كارين رزق الله: الأزمات التي مررنا بها أفقدتني قدرتي على الكتابة
قالت الممثلة كارين رزق الله أن التجربة التي خاضتها في مسلسل «350 غرام» أسهمت في تجددها كممثلة. وتتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يشعر الممثل دائما أنه بحاجة إلى التجدد أن في دور أو نص أو فريق عمل. وهو ما حققته في المسلسل الرمضاني «350 غرام» الذي سيعرض في الموسم المقبل. فكنت أشعر بالسعادة سيما وأنها تجربتي الأولى على صعيد الدراما المختلطة. فحققت معها خطوة مختلفة في مشواري الذي حفرت به في الصخر، كي أصل إلى ما أنا عليه اليوم».
وعن طبيعة الاختلافات التي لمستها من خلال هذه التجربة تقول: «سأبدأ بالبلد الذي صورنا فيه العمل، وهي إمارة أبوظبي. لفتني هذا التكامل والحداثة اللذان يسودانه. فكنت فخورة بوجودي في بلد عربي يتمتع بتطور وتقدم يفوقان أحيانا البلدان الأجنبية. فنحن مع الأسف في لبنان نفتقد هذا المستوى الراقي في حياتنا. اختلطت مشاعري من غيرة وحب وافتخار بهذا البلد، فلا شيء يحول دون أن نكون مثله أو نشبهه. فبضيافته نستعيد معاني الإنسانية والكرامة والأمان. التجربة بأكملها كانت رائعة زودتني بالمتعة والتجدد».
وعما لفتها بشخصية عابد فهد ما وراء الكاميرا تقول: «إنه شخص إنساني إلى أبعد حدود، نستطيع لمس ذلك عن قرب عندما نتعرف عليه أكثر. فهو فنان مسؤول يخاف على عمله، يحضر مشاهده بتأن. كما أنه متواضع رغم كل الشهرة التي يحصدها. فهو صاحب مدرسة تمثيلية لافتة، لا يقبل التساهل، أو إهمال مهمته الحقيقية لمجرد أنه ممثل ناجح».
مسلسل «350 غرام» هو من كتابة ناديا الأحمر وإخراج محمد لطفي وإنتاج إياد الخزوز (أي سي ميديا). وتجسد فيه كارين رزق الله دور زوجة المحامي عابد فهد السلسة والناعمة، إلى أن تكتشف أمرا يقلب حياتها رأسا على عقب.
وتعلق: «بعيد اكتشافها هذا الأمر تحاول الانتقام كرد فعل أولي ينتاب الإنسان الذي يشعر بالغبن، فيحاول الدفاع عن نفسه بهذه الطريقة. ومن هنا تولد صراعات في طبيعة شخصيتها المتأرجحة بين الحنان والانتقام. إنه عمل درامي يتضمن الإثارة والتشويق والمعرفة. فالنص يحمل خلطة من قصص نعيشها اليوم في ظل زواريب الفساد. كما يلقي الضوء على ثغرات تطبع عمل المحاماة، وتنقل حكايات إنسانية عن أشخاص جمعتهم الحياة في بوتقة واحدة».
تغيب كارين رزق الله منذ فترة عن الساحة ككاتبة مسلسلات. فهل هي اعتزلت الكتابة؟ ترد: «لا أبدا لن أتوقف عن الكتابة، ولكن شاءت الظروف أن تبعدني عنها. فما مررنا به من أزمات في لبنان بدءا من الثورة مرورا بالأزمة الاقتصادية وصولا إلى وباء كورونا وانفجار بيروت، انعكست علي سلبا، ففقدت قدرتي على الكتابة. لم أستطع أن أفصل نفسي عن محيطي في خضم مصير غامض تفاجأنا بوصولنا إليه من خلال أزمات متلاحقة، لم نستوعبها بداية. وأنا من الأشخاص الذين لا يستطيعون الانفصال عن محيطهم ونسيانه، فيخرجون بكتابات لا تمت بأي صلة به لما حولهم. اليوم صرت جاهزة أكثر للقيام بهذه المهمة وهو ما سأترجمه قريبا في عمل مستقبلي».
تابع المشاهد اللبناني منذ نحو شهر مسلسل «عا اسمك» لكارين رزق الله من كتابة كلوديا مرشيليان وإخراج فيليب أسمر عبر شاشة «إم تي في» اللبنانية. وأدت خلاله دورا صعبا تطلب منها الانفصال تماما عن شخصيتها الحقيقية المعروفة بابتسامتها الدائمة وطرافتها. فهل أتعبتها هذه الشخصية، وبماذا اتسمت صعوبتها؟ ترد في معرض حديثها: «لم يتعبني دور جود أبداً، لا بل استمتعت في تأديته، وقد تطلب مني تركيزا كبيرا. الشخصية باردة لا تتفاعل مع مشاعرها ولها نظرات فارغة، عكسي تماما في الحياة الطبيعية. فكان علي أن أتقيد بنص محبوك على هذا الأساس، وأجتهد كي لا تفلت مني خيوط طبيعة الدور».
ولكن البعض انتقد هذا الحزن الدفين الذي رافقك طيلة عرض الحلقات؟ «أستغرب هذا الانتقاد من بعض المشاهدين الذين لم يستسيغوا الدور، وكأني أنا من صنعته أو فرضته على العمل. هناك نص كان علي أن أتبعه بحذافيره، ومخرج يتابعني كي لا أخرج عن خط هذه الشخصية. فكان علي أن أمشي مثقلة بهمومي، أن أنظر بعيون فارغة، وأن لا أعبر عن فرحي وحزني في ملامح وجهي. هذه التفاصيل ليس من السهل إبرازها ولا أعلم ما هي قدرة المشاهد على تلمس صعوبة أدائها».
وتضيف: «بالنسبة لي فإن دور جود أجمل كاراكتير لعبته في حياتي. اشتغلت عليه كثيرا ولا سيما على تفاصيل صغيرة لا يمكن إهمالها. فكان بمثابة تحد أخوضه بيني وبين نفسي، خصوصا أني في الحقيقة عكس هذه الشخصية. فإنا من النوع الذي يعبر عن مشاعره وعفوي إلى آخر حدود».
وعن سبب عدم وجود نهايات واضحة كان ينتظرها مشاهد مسلسل «عا اسمك» كتلك التي تتناول شخصيتي تامر نجم (ماريو) ويوسف حداد ترد: «هذا السؤال يصح للمخرج أو الكاتبة وليس لي. ولكن يمكنني القول إن المسلسل كان يتضمن هذه النهايات، وربما بسبب ضيق الوقت تم إلغاؤها».
برعت كارين رزق الله في تقديم الأدوار الكوميدية والدرامية. فهي تركت أثرها على المشاهد منذ إطلالاتها الأولى. غالبية متابعيها يعتبرونها نجمة لا تشبه غيرها بالطبيعية التي تتميز بها إن في أدائها أو في شكلها الخارجي. اليوم تحصد كارين رزق الله نجاحاتها المحلية لتتوج نجمة عربية. فهل مشاركتها في دراما مختلطة تعدها مكافأة لجهدها؟ ترد: «ولا مرة فكرت بهذه الطريقة أو من هذا المنظار. ولكني في المقابل سعيدة جدا بخوضي تجربة مماثلة بعد أن حفرت بالصخر، وجاهدت كي أصل إلى هنا. لم أحصل على أي شيء بسهولة ككثيرين غيري، بل كابدت الكثير لأدخل باب الدراما ككاتبة وممثلة. اليوم وللمرة الأولى ومن دون أي مقدمات، أتيحت لي فرصة المشاركة في دراما مختلطة. وأنتظر انعكاسها ومدى تفاعل الناس معها».
وعن سبب ابتعادها عن الكوميديا سيما وأن الناس تفتقد البسمة تقول: «لم أبتعد عن قصد عن الكوميديا، ومن يتابع أعمالي التي أكتبها، يلمس تضمنها دائما مواقف كوميدية، وأحيانا من نوع الكوميديا السوداء. دوري في «عا اسمك» استفزني، فلعبته بكل طيبة خاطر سيما وأنه يحمل رسالة إنسانية تهم مجتمعنا العربي. فليس من الضروري أن أطل فقط بأعمال كوميدية. فأنا ممثلة أستطيع لعب كل الأدوار، وألحق بقصصها. تلقيت عروضا كوميدية عديدة، ولكنين وجدت محتواها سطحيا فرفضتها».
وعن غياب الحبكة الكوميدية عن الشاشة الصغيرة تقول: «الكوميديا فن صعب، وليس من السهل كتابته. فهو يحتاج النكتة الذكية من دون مبالغة. وأنا شخصيا أحب الكوميديا السوداء الهادفة. ومن الممكن أن أذهب في هذا الاتجاه، وأكتب عملا عن وضعنا في لبنان».
وعما إذا غياب ابنتها ناديا عن التمثيل يعود إلى رغبتها في احتكارها توضح: «ناديا ليست بحاجة لي أبداً، وأحلامها كبيرة أتمنى أن تحققها. وهي شاركت في مسلسل «راحوا» لم يتم عرضه بعد. وكذلك في فيلم سينمائي للمخرجة منية عقل تشارك فيه نادين لبكي. فأنا لست بوارد تقييدها أو إجبارها على البقاء في لبنان، كما كان ينصحنا أهالينا. وإذا ما وصل بها طموحها إلى حد الهجرة لن أقف في طريقها، سيما وأننا كأهل نعاني من هاجس عدم الأمان في بلادنا».
وتعتبر كارين رزق الله زمن «كورونا» أنه أخذ الإنسان إلى العزلة سيما وأننا لا نتواصل مع الآخر سوى افتراضيا. «بتنا لا نلتقي بالأصدقاء ولا نتبادل القبلات والتحية والعناق عن قرب. كذلك لا نشتم رائحة أمهاتنا وأهالينا، ولا يمكننا أن نتوجه عند البقالة أو الجزار، ونسلم على أهل الحي في طريقنا. كل شيء تغير وكورونا فرقنا عن بعضنا، وعن حياة اعتدناها. حتى الشركات وأصحاب العمل، باتوا يطلبون من موظفيهم تأمين دوام افتراضي. فالبعد الاجتماعي أصبح أسلوب حياة، وهو أمر محزن. لا نعرف كم من الوقت نحتاج، كي نستعيد حياتنا الطبيعية. وحدها الفنون على اختلافها تبقى المتنفس الوحيد المتبقي لنا». وعن أعمالها المستقبلية تقول: «أعمل حاليا على عملين مختلفين لمواسم ما بعد رمضان. أحدهما سأكتبه بنفسي، وآخر أشارك فيه وهو من كتابة غيري».
فيفيان حداد – الشرق الاوسط