الليرة التركية وارتفاعها بعد سلسلة من الانتكاسات.. ما الأسباب والتوقعات
بعد سنوات من التراجع الكبير في قيمة الليرة التركية وارتفاع معدلات التضخم وتراجع معدلات النمو، أعادت التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتغييرات، التي طالت وزارة المالية والبنك المركزي، الثقة إلى المستثمرين والأسواق التركية بعدما تأثر الاقتصاد بمجموعة من المتغيرات السياسية والأمنية الداخلية والخارجية.
وكان الدولار واليورو قد سجلا أرقاما قياسية خلال الأيام القليلة الماضية، إذ وصل الأول عند حدود 8.5 ليرات، في حين ارتفع اليورو إلى 9.99 ليرات.
وعاد سعر الليرة إلى الارتفاع أمام الدولار بشكل ملحوظ عقب القرارات الأخيرة وتصريحات أردوغان التي وصف بأنها تصالحية، حيث وصل إلى 7.66 ليرات مساء اليوم الخميس.
وأكد الرئيس -في خطاب ألقاه أمس- أن السياسة الاقتصادية الجديدة تمنح فرصا كبيرة للمستثمرين الأجانب، من خلال الاستناد إلى 3 ركائز أساسية: استقرار الأسعار، والاستقرار المالي، واستقرار الاقتصاد الكلي.
وأعلن أن حكومته ستطلق حملة جديدة تركز على الاستقرار والنمو والتوظيف، إدراكا منها أن الدولة ذات الاقتصاد الضعيف لا يمكنها الحفاظ على مكتسباتها في مجالات أخرى، مشيرا إلى تراجع مؤشر مبادلة مخاطر الائتمان في البلاد بمقدار 50 نقطة أساس لتبلغ 478.
وقال أردوغان “نسعى جاهدين لتخفيض نسب التضخم إلى ما دون 10%، والحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين” موضحا أن انتعاش الليرة مؤشر على أن تركيا في الطريق الصحيح.
وتطبيقا لتصريحاته، أجرى الرئيس اليوم في العاصمة أنقرة اجتماعا مغلقا مع أعضاء مجلس إدارة “جمعية المستثمرين الدوليين” (YASED).
وقد واجهت تركيا أزمة اقتصادية ونقدية قاسية منذ عام 2018، لا تزال مستمرة حتى اليوم، حيث تراجعت الليرة إلى 6.90 أمام الدولار نهاية العام نفسه، ثم ارتفع سعر صرفها إلى 5.85 ليرات مع نهاية 2019، ثم ما لبثت أن عادت للهبوط هذا العام إلى أن وصلت نحو 8.50، ثم بدأت باستعادة عافيتها حيث نزلت تحت حاجز 8 ليرات مقابل الدولار.
ويرى اقتصاديون أن الرحيل المفاجئ لوزير المالية ورئيس البنك المركزي -وهما أكبر اثنين من صانعي السياسات الاقتصادية- يمهد الطريق لرفع أسعار الفائدة وإجراءات أخرى لتقوية الليرة.
وكان محافظ المصرف المركزي الجديد، ناجي آغبال، قد أكد في أول بيان له مواصلة استخدام جميع أدوات السياسة النقدية تماشيا مع الهدف الرئيسي لاستقرار الأسعار.
وقال “الأهداف الرئيسية للبنك المركزي ضمان استقرار الأسعار، وتماشيا مع الهدف الرئيسي سنستخدم جميع أدوات السياسة بشكل حاسم” مؤكدا في الوقت نفسه تعزيز الاتصال بالسياسة النقدية في إطار مبادئ الشفافية والمساءلة والقدرة على التنبؤ.
وفي أول تصريح لوزير المالية الجديد لطفي ألفان، وعد بتنفيذ تغييرات تتماشى مع رغبات السوق وتحسين بيئة الاستثمار أمام المستثمرين الدوليين والمحليين، مع استخدام كل الأدوات للتصدي للتضخم.
وقال ألفان: تعزيز المؤسسات مهم، سيجري الحفاظ على الانضباط المالي من خلال إدارة واقعية للمخاطر، مضيفا “الفترة المقبلة ستكون للتعافي، حيث ستتراجع تأثيرات الجائحة وتتشكل فرص جديدة”.
وفي السياق، ذكر خالد شبيب أستاذ الاقتصاد بجامعة رشد إسطنبول للجزيرة نت أن التغيير المزدوج الذي حصل بوزارة المالية والبنك المركزي على السواء أعطى رسالة إيجابية للسوق، مما أدى إلى رفع قيمة الليرة في ظل استمرار الحديث عن اكتشافات الغاز والنفط بالبحر الأسود.
ونبّه إلى أن الإقبال على الليرة ربما يكون عملية مضاربة وغير استثمارية أي على سعر العملة فقط، والقصد منها امتصاص الليرة بهذا السعر المنخفض “لذلك لا نعول على التغييرات قصيرة المدى في سعر العملة من منظور الاستثمار”.
ويعتقد شبيب -وهو مستشار في المجلس العام للبنوك الإسلامية- أن الرئيس أردوغان يرغب في فتح علاقات أكثر استقرارا مع المستثمرين الأجانب الإستراتيجيين الذين يدخلون لإنشاء وتوسيع مشروعات واعدة لتركيا.
ويرى أن الحل يكمن في تحرك وزارتي الاقتصاد والمالية وكذلك البنك المركزي، مع إدارة الاستثمار الأجنبي بشكل متزامن، في خطة على مدى متوسط، مع وعي تام بضرورة سد الطرق على المضاربات السلبية، وإصدار تشريعات قانونية سهلة وغير معقدة، لأنها تعطي طمأنينة أكثر، لجذب الاستثمار الأجنبي.
من جهته، أكد محمد إبراهيم الباحث بجامعة إيجة في أزمير أن الليرة أصبحت الأفضل أداء من بين عملات الأسواق الناشئة منذ يوم الجمعة، حيث استعادت حوالي 9% من قيمتها، لافتا إلى صعوبة التنبؤ باتجاه الليرة حاليا. ولكن الاتجاه مازال قابلا للتعافي، وأي تخييب لآمال السوق سيأتي بهجمة مرتدة. متسائلا: هل يتمكن المحافظ الجديد للمركزي من إحداث التغيير أو ستكون هناك انتكاسة لآمال السوق من جديد؟
وفسّر حديث الرئيس بالأمس عن البدء بتحمل سياسات علاجية صعبة بأنه سيعطي الضوء الأخضر لرفع معدل الفائدة خلال الفترة المقبلة، بالإضافة لاتباع سياسات تقشفية سواء مالية أو نقدية.
وقال إبراهيم للجزيرة نت إن دعم سعر الصرف، من خلال ضخ العملات الأجنبية، أصبح تأثيره محدودا للغاية على عكس رفع معدل الفائدة، فضلا عن أن ضخ الدولارات كلف المركزي المليارات من العملات الصعبة.
وختم الباحث بالتشديد على أن المعركة الاقتصادية تبدو أصعب من المعارك السياسية لبلد مثل تركيا.