الحكومة المستقلة ضحية التقارب الفرنسي ـ الإيراني وعون لن يسكت..
كتب منير الربيع في “المدن”: انتهى حزب الله من قتاله لحيازة وزارة المال. وهو يتفرغ الآن لجهاد آخر يخوضه بطريقة مختلفة: اعتماد الإيجابية حيال المبادرة الفرنسية، وتسهيل عملية تشكيل الحكومة. وهذا وجه سياسي أساسي لسلوك من يحقق مكاسب، ليلعب بعد تحقيقها دور “حمامة السلام”، مع استمراره في فرض شروطه. الثنائي يأخذ ويطالب بعد ساعات من تنازل الحريري، شرع حزب الله وحركة أمل في إشاعة أجواء إيجابية حول تشكيل الحكومة، قائلين إنها ستولد قريباً، ويرحبان بولادتها. ولكن في الكواليس سرت أجواء متشددة وتسرب جانب منها، مثل التأكيد المستمر على تمسك الثنائي بتسمية الوزراء الشيعة الثلاثة في الحكومة، والحصول على ضمانات بعدم تحولها منصة دولية لاستهداف حزب الله. وهذه التسريبات تعني سياسياً البدء بمعركة أو جهاد الثلث المعطل، ومن ورائه البيان الوزاري. وتأكيداً لأجواء “الثنائي” الإيجابية، كانت زيارة وفد منهما إلى مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، للتستر على الصراع السني – الشيعي، والإيحاء بتبدده. وجاء هذا بعد أيام من تنصل رئيس الجمهورية ميشال عون من عرقلة تشكيل الحكومة، ورميها في ملعب السنة والشيعة الذين لم يتفقوا في ما بينهم. عودة إلى حكومة التوافق بعد لقاء وفد “الثنائي” ودريان، عُقد لقاء بين الرئيس المكلف مصطفى أديب والخليلين. لم يقدم الخليلان أي لائحة بالأسماء، بل استمعا إلى ما يطرحه أديب وما لديه، وأبديا استعدادهما للتسهيل والمساعدة، وفق القواعد المتبعة في تشكيل الحكومات في لبنان: عدم تجاوز أي طرف من القوى السياسية. وهذا يعني بالتأكيد التمسك بتسمية الوزراء الشيعة الثلاثة، وبالثلث المعطل. إضافة إلى عدم التراجع عن تقديم لائحة من الأسماء للاختيار من بينها على قاعدة توافقية. يعلم الثنائي الشيعي أن هناك عقداً كثيرة لا تزال قائمة. ولكن موقفهما الإيجابي هدفه عدم ظهورهما في عداد المعرقلين أو المؤخرين. واتفقوا مع أديب على استمرار التواصل لبلورة التصور الحكومي الكامل، مع مراعاة حق رئيس الجمهورية بأن يكون شريكاً فاعلاً في عملية التشكيل. عون يتحرك اتضحت طبيعة التجاذب الفرنسي – الإيراني. الحريري في الجانب الفرنسي، والثنائي الشيعي في الجانب الإيراني، فيما يبحث الجانبان عن تقارب ما، يجمع بينهما. وفي هذه المعادلة بدا رئيس الجمهورية غائباً، أو بلا دور مع فريقه السياسي. لذا، رفع عون سقفه حول كيفية تشكيل الحكومة، وقال إنه شريك أساسي فيها. ولكن إطلاقه موقفه هذا وضعه في موقع الضعف. أو جعله غير مؤثر في العملية. وهذه السلسلة من التجاذب تفسر ما قد يأتي بعدها. فشدّ الحبال بين السنة والشيعة، والبحث عن تسوية بينهما، أعادا إحياء مناصفة جديدة، سنية – شيعية، بدلاً من المثالثة. ربما كان هدف الحريري من خلال مبادرته التمهيد للمرحلة اللاحقة، وتحديد مفاصلها في استحقاقات عديدة، وخصوصاً الانتخابات الرئاسية، والتي ستكون نتاجاً لتوافق سني – شيعي، ليلتحق المسيحيون به. وهذا يخالف القاعدة التي تكرست سابقاً حول تحديد مواصفات رئيس الجمهورية، هويته وخطه السياسي، بناء على تحالف شيعي – ماروني. بين السنّة والشيعة لذا، انتفض عون لصلاحياته، بعدما كان أعلن تمسكه بالمداورة، ورفض تكريس وزارة لطائفة معينة، لأثر ذلك السلبي على المسيحيين ودورهم. لن يسكت عون عن ذلك. يل سيصعد موقفه وحراكه. وفي هذا الإطار جاء موقفه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيراً إلى تمسكه بالقرار 1701، مع ما يعنيه ذلك سياسياً. ولن يمرر عون تشكيلة حكومية لا يكون شريكاً فعلياً وأساسياً فيها. وهنا سيكون حزب الله أمام خيار جديد ومعتاد: مراعاة رئيس الجمهورية، ودعمه في مطالبه، طالما أن مبدأ المداورة قد خرق، وطالما سقط تشكيل حكومة مستقلين، لصالح شروط القوى السياسية في اختيار الوزراء والحقائب. لن يتأخر عون عن التحرك لاستعادة دوره. وسيضطر حزب الله لمسايرته، كي لا يتسع الشرخ بينهما ويكبر. وهنا سيجد عون نفسه مديناً لحزب الله الذي راعى ظروفه ومطالبه. هذا فيما كان يفترض أن يقترب من طرح البطريرك الراعي والسنّة، عندما أعلن التزامه بالدستور. لكن الحريري اختار الذهاب إلى الثنائي الشيعي. وحزب الله سيدعم عون ليستميله، ويبقيه لديه على قاعدة أنه لم يعد لديه أحد إلى جانبه إلا حزب الله.