الجزائر في 2018.. مخاض الرئاسة و”الكوكايين” داخلياً والحذر خارجياً
شهدت الجزائر الكثير من الأحداث السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والحقوقية، خلال 2018، كان أغلبها مرتبطاً بمحاولة السلطة ترتيب بيتها الداخلي الذي يعاني من تشققات وصراعات واضحة لترتيب مرحلة ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أو الاستمرار بترشحه لولاية رئاسية خامسة.
ومع قرب توديع الجزائريين لـ2018، تزداد مخاوفهم بشأن مستقبلهم، وأوضاع بلدهم التي ظلت معلقة خلال عامهم هذا على “عرقوب” انتخابات الرئاسة التي لم تتضح معالمها بعد، رغم اقتراب موعدها المقرر أبريل القادم.
وكان الجزائريون استقبلوا عامهم الجاري بحادثة أليمة؛ تمثلت في سقوط الطائرة العسكرية “أليوشين 76” المخصّصة للنقل والإمداد، في11 أبريل 2018، الذي راح ضحيته 257 شخصاً.
ويستعدون الآن لتوديعه وكلهم أمل في أن يغادرهم وحالهم أفضل في كل المجالات؛ خاصة الاجتماعية والاقتصادية، وهي التي تأزمت بشدة خلال السنوات الأخيرة بسبب التراجع الحاد لأسعار النفط في الأسواق العالمية.
ورُهنت تلك الآمال بالوضع السياسي للبلد بسبب تجاذبات داخل النظام، ومع المعارضة، بشأن السيناريوهات المرتبطة بترتيبات انتخابات 2019.
– فضيحة “البوشي”
ونفذ بوتفليقة خلال هذا العام حملة إقالات واسعة في صفوف المؤسسة الأمنية والعسكرية، وجاءت عقب إحدى أكثر فضائح الفساد التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، والتي يطلق عليها “فضيحة البوشي”، نسبة إلى أحد رجال الأعمال الكبار الذي أودع السجن بعد تمكن وحدات من حراس السواحل في مدينة وهران، يوم 29 مايو، من حجز سبعة قناطير من الهرويين كانت على متن باخرة تجارية، وهي القضية التي تسببت في سقوط شخصيات نافذة في السلطة.
بعد هذه الحادثة بأيام قليلة فقط توالت القرارات بإقالة كبار الضباط، أبرزهم رئيس جهاز الأمن الوطني اللواء عبد الغاني هامل، الذي كان يُنظر إليه على أنه خليفة محتمل له لرئاسة البلاد، بعد ساعات قليلة من تصريحاته المثيرة بوجود أخطاء واختلالات شابت عملية التحقيق بشأن عملية الكوكايين.
إقالة “هامل” أعقبتها أخرى مماثلة في المؤسسة العسكرية، أبرز من طالتهم قائد سلاح الدرك الوطني اللواء مناد نوبة، وشخصيات رفيعة بوزارة الدفاع.
في 14 مايو أمر القضاء العسكري بإيداع 5 جنرالات وعقيد الحبس المؤقت في قضايا فساد، بعد أسابيع من تنحيتهم في إطار حملة تغييرات غير مسبوقة في قيادة الجيش، بدأت في يونيو، وفسّرت وزارة الدفاع تلك التغييرات بأنها “تكريس لمبدأ التداول” في الوظائف العليا للجيش، في حين أثارت وسائل إعلام محلية تساؤلات حول سبب تزامنها مع بداية العد التنازلي لانتخابات الرئاسة المقررة ربيع 2019.
– أزمة برلمان ومجتمع يعاني
وفي إطار التجاذب السياسي شهدت الجزائر أزمة غير مسبوقة داخل البرلمان، إثر مطالبة نواب الحزب الحاكم من رئيس البرلمان الذي ينتمي إلى نفس الحزب بالاستقالة، ووصل الأمر بهم، وفي خطوة مفاجئة، إلى إغلاق أبواب البرلمان بسلاسل حديدية.
وانتهت تلك الأزمة بإقالة رئيس البرلمان السعيد بوحجة (سبتمبر الماضي)، وتعيين معاذ بوشارب خلفاً له بطريقة وصفها خبراء في الفقه الدستوري أنها غير دستورية.
وفي 12 أغسطس أوقفت الشرطة عدداً من النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين، احتجوا بساحة الشهداء وسط العاصمة، ضد ولاية خامسة للرئيس بوتفليقة.
خلال العام الجاري أيضاً شهدت الجزائر دعوات المعارضة للجيش بالتدخل في المشهد السياسي من أجل التغيير السلمي، ومرافقة عملية التوافق الوطني التي اقترحتها حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي).
وقوبلت هذه الدعوات بالرفض من قبل الجيش بحدة، لكن مبادرة الحزب لم تتوقف، بل استمرت وانتهى الأمر إلى دعوة أحزاب أخرى لتمديد ولاية الرئيس بوتفليقة، وعدم إجراء الانتخابات الرئاسية العام الداخل.
كذلك ظهر وباء الكوليرا في الجزائر مجدداً على إثر تأكيد وزارة الصحة تسجيل 46 حالة كوليرا ضمن 139 حالة استقبلتها المستشفيات بداية من 7 أغسطس 2018.
ولم تسجَّل أي حالة كوليرا في الجزائر منذ 1996، في حين يعود آخر وباء إلى عام 1986.
وبرزت على الساحة الجزائرية ظاهرة الهجرة غير الشرعية للشباب تجاه أوروبا، التي عادت للظهور بشكل لافت وقوي، من خلال أرقام خفر السواحل التي تسجل كل أسبوع مزيداً من الضحايا؛ شباباً ونساء وأطفالاً.
وفي 18 أكتوبر قرّرت السلطات الجزائرية، ولأول مرة، منع ارتداء العاملات في الإدارات الحكومية النقاب. وطالبت إدارة الوظيفة العامة، التي تتبع رئاسة الوزراء، مسؤولي الإدارات الحكومية بـ”منع كل لباس يعرقل ممارستهم لمهام المرفق العام (الإدارة)، لا سيما النقاب، الذي يُمنع ارتداؤه منعاً باتاً في أماكن العمل”.
– توترات خارجية
على المستوى الدولي، وفي سبتمبر 2018، هدد اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بنقل الحرب من الأراضي الليبية إلى الجزائر، وهي التصريحات التي أثارت موجة من الغضب بين الجزائريين، الذين رأوا فيها رسائل بالوكالة عن أطراف إقليمية لتوريط الجزائر في المستنقع الليبي.
وفي نفس الشهر كادت أن تتسبب حادثة كروية في أزمة دبلوماسية عميقة بين الجزائر والعراق بعد انسحاب فريق “القوة الجوية” العراقي من مباراته أمام مضيفه “اتحاد الجزائر”، في إياب دور الـ32 من المسابقة العربية، وهي الأزمة التي انتهت باعتذار الجزائر رسمياً.
من جانب آخر، حركت دعوة الرباط إلى الحوار مع الجزائر في نوفمبر الماضي، لتجاوز القضايا الخلافية، ومن ذلك فتح الحدود المغلقة، المياه الراكدة في العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين.
ففي 6 نوفمبر دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس الجزائر إلى تأسيس لجنة مشتركة لبحث الملفات “الخلافية” العالقة.
وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر من النظام الجزائري التفاعل مع مبادرة الملك محمد السادس، وجهت الجزائر دعوة مفاجئة إلى اتحاد المغرب العربي من أجل تنظيم قمة مغاربية في أقرب وقت على مستوى وزراء الخارجية، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة غير مباشرة باتجاه حلحلة المشاكل.
– المشهد الثقافي
وشهد المشهد الثقافي الجزائري جدلاً واسعاً خلال عام 2018، على وقع مطالبة العشرات من المثقفين والكتاب بإقالة وزير الثقافة عز الدين ميهوبي؛ بعد اتهامه بالفشل في تسيير قطاعه.
وخرجت احتجاجات ضد الرقابة الرسمية في الجزائر بعد منع عرض عدة أفلام أبرزها فيلم “العربي بن مهيدي”، الذي يرصد مسيرة أحد أبرز مجاهدي ثورة التحرير الجزائرية.
وتقول السلطات إن أسباب منع بعض الأفلام من العرض تتراوح بين “الترويج لنشطاء على شبكة الإنترنت صدرت بحقهم أحكام قضائية، أو المس برموز الدّولة وسيادتِها، أو ورود أخطاء في السيناريو”، نافية وجود أي رقابة على الأعمال السينمائية والإبداعية في البلاد.
وفي مايو أوقفت الجزائر دعوة الفنانين من الخارج لإحياء حفلات في الجزائر، وقالت إن المؤسسات الثقافية والفنية التابعة لوزارة الثقافة لم يعد مسموحاً لها دعوة فنانين عرب أو أجانب للمشاركة في مهرجانات؛ والسبب في ذلك سياسة التقشف التي طالت القطاع الثقافي.