لبنان خلف بر الأمان متجهاً إلى جهنم
تحت عنوان: “قراءة في المشهد السياسي.. لبنان يتأرجح بين “جهنم” وبر الأمان”، كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: ثمة محاولات حثيثة تجري محليا ودوليا، في السر والعلن، وعلى كل صعيد، لاستباق إنغلاق الأفق السياسي لحل الأزمة الحكومية التي لا يبدو حتى الآن أن مبادرة الرئيس سعد الحريري قد نجحت في تفكيك تعقيداتها مما يؤدي في حال إستمرارها وتشعّبها الى تداعيات خطيرة على لبنان الذي يتأرجح بين السقوط في “جهنم” التي بشّر بها رئيس الجمهورية أو النزول الى بر الأمان ولو بشكل مؤقت. أكثر من لوحة سياسية تطبع المشهد اللبناني لجهة: الحرص الفرنسي الكبير على إنجاح مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يبدو أنه لن يستكين أمام محاولات الشغب الأميركية.. التجاذبات الداخلية، من مبادرة الرئيس سعد الحريري التي رمت حجرا في المياه الحكومية الراكدة و”الدلال الشيعي” عليها الى فتح شهية بعض القوى السياسية على تسمية وزير أو أكثر في حكومة مصطفى أديب الذي يواجه محاولات تدجينه وتكرار تجربة الرئيس حسان دياب معه. الثبات السياسي والمنطق الوسطي للرئيس نجيب ميقاتي وموقفه مع الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام وتمايزهم عن الرئيس سعد الحريري. لكن اللوحة الأبرز، تمثلت بخطاب العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهجومه على حزب الله وإتهامه بتفجير مرفأ بيروت، ومطالبته بنزع سلاحه، وفي ذلك موقف سعودي غير مسبوق، يوحي بأن لا تعاطي مع لبنان في ظل وجود سلاح حزب الله، وبأن المملكة لا توافق على المبادرة الفرنسية، وترفض تمثيل الحزب في الحكومة وإعطاء حقيبة المالية الى وزير شيعي. موقف الملك سلمان وما يحمله من رمزية ترتبط بالجمعية العامة للأمم المتحدة أعاد خلط الأوراق من جديد، خصوصا أنه جاء بنكهة أميركية صرفة، وأشار الى أن السياسة السعودية تتحدد مستقبلا وفق دور حزب الله في المعادلة اللبنانية، ما يشير الى حجم التجاذبات الاقليمية والدولية القائمة حول لبنان، والتي قد يكون لها تداعيات سلبية جدا على ولادة حكومة مصطفى أديب، الأمر الذي خفف من منسوب التفاؤل بامكانية ولادتها على جناح السرعة، وأدى الى تهشيم مبادرة الحريري بعدما فقدت رونقها وتحوّل التفاؤل الى “تشاؤل”. الموقف السعودي طرح أكثر من سؤال حول ما قصده الرئيس سعد الحريري حول “تجرعه السم” و”الانتحار السياسي”، فهل كانت مبادرة الحريري بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على علاقته بالمملكة وقياداتها؟، وهل أخفق الرئيس إيمانويل ماكرون في الوفاء بوعده للحريري لجهة ترطيب الأجواء مع السعوديين تمهيدا لاعادة العلاقة معهم؟، وهل إصرار الحريري على رد الجميل للرئيس الفرنسي الذي أنقذه من أزمة إحتجازه في المملكة، قد أبعده نهائيا عن أميركا والسعودية اللتين تتناغمان بشكل كبير في سياستيهما تجاه لبنان. في المقابل، حرص الرئيس نجيب ميقاتي منذ اللحظة الأولى على التمايز عن نادي رؤساء الحكومات السابقين، وهو مستمر في هذا التمايز ويترجمه في مقاربته للمشهد السياسي إنطلاقا من ثابتتين هما: “الحفاظ على الطائف والرؤية الاصلاحية”، كما أن هاتين الثابتتين من المفترض أن تحددا في المستقبل القريب موقف ميقاتي من كل الأفرقاء وصولا الى الرئيس المكلف مصطفى أديب الذي أوصاه ميقاتي في إتصال معه بالتمسك بهما، ما يؤكد أن ميقاتي يدعم المبادرة الفرنسية الى أبعد الحدود لكن تحت سقف الدستور. وفي هذا الاطار، ينقل زوار عن الرئيس ميقاتي أن طائفة ومذهب وزير المالية أو أي وزير آخر هو مجرد تفصيل بالنسبة له أمام الحفاظ على دستور الطائف الذي يعتبر الأساس كونه صمام أمن وأمان البلد والقادر على مواجهة أي فتنة طائفية، وهذا أساس المنطق الوسطي الذي هو ضرورة الضرورات في لبنان، وهو المنطق الذي تقارب فيه كل القضايا الوطنية بهدف تحقيق مصلحة لبنان العليا. ويؤكد هؤلاء أن الرئيس ميقاتي يرفض المسّ بالدستور تحت أي عنوان كان، لأن المطلوب الحفاظ عليه في هذه المرحلة المفصلية، لأن إسقاطه تحت أي ظرف، هو تهديد لبقاء لبنان. أمام هذا الواقع، ما تزال الحكومة عالقة على حبال التشاور والتريث والمبادرات والدلال السياسي والشغب الأميركي والرفض السعودي والاصرار الفرنسي والفرملة الايرانية، وكأن الجميع يملكون ترف الوقت، في حين يواجه اللبنانيون أسوأ مرحلة في تاريخهم الحديث وينتظرون الفرج الذي لا يمكن أن تكون بدايته إلا بالتزام تطبيق الدستور.