خط النفط في لبنان .. والمطار مهدّد
لم يكن تفجير أنبوب النفط في العبدة قبل أيام، مسألة بسيطة أو عابرة. وبمعزل عن الغوص في التفاصيل والاحتمالات الكثيرة، وعن الكلام حول استخدام هذا الأنبوب لتهريب النفط المدعوم إلى سوريا، يقود وضع الحادثة في سياقها السياسي – وما يتعرض له لبنان من تحولات منذ ما قبل تفجير مرفأ بيروت وبعده – إلى خلاصة واحدة: الشرايين التي تربط لبنان بالخارج يجري ضربها أو تقطيعها,
محطات الحصار
وما يجري في لبنان ينغمس أكثر فأكثر في انعكاسات الصراع على معابر النفط والغاز في المنطقة. وهذا قد يؤدي – على وقع التحولات الاستراتيجية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط – إلى تغير جوهري في أساس وجود البلد الصغير ودوره التاريخي.
أتى تفجير أنبوب النفط في العبدة، بعد تفجير مرفأ بيروت، الذي أدى إلى تغيير جذري في طبيعة العاصمة ولبنان. عند حدوثه قال الرئيس نبيه بري إن ما يجري مخطط ومدبر، وهدفه قطع أي تواصل للبنان مع الخارج. وخصوصاً، بعد قانون قيصر الذي منع لبنان من استخدام الجغرافيا السورية للتنفس، وبعد ضغوط سياسية أدت إلى إجهاض محاولة التوجه شرقاً، وبعد حادثة طائرة ماهان الإيرانية، التي اعترضتها طائرة أميركية في الأجواء السورية. وكانت الحاثة الأخيرة رسالة أميركية مباشرة بأن الخط المفتوح مباشرة بين مطارات إيران ومطار بيروت لم يعد آمناً. وكذلك حال الخط البرّي الذي يصل لبنان بإيران عبر سوريا والعراق. وقد تعرضت سابقاً قوافل الدعم العسكري والمالي من طهران إلى بيروت لقصف إسرائيلي داخل الأراضي السورية، وصارت المعابر البرّية خاضعة لمراقبة عسكرية أميركية وإسرائيلية.
في المتاهة الدولية
أسباب كثيرة قد تكون خلف تفجير أنبوب النفط في العبدة، وليس التهريب وحده. وقد يكون الأهم العودة بالذاكرة لسنتين فائتتين، عندما وقعت شركة روسنفت الروسية عقد إصلاح خزانات النفط في طرابلس. وهذا أثار انزعاجاً أميركياً، كالانزعاج من مشاركة شركة نوفاتيك في عمليات التنقيب عن النفط في البلوكات البحرية الجنوبية. وقد يرتبط تفجير الأنبوب مجدداً بقطع طريق السيطرة الروسية المنفردة على أنبوب النفط وخزانات النفط في الشمال اللبناني، ليكون ذلك خاضعاً لمعيار تفاهم روسي أميركي.
وهنا تتداخل عوامل وأدوار كثيرة: تركيا، روسيا، الولايات المتحدة الأميركية، والنظام السوري. ولا بد من التذكير بسيناريو جهنمي طرح ذات فترة في العام 2014: مخطط لدى تنظيم داعش للوصول من عرسال إلى البحر الأبيض المتوسط، عبر الشمال وعكار. طبعاً كان ذلك ضمن سياقات التخويف، والتي تنطوي على مشاريع استراتيجية لبعض القوى التي استخدمت فزاعة داعش لتنفيذ مخططات عسكرية وسياسية ذات أبعاد استراتيجية في لبنان.
ومتى المطار؟
وتفجير الأنبوب، بعد تفجير المرفأ، إلى أن حصار لبنان يتزداد في المرحلة المقبلة، وفي سياق ضغوط دولية أميركية وإسرائيلية ممنهجة.
ومن محطات هذه الضغوط، إثارة ما يجري في مطار رفيق الحريري ببيروت، بعدما أصبح -في المفهوم الأميركي والإسرائيلي- خلية نحل تابعة لحزب الله، الذي يحكم سيطرته الكاملة عليه.
وهذا لا بد أن تكون انعكاساته السياسية والاقتصادية قوية ومدمرة. وقد يُدخِل لبنان في حصار جوّي، بعد الحصار البري والبحري. وقد يدفع الضغط شركات طائرات دولية إلى وقف رحلاتها إلى لبنان، أو وقف رحلات طائرات الشحن في الحد الأدنى. وهذا يطبق الحصار الكامل على البلاد: عدم إدخال بضائع وعدم تصدير ما يمكن تصديره. الملفات اللبنانية كلها مترابطة إذاً، ولا يمكن فصل المسار السياسي عن المسار الاقتصادي.