليص نفوذ ايران وقدراتها في المنطقة . وهذا ما قد يراه البعض في افق ما يجري قريبا.