“البرماوية”.. هذه قصة إحدى أكبر الجاليات المسلمة في السعودية
وصلوا إلى السعودية قبل 70 عاماً بثيابهم؛ هرباً من بطش البوذيين في بورما وحملات التطهير العرقي التي تعرضوا لها، واستقروا بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وجدة، ومنحت المملكة عديداً منهم إقامات نظامية، إنهم مسلمو الروهينغيا أو ما بات يطلق عليهم “الجالية البرماوية”.
وتجمعت الجالية “البرماوية” في أحياء سكنية عشوائية بالمدن السعودية، وزاد عددهم مع السنوات، حيث بات يقدَّر بنصف مليون شخص، دون وجود أي أوراق تثبت جنسيتهم الأصلية، بسبب حرق بيوتهم الأصلية وهروبهم من بلادهم من دون أي من المستندات الخاصة بهم.
ومع تزايد أعداد البرماويين في السعودية، سارعت السلطات -خاصةً في مكة المكرمة- إلى إطلاق مشروع لتصحيح أوضاعهم القانونية، بهدف منحهم إقامات نظامية، وتوفير سكن ملائم لهم، ومنحهم فرصاً للتعليم والتدريب للعمل، وتقديم خدمات صحية مناسبة لهم.
ويأتي مشرع تصحيح أوضاع الجالية “البرماوية” الذي انطلق في 2014، كأحد مكونات مشروع تطوير الأحياء العشوائية في منطقة مكة المكرمة، ونتج عنه تصحيح أوضاع 270 ألف برماوي في مختلف مناطق المملكة، وفقاً لأرقام رسمية.
وشكلت المملكة لجنة من عدة قطاعات لهذه الجالية، حيث تم إنشاء موقع متخصص لاستقبال وإنهاء إجراءات أبنائها، وصدرت أول إقامات نظامية قبل 2015، مع تحمُّل المملكة رسوم الإقامات لنحو 270 ألف برماوي.
وحظي المشروع السعودي بإشادة الأمم المتحدة، حيث أكدت حينها، أن التجربة السعودية في تصحيح أوضاع الجالية “البرماوية” تعد رائدة ويمكن الاستفادة منها وتعميمها على الدول الأخرى.
وعملت إمارة مكة على تحصين أكثر من 83 ألف مستفيد ميانماري ضد الأمراض الوبائية المعدية (الدرن، والحمى الشوكية، والكزاز، والإنفلونزا الموسمية)، وعلاج الحالات المصابة بالكبد الوبائي (B ,C) والبالغة (2257) حالة، حيث قدَّرت وزارة الصحة التكلفة الإجمالية للخدمات الطبية والوقائية والعلاجية المقدمة لأبناء الجالية بما يقارب 782 مليون ريال (208 ملايين دولار).
كما استوعبت وزارة التربية والتعليم السعودية طلاب وطالبات المراحل الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية من أبناء هذه الجالية، في المدارس الحكومية بعدد إجمالي 62.650 ألف طالب وطالبة، إضافة إلى المِنح الدراسية الجامعية المقدمة للطلبة المتفوقين، والتي بلغت 1307 مِنحٍ دراسية.
وانخرط أبناء الجالية البرماوية داخل المجتمع السعودي بشكل سريع، وأصبح كثير من أبنائهم أئمة للمساجد في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكان من بينهم الشيخ محمد أيوب الذي عمِل لسنوات إماماً للمسجد النبوي.
وقُدِّر عدد الأئمة البرماويين الرسميين والخريجين من جمعيات تحفيظ القرآن الكريم المعتمدة بمكة المكرمة، بنحو 3000 حافظ، وفقاً للأمين العام للجالية البرماوية بالسعودية عبدالله سلامة معروف.
مطالبات بالترحيل وردود رافضة
في الفترة الأخيرة، خرجت بعض الأصوات في السعودية تطالب السلطات بترحيل أبناء الجالية “البرماوية”، مع إطلاق وسم (هاشتاغ) “رحيل البرماوية مطلب”، واتهامهم بإثارة المشاكل، إضافة إلى زيادة أعدادهم بشكل كبير.
الكاتب الصحفي السعودي، سعيد الفوزان، أثار الجدل حين كتب في تغريدة نشرها على حسابه بـ”تويتر”: إن “رحيل البرماوية ليس فقط مطلباً؛ بل رميهم بالبحر هو المطلب”.
وقال الفوزان: “للأسف احترمناهم وقدَّرناهم، واليوم جعلوا مكة تعجُّ بعصاباتهم، هؤلاء لا يستحقون الاحترام، مع احترامي للأمهات والأطفال منهم، لأنهم بغنىً عما يجري من جرائم البرماوية في مملكتنا الغالية”.
الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي، الأكاديمي ورئيس وحدة التوعية الفكرية بجامعة “أم القرى” في مكة المكرمة، يؤكد أن التغريدات المنتشرة والمطالِبة بترحيل جالية “البرماوية” من السعودية تُصوِّر المملكة كدولة “هشة” لا تدري ماذا يدور بها حتى إنها تفاجأ بـ”مشروع استيطاني”.
وتوجد أخطاء لدى المملكة، وفق مقال نشره السعيدي على موقعه الإلكتروني، منذ أربعين عاماً، في معالجة قضايا الوافدين المتخلفين، استمرت في تراكمها حتى شَكَّلت مشكلة تحتاج في حلها جهوداً يشترك في إنجازها الفكر النظامي والشرعي والعمراني، “لكنها لا تحتاج أبداً الفكر الغوغائي والعنصري ومثيري الأحقاد والكراهية”، حسب وصفه.
وتعرف المملكة، كما يؤكد السعيدي، وضع الجالية البرماوية وعددهم وجميع أمورهم، حيث يوجد لديهم ممثل ومكتب يُراجع إمارة منطقة مكة المكرمة، والأمن يعلم كل أمور الجالية صغيرها وكبيرها.
وتتعاون الجالية بشكل كامل مع الدولة، كما يبيّن السعيدي، وعند إزالة بيوتهم في أحد أحياء مكة المكرمة، تعاونوا مع هيئة التطوير، ولم يكن هناك أي اضطراب، ولم يخرج أحد من أبناء “البرماوية” ليتحدث بسوء عن المملكة في الإعلام.
وعن تكذيب البعض ما يحدث لمسلمي بورما، فيصف الأكاديمي السعودي ذلك بـ”الطامة، وتكذيب لدول كبرى على رأسها السعودية، التي أدانت التطهير العرقي بحق الروهينغيا، وطالبت مراراً وتكراراً بردِّ حقوقهم المسلوبة، بل عقدت قمة إسلامية بجوار الحرم؛ لوقف هذه الانتهاكات وإدانتها في عام 2013″.