الحريري ينتظر التكليف وباسيل على مفترق صعب!
كتب منير الربيع في “المدن”: أحرج رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه بتأجيله الاستشارات النيابية الأسبوع الفائت. فما تذرّع به للتأجيل لم يتغير. وأُحرج أكثر بالإصرار على إبقاء الاستشارات والضغوط بهدف عدم تأجيلها. بين المنزلتين، اختار عون القفز إلى الامام، أو السير على دراجة هوائية كما وصفه ذات مرّة سمير جعجع إذ قال:” الجنرال عون يركب دوماً على دراجة هوائية وهو بحاجة دائمة إلى أن يستمر بالتحرك كي لا تنقلب دراجته”. اختار عون الخروج وإطلاق رسالة إلى اللبنانيين يفتح فيها مواجهة جديدة في معركة تشكيل الحكومة. هو لا يزال يقول إنه لا يريد سعد الحريري رئيساً مكلفاً. لكن الحريري، بحال حصلت الاستشارات، سيحصل على الأصوات اللازمة. يحاول عون رفع سقف المواجهة، لتحسين شروطه وحماية صهره.
نهاية التعطيل العوني؟
بحال كلّف الحريري من دون إرادة عون، سيكون هذا الانكسار الأول بهذا الحجم لرجل منذ عودته من المنفى، بعد سنوات من اعتماده على التعطيل سياسة لتحقيق الأهداف والمكاسب السياسية: من تعطيل الانتخابات الرئاسية لسنتين ونصف السنة حتى انتخابه رئيساُ للجمهورية، إلى عرقلة تشكيل حكومة سعد الحريري الأولى كرمى لعيون “صهر” الجنرال.
تمكن عون وتياره من فرض التعطيل أسلوباً سياسياً استناد إلى قوة حزب الله الذي يرعاه ويدعمه. اليوم لم يعد قادراً على ذلك. فحتى حزب الله بمواقفه المعلنة وغير المعلنة، لا يجاري عون في تأجيل الاستشارات.
لذا، يجد عون نفسه مع فريقه السياسي في موقع المعزولين، فلا الحلفاء معهم ولا الخصوم.
عون بلا غطاء مسيحي
حاول العونيون استدراج القوات اللبنانية بشعار مسيحي يرتبط ببدعة الميثاقية. لكن القوات التي التزمت موقف عدم التصويت للحريري، أوضحت بأن المسألة لا تتعلق بحسابات طائفية ومذهبية وميثاقية. أي أنها ترفض استخدام جبران باسيل الشعار المسيحي للقتال في سبيل مكاسب سياسية وحكومية.
ومواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي والمطران الياس عودة ترفض تأجيل الاستشارات، وتنزع الغطاء المسيحي عن الموقف العوني. وعزلة عون وتياره ستكون طويلة على ما يبدو، وخصوصاً إذا نجح سعد الحريري بالتكليف والتشكيل، موجهاً ضربة مزدوجة لعون وباسيل.
لكن ليس من عادة عون أن يستكين أو يركن إلى مثل هذه الضربات التي ينظر إليها كهزائم. هو سيتمسك حتماً بصلاحية توقيعه ومشاركته رئيس الحكومة في تشكيلها وإصدار مراسيمها. وهو ينتظر مرحلة التأليف للبدء بفرض شروطه.
هذه الحسابات السياسية بدأت مع الثنائي الشيعي بتمسكه بوزارة المال، وتسمية الوزراء الشيعة. وامتدت إلى وليد جنبلاط فطالب بحصته الوزارية، وأعلن عن منح أصوات تكتله للحريري، شرط حصوله على مطلبه. وهذا لا بد من أن يدفع التيار العوني إلى المطالبة بالمثل، وكذلك حزب الطاشناق. وفي هذا المسار لن يكون حزب الله قادراً على كسر الجرة نهائياً مع عون وباسيل، بل سيدعمهما. وبالتالي تصبح الحكومة المرتقبة، حكومة اختصاصيين اختارتهم القوى السياسية.
الموقف الدولي
من حيث الشكل، لا بد من انتظار ردّ الفعل الدولي على هذه الحكومة ومسارات تشكيلها. فالمواقف الدولية لا تتعلق أبداً بالشكل أو بمضمون التكوين، إنما بالمضمون العملاني الذي ستطبقه هذه الحكومة على صعيد الإصلاحات. هذا في حال غض النظر عن مسألة مشاركة حزب الله فيها، استناداً إلى الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، وإلى ثغرة قبوله بمفاوضات ترسيم الحدود.
لذا سيتركز النقاش الأساسي في البحث عن الخطة الاقتصادية والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد. وأي مساعدات ستكون مرتبطة بما ستنجزه الحكومة على هذا الصعيد. وهناك حزب الله الذي لا يزال يرفض شروط الصندوق. وهذا يعني أن المهمّة ستكون صعبة في المضمون.
بين الحريري وعون
موقف عون لن يكون سهلاً أيضاً في مرحلة التأليف وما بعدها. فبحال انكسر في التكليف، قد ينكسر مجدداً في عملية التشكيل أمام الضغوط الدولية لتشكيل الحكومة. وربما تحصل ضغوط شعبية ضد عملية التحاصص التي يطلقها التيار العوني على نحو علني فاضح.
فعلى الرغم من إعلان التيار أنه سيذهب إلى المعارضة، ولن يشارك في مثل هذه الحكومة، فإن رئيس الجمهورية سيطالب بالحصول على الحصة المسيحية كاملة من الوزراء، باستثناء حصة المردة. وهذا سيضرب أحد أساسيات الإصلاح في مبدأ المداورة، ولن يكون سهلاً على الحريري. ولا بد لأحد الرجلين من الرضوخ: عون يصعب عليه ذلك، لينكسر مجدداً. أما الحريري فسيكون حائزاً على ورقة التكليف، وقادراً على استخدامها في فرض شروطه بعملية التأليف. وإذا لم يقدّم أي تنازل، سيكسب سياسياً وشعبياً.
باسيل على مفترق صعب
يتعدى الصراع على تشكيل الحكومة الشكل والمضمون العملي اقتصادياً وإصلاحياً. فهي ستكون حكومة تقرير مصير العهد وما بعده: من الانتخابات النيابية إلى الانتخابات الرئاسية، المرتبطتين بالتطورات الخارجية. وهذا عامل جديد في ضعف التيار التيار العوني وباسيل شخصياً، الذي لم يعد يمتلك حق التعطيل والفيتو، كما كان قبل تسوية 2016. وهو لم يعد مقرراً ومتحكماً في مسار تشكيل الحكومة، كما بعد التسوية.
إنها حالة عونية جديدة لن يكون معروفاً كيف سيتعاطى معها عون وباسيل، اللذان ما اعتادا الركون إلى مثل هذه الانكسارات التي قد تواجه بخيارات تفجيرية.