إقالة إسبر !! و انقلاب لا سابق له في تاريخ أميركا
بدأ الرئيس الأميركي المنتخب جوزف بايدن يومه الأول في أسبوعه الأول بعد انتخابه، بالإعلان عن تشكيل فريق من الخبراء والاختصاصيين في مكافحة الأوبئة لوضع خطة عمل لمواجهة “الشتاء الداكن” الذي يمثله الازدياد الكبير في عدد الإصابات بفيروس كورونا، والذي يفوق 110 آلاف إصابة في اليوم، ويحصد حوالى ألف أميركي يومياً.
من جهته، بدأ دونالد ترامب يومه الأول في أسبوعه الأول كرئيس مهزوم، بتصفية حساباته مع المسؤولين الذين عينهم في حكومته، لأنهم لم يخدموه في شكل مطلق أو لم يظهروا له الولاء الأعمى. وسارع ترامب الى إقالة وزير الدفاع مارك أسبر، المتحدر من عائلة لبنانية بطريقة مهينة، وذلك في تغريدة على شبكة “تويتر” أعلن فيها عن تعيين مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب كريستوفر ميلر، وزيراً للدفاع، خلفاً لأسبر “الذي تمت إقالته”.
إقالة أسبر لم تكن مفاجئة لأن ترامب لمّح إليها قبل الانتخابات. وتدهورت العلاقات بين الرئيس ووزير دفاعه في أعقاب إعلان أسبر عن تحفظه على نشر القوات المسلحة لقمع التظاهرات الاحتجاجية أمام البيت الأبيض في الصيف الماضي، ومعارضته إعلان العمل “بقانون العصيان” الذي يسمح بنشر القوات المسلحة داخل البلاد لمواجهة أي عصيان مسلح.
وتتوقع الأوساط السياسية وتلك المعنية بالأجهزة الأمنية والاستخباراتية أن تكون إقالة أسبر بداية انقلاب يشنه ترامب ضد قادة هذه الأجهزة، بمن فيهم مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) كريستوفر راي الذي ناقض ادّعاءات ترامب علناً ولأكثر من مرة حول تزوير الانتخابات، والذي أكد في شهادات في الكونغرس أن الجماعات اليمينية البيضاء المتطرفة هي مصدر الخطر الأساسي على الأمن الداخلي. وكان ترامب قد قال لأنصاره خلال مهرجان انتخابي انه سيتخلص من راي بعد الانتخابات. ومن المتوقع أن تشمل تصفيات ترامب مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) جينا هاسبل لأنها كانت تعارض الكشف عن وثائق سرية حول التحقيقات بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية في 2016، ووثائق التحقيقات التي قامت بها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بهذا الشأن، والتي يعتبرها ترامب وعدد من مساعديه دليلاً على رغبة “الدولة العميقة” بالعمل ضده. واذا اقال ترامب هذين المسؤولين الأمنيين بعد وزير الدفاع، فإنه يكون بذلك قد قطع رأس الجهاز الأمني الأميركي، قبل 71 يوماً من انتهاء ولايته، وهو أمر لم يحدث في تاريخ الرئاسة الأميركية.
تزامنت هذه التطورات مع إعلان شركة “فايزر” للأدوية عن تطويرها لقاحاً فعّالاً لفيروس كورونا بنسبة 90 في المئة. وسارع الخبراء في مكافحة الأوبئة إلى الترحيب بهذا التطور، الأمر الذي ساهم في ارتفاع كبير في الأسواق المالية في وول ستريت، في نيويورك. ولكن الفيروس لن يتوافر قبل الربيع المقبل بعد الانتهاء من عملية اختباره التي تستغرق بضعة أشهر. ورحب الرئيس المنتخب بهذا الإعلان، وكرر مناشداته للشعب الأميركي اتخاذ الإجراءات الوقائية من الوباء وتحديداً ارتداء الأقنعة الواقية، ومؤكداً أن وضع القناع ليس موقفاً سياسياً، ومغتنماً المناسبة لانتقاد الرئيس ترامب وقادة الحزب الجمهوري الذين يواصلون رفض الاعتراف بفوزه بالانتخابات قائلاً: “لقد انتهت الانتخابات”.
وفي تطور سوف يزيد من تفاقم الأزمة الانتخابية، أعلن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونال ان الرئيس ترامب “محق مئة في المئة” باللجوء الى المحاكم للتأكد من صحتها او المطالبة بإعادة فرز الأصوات. ومع أن ماكونال لم يكرر ادّعاءات ترامب التي لا أساس لها من أن خسارته الانتخابات هي بسبب التزوير، إلا أنه كرر القول إنه يؤيد حق الرئيس بالمطالبة بالتحقيق بكل الادعاءات التي تتحدث عن انتهاكات. ويعني موقف ماكونال أن الأصوات الجمهورية في مجلس الشيوخ التي ستعترف بالنتائج سوف تكون محدودة جداً، ما يعني إطالة الأزمة على الأقل لبضعة أسابيع، على الرغم من أن معظم الدعاوى والشكاوى التي رفعتها حملة ترامب قد رفضتها المحاكم لأن حملة ترامب أخفقت في تقديم أي أدلة دامغة في هذا الشأن.
ولا تزال تصدر عن المسؤولين في البيت الأبيض مواقف متضاربة حول ما سيقوم به الرئيس ترامب خلال الأسابيع العشرة المتبقية له في السلطة. بعض التسريبات تقول إن المسؤولين الذين يريدون أن يعترف ترامب بخسارته، يحاولون إقناعه بالترشح للرئاسة مرة أخرى في 2024، بينما توحي تسريبات أخرى أن ترامب مصمم على مواصلة حملته القانونية والإعلامية لتقويض فرص تنصيب بايدن من خلال التشكيك بشرعية الانتخابات. ولوحظ أن معظم القادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، وقفوا وراء ترامب وشجعوه على التمادي في تحدياته لنتائج الانتخابات. وهناك مخاوف في أوساط هؤلاء من أن يؤدي أي انتقاد ولو كان بسيطاً الى إغضاب ترامب الذي لن يتورع عن استخدام شعبيته القوية في أوساط الناخبين الجمهوريين ضد كل من يتحداه أو لا يدعمه بولاء قوي.
وكشفت نتائج الانتخابات حتى الآن أن ترامب حصل في انتخابات 2020 على ثمانية ملايين ناخب أكثر من الذين حصل عليهم في 2016، حين صوت له سبعين مليون أميركي، وهو أعلى رقم يحصل عليه مرشح رئاسي في تاريخ الانتخابات الأميركية بعد الرقم الذي حصل عليه الرئيس المنتخب بايدن (75 مليون ناخب). هذا الدعم القوي والواسع من القاعدة الجمهورية سوف يحفظ نفوذ ترامب في الحزب الجمهوري على الأقل في المستقبل المنظور، ما يعني انه سيكون قادراً، حتى خارج البيت الأبيض في التأثير على مواقف وخيارات الجمهوريين داخل الكونغرس.
وفي مؤشر آخر بأن الرئيس ترامب سوف يستخدم أجهزة الدولة لمساعدته في تغيير نتائج الانتخابات، طلب وزير العدل وليام بار من المدّعين العامين في الوزارة التحقيق باتهامات محددة بشأن حالات تزوير للانتخابات، حتى قبل أن تصادق عليها سلطات الولايات. هذا القرار الذي يعني التدخل بعمل سلطات الولايات دفع بمدير قسم مكافحة الجرائم الانتخابية في وزارة العدل ريتشارد بيلغر لتقديم استقالته احتجاجاً على قرار الوزير بار.
وفي هذا السياق، أمر البيت الأبيض يوم الاثنين قادة مختلف الأجهزة الحكومية بوقف التعاون مع الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب، وذلك في تصعيد جديد ضد عملية نقل السلطات، الأمر الذي سيدفع بفريق الرئيس المنتخب للجوء الى القضاء. وأي تأخير يستمر لأسابيع في عمل الفريق الانتقالي، ستكون له مضاعفات سلبية على قدرة الرئيس المنتخب وفريقه على البدء بتحمل مسؤولياتهم في شكل فعّال بعد تنصيب بايدن.