أردوغان يتراجع و شرق المتوسط على موعد مع تطور كبير.
أعادت تركيا واليونان النظر بحساباتهما لمنطقة شرق المتوسط، فبعد فترة من التوترات بلغت حد المخاوف من مواجهة مباشرة بين الدولتيْن المنضويتيْن في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وافق البلدان على استئناف المفاوضات لترسيم الحدود البحرية بعد انقطاع لمدة 4 سنوات. ويبدو أنّ المفاوضات ستحقق خرقاً في جدار الأزمة. ففي مقالة له، ألمح المحلل الأميركي ديفيد إغناتيوس إلى إمكانية إحراز تقدّم بفضل ما أسماه “بعض الضغوط الدبلوماسية الاستراتيجية”، مسلطاً الضوء على دور الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا على هذا المستوى. في ما يتعلق بواشنطن، ذكّر إغناتيوس بزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى قبرص في 12 أيلول الجاري وتحذيره من استمرار أعمال التنقيب التركية، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة خففت قيود مبيعات السلاح المفروضة على قبرص. وتابع إغناتيوس بالقول إنّ بومبيو سيشدد على هذه الرسالة خلال زيارته إلى اليونان في 27 و28 أيلول الجاري، حيث سيجول في قاعدة بحرية في خليج سودا مع رئيس الوزراء اليوناني كونستانتين ميتسوتاكيس ويناقش معه التعاون العسكري الثنائي. إلاّ أنّ بومبيو لن يزور أنقرة، الأمر الذي اعتبره إغناتيوس بمثابة دليل إلى أنّه (بومبيو) وغيره من المسؤولين الأميركيين منزعجون من محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة لفرض قوته في المنطقة. في السياق نفسه، تطرّق إغناتيوس إلى تصريحات وكيل وزارة الخارجية الأميركية ستيفن بيغون الذي اعتبرها بمثابة انتقادات صريحة لتركيا، إذ قال: “ثمة مخاوف متزايدة في الولايات المتحدة من عدد من السياسات التركية”، داعياً تركيا إلى “وقف الأعمال والخطوات البحرية الاستفزازية التي ترفع منسوب التوتر في المنطقة”. ونظراً لاقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي الأميركي، ألمح إغناتيوس إلى أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تضع عينها على أصوات الأميركيين اليونانيي الأصل، معلقاً بالقول: “تشير نبرة بيغون الحادة وزيارة بومبيو إلى قلق الولايات المتحدة من أنّ أردوغان قد بالغ في لعبته على النفوذ الإقليمي، بل بلغ حد إهانة مؤيّده”، في إشارة إلى ترامب. في ما يختص ألمانيا، قال إغناتيوس إنّها لعبت دوراً أساسياً في الضغط على أنقرة من أجل خفض التصعيد، مستشهداً بموقف المستشارة أنجيلا ميركل- “التي غالباً ما تؤيد تركيا”. ونقل إغناتيوس عن مسؤول يوناني قوله إنّ ميركيل توجهت لأردوغان محذرةً: “إذا واصلت ما تقوم به (في شرق المتوسط)، لن أستطيع- حتى أنا- وقف العقوبات”. وفي تحليله، رأى إغناتيوس أنّه من شأن إحالة النزاع التركي-اليوناني إلى حكمة العدل الدولية أو إلى الوساطة المستقلة أن يحل المسألة من دون تنازلات يعجز كل من أردوغان وميتسوتاكيس عن تحمّلها سياسياً. وأوضح إغناتيوس أنّ الطرفيْن عملا مؤخراً على تعزيز موقعهما التفاوضي عبر إبرام اتفاقات على طول ساحل شرق المتوسط، فأبرم أردوغان اتفاقاً مع ليبيا، أمّا اليونان فمع مصر. إغناتيوس الذي أثنى على نجاح ميتسوتاكيس في مواجهة كورونا ورأى أنّه يمثل شخصية سياسية جذابة في اليونان التي كانت غارقة قبل عقد في الديون والانقسامات السياسية، حذّر من غياب التركيز على السياسة الخارجية خلال الحملة الرئاسية هذا العام، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية الجهود الديبلوماسية الأميركية المبذولة على هذا الصعيد.