عن اتفاق الطائف الذي لم يفسره لنا أحد
مع كل أزمة سياسية يعود الحديث عن الطائف. وعلى رغم أن الإتفاق الذي جاء تتويجاً للسلم اللبناني المرعى دولياً، إلا أن البعض يتعامل معه وكأنه كتاب منزل. لكن المشكلة ليست في ذلك، بل في القراءات المتنوعة التي لا تخفي الإنتقائية الواضحة في تفسير “الطائف”. مؤخراً، شغل إتفاق الطائف معظم القوى السياسية بمجرد تعثّر المبادرة الفرنسية. فالثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” تحدث عن مجانبة مصطفى أديب و”من وراءه” لروحية الطائف في انتقاد واضح للطريقة التي كان يحاول فيها أديب إدارة عملية التأليف. أما الرئيس عون فناله من نادي رؤساء الحكومة وخصومه التقليديين في الساحة المسيحية اللوم لأنه عمل عكس ما ينص عليه الطائف بعد مشاورته الكتل النيابية. هو سجال لا ينتهي ولا يفضي إلى خلاصة، تكون أقله مقنعة لأي لبناني يصيغ السمع إلى التصريحات عبر الراديو أو التلفزيون، إذ يصادف آراء متناقضة وقراءات قانونية لا يفهمها معظمنا. لكن المؤكد، أن الاتفاق التاريخي الذي تم برعاية ثلاثية أميركية – سعودية – سورية، لم يعمل به يوماً. وما “المناشدات” بالعودة إلى الطائف سوى مادة دسمة تستخدم كل حين، في لعبة تبادل الإتهامات وتراشق المسؤوليات التي اعتدناها جميعنا حتى مللنا منها. غالباً ما يتقاطع الحديث عن الطائف مع سرديات ما قبل “السلم الأهلي” المتأرجح أساساً. واليوم، ينقسم اللبنانيون إلى مجموعتين شديدتي الحساسية تجاه “حزب الله” وما يمثله في الإقليم، معطوف على صراعات كبيرة في المنطقة يتسم بعضها بصيغة طائفية ومذهبية. فهل ينفعنا “الطائف” للحفاظ على لبنان؟ ليس هناك من معطيات تقول إن الحلول تكون بالرضوخ لما نص عليه اتفاق الطائف. ففي مجتمع تتحول تعدديته دوماً إلى شرارة لاشتعال الحروب على أشكالها، ليس لديه من مقومات الخروج من “نَفَس” الحرب ومنطقها وعقليتها ودوافعها إلا الكلام. فاللبنانيون لا يتعلمون من التاريخ. التاريخ يقرأونه على ما تمليه عليهم اعتقاداتهم وهواجسهم المعمرة من عمر الكيان اللبناني. ذلك الذي تأسس قبل قرن من اليوم، ثم “استقل” في العام 1943 على “الصيغة” التي كانت أقوى من الميثاق، لكنها بقيت محكومة بمخاوف التغير الديمغرافي وتركز الثروة الذي كانت نهايته انفجار قضى على كل شيء في العام 1975. ثم 15 عاماً سالت فيها “دماء الأخوة” ليأتي الخارج المتحكم بلعبة النار والدم في لبنان، ويقرر أن وقت القتال انتهى، وأن على الجميع أن يعودوا “أخوة” يقدسون لبنان الوطن النهائي. دبّج اتفاق الطائف ووقع عليه، لكن مرجعيته لم تكن يوماً بيد اللبنانيين. ظلّت المرجعية خارجية. أي بيد رعاة السلم اللبناني المتذبذب والخاضع لعلاقات القوة في الإقليم. فتارة تحكم سوريا قبضتها، فيفكر خصومها بالطائف، وطوراً يتمدد النفوذ السعودي والأميركي فيتباكى أنصار دمشق على قتل الطائف. وبين هذا وذاك، تنشب معارك صغيرة يبدو أنها “بروفات” للحرب الكبيرة التي لن يوقفها “اتفاق الطائف” ولا سواه.