“ثغرة النور”.. كيف أصبحت عُمان بوابة اليمنيين إلى العالم؟
ترتبط عُمان بعلاقات تاريخية قديمة مع اليمن، وتبلغ الحدود المشتركة بين البلدين قرابة 288 كيلومتراً، واستقطبت اهتمام اليمنيين لما قدمته من بعض الخدمات لهم.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن عملت سلطنة عُمان على الحياد في تعاملها مع الملف اليمني، وبقيت حدودها مفتوحة لليمنيين حتى اليوم.
خلال سنوات الحرب الخمس الماضية شهد اليمن حصاراً خانقاً، وهو ما حرم كثيراً من اليمنيين من السفر للخارج، لتدخل عُمان بوقت مبكر فاتحة حدودها لمئات الآلاف منهم، بعد توقف المعابر البرية مع السعودية عن منح تأشيرات الدخول إلى أراضيها.
معاناة اليمنيين
وضعت الحرب في اليمن سكان اليمن أمام صعوبات ومعاناة لم يعرفوها من قبل، وأصبح السفر إلى الخارج حلماً يراود اليمنيين، ومعاناة شاقة دفعت الكثير إلى دفع تكاليف باهظة للقيام به.
ومنذ بداية الحرب، في مارس 2015، كان الآلاف يتكدسون في منافذ السعودية للفرار إليها، ولاقوا معاناة كبيرة وإذلالاً ممنهجاً، قبل أن تسمح الرياض للكثير منهم بالمرور للسفر إلى خارج بلادهم.
وبعد أشهر من اندلاع الحرب أغلقت السعودية معابرها الحدودية، واكتفت بمنفذ “الوديعة”، ثم منعت عقب ذلك دخول غير الحاملين لتأشيرات “زيارة حكومية”، وهي مخصصة للشخصيات الاجتماعية والسياسية والعسكرية، فيما لم يجد المواطنون العاديون طريقاً لعبور الأراضي السعودية، فلجؤوا إلى عمان.
وسارعت سلطنة عُمان إلى فتح حدودها بشكل جزئي لليمنيين الراغبين بالسفر إلى الخارج عبر أراضيها، قبل أن تفتح أبوابها بشكل كلي عبر منفذي “صيرفت، وشحن”.
اهتمام رسمي
بين الحين والآخر كانت عُمان عبر سلطاتها الرسمية تؤكد استمرارها في فتح حدودها لليمنيين؛ ففي نوفمبر 2017، قال وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي، في مقابلة مع قناة “فرانس 24” الإخبارية، إن السلطنة “تفتح الحدود لكل اليمنيين للسفر إلى دول أخرى، والرجوع إلى اليمن”.
وأضاف يومها: “عُمان تسعى مع الأشقاء في اليمن، ومع غيرهم، من أجل الوصول إلى حل الخلافات، ولذلك فنحن نعمل على توفير كل متطلبات اليمنيين، بما فيها فتح الحدود لهم من أجل تقليل معاناتهم”.
وتبقي سلطنة عُمان حدودها مفتوحة، وتوفر للمحتاجين العلاج الطبي والغذاء والدعم المالي في أغلب الأحيان، كما أنها ساهمت في نقل المئات من جرحى الحرب من داخل اليمن إلى أراضيها، ومن ثم نقلهم إلى دول أخرى بتكاليف خاصة منها.
وحاز الطلاب أيضاً كثيراً من الاهتمام لدى الجانب العُماني، ويقول الطالب اليمني ياسر المريسي، الذي سافر عام 2018 من اليمن إلى تركيا عبر سلطنة عُمان: إن “العمانيين ينظرون إلى اليمنيين كبشر ولا يتكبرون عليهم”.
وأضاف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “نود أن نشكر السلطنة وقيادتها على ما قامت وتقوم به، لقد شعرنا بمدى اهتمامهم من أول جندي وجدناه بالمنفذ والضباط هناك، مروراً بداخل السلطنة وفي المطار أثناء مغادرتنا للبلاد”.
وتُمنح التأشيرات عبر شخصيات حكومية يمنية وقبلية ومشايخ، وعبر شركات ومكاتب تجارية، إضافة إلى السفارة اليمنية في مسقط، قبل أن تجري السلطنة تغييرات حديثة.
شريان يتنفس اليمنيين منه
بدوره يصف الناشط السياسي أمين المقرمي، عُمان بأنها “الشريان الذي يتنفس منه اليمنيون”.
ويقول في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “أصبحت السلطنة ثغرة النور التي تتلمس بها شرائح الشعب اليمني حبل الحياة، وهذا يجسد ما لمسه الكثير على أرض الواقع”.
ويضيف: “الحصار المفروض والوضع الخانق زاد من وطأة المعاناة والتعقيدات الجارية في أغلب منافذ اليمن والمطارين الوحيدين المتاحين للسفر إلى الخارج، وهو ما جعل منافذ السلطنة ثغرة النور إلى الخارج”.
وتابع: “كثيراً ما سمعنا ممن سافروا عبر السلطنة عن المعاملة الطيبة والخدمات التسهيلية الكبيرة التي قدمت لهم، وتذليل الكثير من العقبات التي حالت بين اليمنيين وبين مستقبلهم؛ من الدراسة والابتعاث، أو العيش بصحة جيدة والعلاج في الخارج، أو التبادل التجاري، أو غيرها من الحالات العديدة”.
ويؤكد أنه “لولا البعد الجغرافي بين الحدود العُمانية اليمنية والمحافظات اليمنية الكثيفة بالسكان لكان عدد المسافرين عبر السلطنة أكثر مما قد يتخيله أي شخص”.
ورأى أن السلطنة “أثبتت معنى أنها دولة جارة لليمنيين، بعكس السعودية التي تضع قيوداً كثيرة، ولا تسمح لأحد بالدخول إليها إلا عبر تأشيرات بالغة الصعوبة”.
جهود كبيرة
يقول الصحفي والمحلل السياسي العماني عوض بن سعيد قوير، إنه منذ اندلاع الحرب تبذل سلطنة عمان جهوداً إنسانية وسياسة كبيرة ومتواصلة بهدف وقف تلك الحرب الكارثية، وثانياً مساعدة اليمنيين من خلال المساعدات الإنسانية واللوجستية.
وأكد أن تلك المساعدات تمثلت في “فتح الحدود، وأيضاً تسيير رحلات جوية لنقل الجرحى والعالقين، كان آخرها عملية نقل الطلاب اليمنيين العالقين في مدينة ووهان الصينية التي تعاني من فيروس كورونا القاتل”.
وأشار في حديثه لـ”الخليج أونلاين” إلى أن عُمان عملت على مد جسر جوي من السلطنة لتأمين المساعدات لليمنيين في أرخبيل سقطرى بسبب الفيضانات الأخيرة.
وأوضح أن “الواجب الإنساني والجوار مع اليمن الشقيق حتم على القيادة العُمانية مد يد العون للأشقاء في اليمن في ظل تصاعد الحرب”، مؤكداً أن بلاده تتعامل مع الشعب اليمني “دون تفرقة، فهي تتعامل مع الإنسان الذي يعاني الأمرّين من كل المحافظات الشمالية أو الجنوبية”.
ولفت إلى أن الجهد السياسي العُماني “متواصل من خلال التنسيق الوثيق مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث، والفرقاء في اليمن، وحتى مع دول التحالف، خاصة السعودية، من خلال الاجتماعات في مسقط بهدف إيجاد آلية سياسية لوقف الحرب المدمرة”.
وأكد أن قيادة السلطنة “عازمة من خلال ثوابتها والتزامها الأخلاقي والوطني على مواصلة تلك الجهود الإنسانية والسياسية لمصلحة الشعب اليمني والحرص على اليمن موحداً”.
المهرة بوابة اليمنيين.. وأرقام مهولة
وباتت محافظة المهرة شرقي اليمن بوابة العبور لليمنيين إلى دول العالم، بعد توقف حركة الطيران المدني، بعدما أجبر مئات الآلاف من اليمنيين لأسباب مختلفة على مغادرة البلاد أو العودة إليها.
ورغم أن المهرة كانت بعيدة عن الصراع بين الحكومة اليمنية والحوثيين فإنها أصبحت مؤخراً محطة صراع بين التحالف السعودي الإماراتي وسلطنة عمان.
وبلغ إجمالي المسافرين من اليمنيين خلال الأعوام الماضية أكثر من مليون مساف عبر منفذ شحن الدولي الحدودي مع سلطنة عمان، موزعين بين مسافرين وطلبة ورجال مال وأعمال.
ونقل موقع “مأرب برس” المحلي اليمني عن صادق العنتري، الوكيل لشركة “بن عجيم” العالمية للسفريات والسياحة الموكلة بمنح التأشيرات، أن الجانب العماني قد كلف شركة “بن عجيم” لتولي عملية ترتيب وتنظيم عملية المرور وانتقال المسافرين إلى الأراضي العمانية وإلى المطارات.
وأشار في تصريح نشر في ديسمبر 2019، إلى أن تلك الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطنة “ستخفف العبء عن المواطنين اليمنيين وتكاليف الانتظار”.
ولفت إلى أن تأشيرة العبور “نوعان؛ تأشيرة مرور بمدة أقصاها خمسة أيام، وتأشيرة سياحة ومدتها شهر”.
وأكد أنه خلال الأعوام السابقة كان الجانب العماني يقدم التأشيرات مجانية عبر كشوفات تصدر من مكتب ديوان السلطان العماني حتى ديسمبر من 2019، قبل أن يقوم الجانب العماني بتغيير تأشيرة العبور إلى فيز ورقية تصدر من الأمن العماني نتيجة بعض المخالفات.