أيها اللبنانيون: هذا مصير ودائعكم في المصارف!
تخيل أن “تستيقظ” في يوم من الأيام، لتكتشف أن حسابك المصرفي تبخّرَ، ولم يعد بإمكانك الوصول إلى أموالك. تخيّل أن يختفي جنى عمرك بسبب سوء إدارة مصارفك وحكامك، وتذهب لتقف لساعات أمام المصرف لتسترجع ما هو حق لك ولكن من دون جدوى. هل هذا الوضع مجرد كابوس؟
كلا، هذا الوضع ليس كابوساً استفقت منه لتستنتج أن الواقع عكس ذلك. هذا الوضع، وللأسف، أصبح من صلب واقع المواطن اللبناني وانصهر به إلى حد التأقلم.
اختفت الودائع واختفى معها أمل اللبناني بإستعادتها، إلاّ أن الخبير المالي والاقتصادي والباحث في جامعة هارفرد دان قزي وفي حديث لـ “ليبانون فايلز”، يرى أن ما من طريقة للخروج من هذه الأزمة واستعادة المواطنين لودائعهم إلا من خلال تطبيق الـ Bail-in.
ما هو الـ Bail-in وهل يُطبّق؟
جرت العادة أن يطالب المصرف الدائن بالأموال، وإن تعذر على الأخير دفعها يستولي المصرف على ممتلكاته حسب قيمة القرض، أما اليوم فستنقلب المقاييس.
ويقول قزي: في العام 2013، وفي خطوة منها لمعالجة الأزمة الإقتصادية والمصرفية، طبقت قبرص الـ Bail-in، فتم قصّ نسبة من الودائع التي تتخطى الـ 100 ألف يورو وحصل مودعوها على أسهمٍ في المقابل.
إذاً الـ Bail-in هي استبدال ما يملك المودع من أموال بأسهم في المصرف، فيصبح شريكاً فيه ما سيؤدي إلى تغيير إدارة المصارف.
ويرى قزي أن ما من طريقة للخروج من هذه الأزمة إلا من خلال تطبيق الـ Bail-in، وهو سيطبق عاجلاً أم آجلاً، فالأكيد أن المودع اللبناني لن يتقبل خسارته لأمواله، وبهذه الطريقة يكون قد أخذ حقه من المصرف.
وأضاف قائلاً: في حال تطبيق الـ Bail-in فالخسائر سيُمنى بها أصحاب الودائع الكبيرة، أما المودعين الصغار فلن يخسروا أي دولار.
وفي الإطار نفسه، أكد قزي على أن لبنان لن يحصل على دولار واحد من الخارج بهدف تغطية الخسائر إن لم يطبق الـ Bail-in. “فأي بلد أو صندوق سيقدم أموالاً “ببلاش”؟
وشدد قزي على أن تطبيق الـ Bail-in وحده لن يكون كافياً، فالأهم اليوم إعادة الحوكمة وضرورة وضع مجالس إدارة مستقلة للمصارف يعيد “ثقة” المودع بالمصرف، ويردع مديري المصارف عن التصرف بحرية ووفقاً لمصلحتهم الشخصية.
كل مشكلة وإلها حل
فالمشكلة في الأساس بدأت بالحوكمة السيئة في المصارف، وولّدت هذا “التخبيص” بحسب قول قزي، فما من أحد يعرف حجم الخسائر. ويقول: لو لم يكن مدير هذا المصرف المعين “ديكتاتوراً وغبياً”، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. فكيف ديّنت المصارف 75% من الودائع لمصرف لبنان و10% منها للدولة؟ فهل تعلمون أن مصرف لبنان يملك 75 سنتاً من كل 1$ في المصارف؟
بالنسبة لقزي، إن المآسي الإقتصادية تولد قوانين جديدة، وهذا أول ما يجب أن يحصل على صعيد لبنان. ومثال على ذلك ما حصل في الولايات المتحدة في العام 1934. فبعد “الإنهيار الكبير” الذي منيت به البلاد في العام 1929، تم إنشاء ما يسمى بالـFederal Deposit Insurance Corporation أو “شركة تأمين الودائع الفيدرالية”. وهدفها إستعادة الثقة في النظام المصرفي الأميركي. وتعمل هذه الشركة على تأمين ضمان يصل إلى 250000$ لكل وديعة.
إذاً، ما من مهرب لتطبيق الـ Bail-in، فالبلد واقف على “صوص ونقطة” والإستمرار في التأجيل لن يؤدي إلاّ إلى ظهور المزيد من العراقيل. فإن كان الهدف إنقاذ ما تبقى، لم يعد أمامنا إلا الإسراع وإلاّ فالبلد متجه ليس فقط إلى المجهول… بل إلى الزوال.