قصة نجاح لبناني اقتحم الفضاء وكرمته ناسا…
كتبت سكاي نيوز”: مع حلول المساء، يبدأ وسام أيوب في ترتيب أغراضه التي سيحتاجها في رحلة غير عادية من منزله في أبوظبي إلى منطقة تبعد 130 كيلومترا على الأقل في جوف الصحراء، والهدف هو الظلام الدامس. ولا يحدد أيوب اللبناني (48 عاما) موعد رحلته، فالأمر متروك للطبيعة التي ستعطي له الإذن بالانطلاق، حيث يتتبع المصور الشغوف بيانات الأرصاد الجوية على مدار أيام، حتى يتأكد من الوقت الذي سيكون فيه الجو ملائما، أي خاليا من الغيوم بينما يكون الهواء ساكنا والقمر غائبا بشكل كامل. وبعد أن يضع أيوب التليسكوب وكاميرا تصوير خاصة بالأجرام السماوية وملحقات تقنية يحتاجها، يبدأ في الانطلاق إلى منطقة رزين في صحراء أبوظبي. وعندما يصل إلى المكان الذي يوفر لها الظلام الدامس الذي يبحث عنه، يبدأ أيوب المرحلة الثانية والأكثر شغفا في رحلته، حيث سينطلق بعدسته في فضاء الكون الفسيح، متتبعا الأجرام السماوية، حتى يحصل على أفضل لقطة ممكنة.
تكريم من ناسا
ونجح وسام أيوب في حفر اسمه على لائحة وكالة الفضاء الدولية “ناسا” NASA ، عندما اختارت واحدة من صوره ضمن فئة “صورة اليوم” على موقعها الإلكتروني الرسمي يوم 17 أكتوبر الجاري. وتظهر في صورة “سديم الهلال” المذهلة سحبا من الغاز والغبار المنتشرة في مجرة درب التبانة باتجاه كوكبة الدجاجة. وتوثق الصورة أيضا ضمن مجال الرؤية التلسكوبي ما يعرف بـ”فقاعة الصابون” (أسفل اليسار) وسديم الهلال (أعلى اليمين) من الصورة. يقول أيوب لـ”سكاي نيوز” إنه “شعر بالجنون بعد اختيار صورته من طرف ناسا”، مضيفا “عرض صورتي على موقع ناسا يعني أنها أفضل صورة في العالم في ذلك اليوم”. وتمثل الصورة قيمة معنوية كبيرة لأيوب حيث أنها ثمرة جهد ومتابعة ومثابرة لوقت طويل. “ابني علي (27 عاما) الذي يعد أقرب أصدقائي كان سعيدا جدا.. كان شعوره لا يوصف”.
من الظلام إلى الجمال
بعد تركيب معداته في النقطة المناسبة، يبدأ أيوب في توجيه التلسكوب إلى “النجم القطبي”، حيث سينطلق من هذه النقطة لمتابعة الأجرام السماوية. ويقول أيوب إن “التصوير يتم بطريقة متحركة وبالاعتماد على تقنية التعريض الطويل”، مشيرا إلى أن العملية تستغرق 10 ساعات على الأقل قبل بزوغ الفجر في الليلة الواحدة. ويوضح أيوب أنه من أجل الحصول على صورة دقيقة، يتطلب التصوير الفضائي “سماء صافية وظلاما دامسا وغياب الرياح حتى لا تؤثر على حركة التلسكوب والكاميرا”.
هابل الملهم
ولعبت الصدفة البحتة دورا كبيرا في تعرف أيوب على مجال التصوير الفضائي، فقد كان يتصفح الصور الحصرية التي يتيحها التليسكوب هابل عبر موقع ناسا، متسائلا عن هذا الكون الفسيح والجميل المليئ بأسرار متوهجة. ويقول أيوب:” قبل سنة ونصف لم أكن أفقه شيئا في المجال.. كنت أتابع الصور التي ترسلها المركبة فوياجر 1 عبر موقع ناسا، ثم انجذبت للصور الهائلة للتليسكوب هابل الذي أوقعني في حب الفضاء.. كان له الفضل في ذلك”. ويضيف: “بدأت أفكر في التقاط الصور الفضائية بنفسي وما يتوجب علي أن أفعله للقيام بذلك.. تعلمت ذلك بمجهود شخصي عبر تصفح الإنترنت”. ويشير أيوب إلى أن معدات التصوير الفضائي متاحة للجميع، وقد تكلف المبتدئين ما يقرب من 3 آلاف دولار.
عندما توقف الزمن
كان أيوب صابرا، فالتصوير الفضائي يحتاج إلى وقت طويل من الترقب والصبر، حتى الحصول على مشهد جميل. “عندما التقطت أول صورة فضائية شعرت أن الزمن توقف، لا يمكن أن تتخيل الشعور عندما ترى الفضاء بعينك أنت”. ولما لا، فأول صورة التقطها أيوب كانت لـ “سديم أوراين أو سديم الجبار”، وهو مشهد لا يمكن وصف تخيله بالكلمات، بحسب أيوب.
“حياتي تغيرت”
وبدا أن حياة أيوب قد تغيرت منذ ذلك الوقت، فعيناه التي تطلعت للنجوم أبصرت أمورا أبعد من ذلك وأثرت في نفسه. يقول أيوب:”أصبحت هادئا جدا وأدركت صغر حجم الكرة الأرضية وأن الناس تتصارع على لا شيء.. الكرة الأرضية تمثل نقطة رمل في صحراء واسعة غير متناهية”. وتابع: “ساعدني التصوير الفضائي في الحصول على سلام نفسي والنظر للأمور بتواضع.. كما علمني في حياتي المهنية التعامل الدقيق مع عملي وإتقانه على أحسن وجه”. ويمتلك أيوب سجلا مليئا بالصور الفضائية من سُدُم ومجرات وكواكب، التي تستغرق منه جهدا وتركيزا كبيرين لإظهارها في حلة مدهشة ومتميزة أثارت إعجابا واسعا على الصعيد الدولي. وفاز وسام أيوب بعدد من الجوائز العالمية الأخرى منها جائزة (أفضل صورة لليوم 19 أكتوبر 2020) من موقع “أستروبن الشهير” “AstroBin” المتخصص بالصور الفضائية. وأحرز جائزة (أفضل صورة للأسبوع 19 أكتوبر 2020) من موقع الشركة الخاصة لتصنيع كاميرات التليسكوب “ZWO Astronomy Cameras”. ويعرض وسام أيوب صوره الفضائية الرائعة على مواقع عدة منها صفحته على إنستغرام.