مرجع حكومي: لبنان القديم انتهى…
كشفت مصادر مقرّبة من مرجع حكومي بارز أنّ هناك معلومات مؤكّدة من العديد من الجهات الإقليمية والدولية بأنّ البحث عن مستقبل لبنان أصبح حاضراً على طاولات المفاوضات في أكثر من عاصمة عربية وإقليمية ودولية، بعدما أصبحت هناك قناعة لدى هذه العواصم بأنّ لبنان القديم قد انتهى، وأنّ المطلوب اليوم هو البحث عن صيغة جديدة للبنان المستقبل، وأنّه بانتظار وضوح الرؤية في المفاوضات الدائرة في فيينا وفي عواصم أخرى، وتحديد مصير ومآل المنطقة ودور القوى الإقليمية فيها، فإنّ البحث عن مستقبل لبنان أصبح تحت دائرة الضوء، لكنّ الصيغة الجديدة لم تكتمل حتى الآن.
وتشرح هذه المصادر معطياتها بالقول إنّ “تأسيس لبنان الكبير عام 1920 جاء بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، مع البدء بتطبيق اتفاقية سايكس – بيكو وتقاسم النفوذ بين الفرنسيين والإنكليز التي نصّت على أن يكون لبنان من حصة فرنسا التي حرصت على تكبير مساحة الكيان في جبل لبنان وضمّ مناطق عديدة (مدينة طرابلس والشمال، البقاع، الجنوب أو جبل عامل) لأسباب استراتيجية واقتصادية وديموغرافية، ولتحويل لبنان إلى مركز التجارة والمال والحرية والتنوّع في المنطقة، وكي يكون قادراً على منافسة دول المنطقة والقيام بأدوار وظيفية متعدّدة”.
وتضيف المصادر: “لقد تميّز لبنان بكونه البلد الأكثر تنوّعاً في الشرق بفضل وجود المسيحيين الذين كان لهم الفضل الأكبر في تكبير لبنان وتطوير موقعه ودوره وخصوصيّته. وقد شكّل لبنان مصرف العالم العربي الأكبر والمركز المالي الأهمّ طوال حوالي المئة عام الماضية. وفي كلّ الأزمات التي طالت دول المنطقة كانت رؤوس الأموال تُهرّب إلى المصارف اللبنانية، فيما كان مرفأ بيروت هو محطة انتقال البضائع إلى معظم دول المنطقة. وكان لبنان مركز الجامعات الكبرى والمستشفيات المتطوّرة. وكانت فيه أهمّ الصحف العربية، فهو واحة الحرّيات والتنوّع الديني والسياسي والفكري، ومركز استقبال كلّ الأفكار الجديدة وموجات الشعر والأدب الحديثين، وجسر التواصل بين الشرق والغرب. لقد كان الدور الوظيفي للبنان أكبر من الكيان والجغرافيا”.
لكن ماذا حدث في السنوات الأخيرة وصولاً إلى انفجار المرفأ وما تلا ذلك من أوضاع اقتصادية وماليّة وسياسية؟ تجيب المصادر نقلاً عن أكثر من جهة عربية وإقليمية وحكومية: “انتهى اليوم الدور الوظيفي للبنان كما كان طوال السنوات المئة الماضية، فلبنان لم يعد مصرف العرب ولا المركز الصحي والاستشفائي الأوّل، وتراجعت الجامعات ودورها التعليمي في السنوات الأخيرة، وجاء انفجار المرفأ ليطيح بأهمّ مركز اقتصادي يربط بيروت ولبنان بدول المنطقة. وأمّا على الصعيد الإعلامي، فقد تقدّمت كثيراً مراكز إعلامية جديدة على الإعلام اللبناني، ولم تعد الصحف اللبنانية مصدر الخبر الأوّل في العالم العربي، وتحوّل لبنان إلى مركز إزعاج وقلق للدول العربية بدل أن يكون مركز استيعاب للأزمات والتحوّلات والأفكار الجديدة”.
في ضوء هذه المعطيات، تقول هذه المصادر إنّ “هناك بحثاً جدّيّاً وحقيقيّاً لدى العديد من العواصم العربية والإقليمية والدولية في مستقبل لبنان ونظامه الجديد ودوره الوظيفي المستقبلي، ولا سيّما أنّ الصراع اليوم في المنطقة يتمحور حول مستقبل خطوط الغاز وثروات البحر المتوسط وكيفيّة استثمارها وتوطيد الاستقرار في المنطقة بعيداً عن الحروب والصراعات التي شهدتها طوال السنوات الماضية، وإن كانت الأولويّة اليوم لدى بعض هذه العواصم، وخصوصاً باريس وروما والقاهرة وواشنطن، منع الانهيار وانفجار الوضع وتوفير الحدّ الأدنى من المساعدات الإنسانية والعسكرية والأمنيّة كي تستطيع القوى العسكرية والأمنيّة الحفاظ على الأمن وقطع الطريق على وقوع عنف اجتماعي واسع، ولذا تتكثّف تحرّكات المؤسسات الدولية وبعض الجهات العربية لتقديم المساعدات وتسهيل وصول الغاز والكهرباء”.
وتختم هذه المصادر بالقول: “حتى الآن ليس هناك صيغة نهائية لمستقبل لبنان، والجميع ينتظر ما سيحدث في فيينا من مفاوضات حول الملفّ النووي الإيراني، ومعرفة مستقبل الدور الإيراني في المنطقة، ونتائج المفاوضات السعودية – الإيرانية وما يجري في بغداد وسلطنة عمان من مفاوضات وتطوّرات، إضافة إلى تحديد مستقبل سوريا والمفاوضات الدائرة في جنيف وآستانة، ومتابعة مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني، وصولاً إلى كيفيّة توزيع نفوذ مختلف القوى الدولية والإقليمية وخريطة المنطقة مستقبلاً. وفي ضوء ذلك يمكن تحديد طبيعة مستقبل لبنان ونظامه السياسي ودوره الوظيفي الجديد. وبانتظار ذلك لا مانع من متابعة السجالات الدائرة داخلياً حول مختلف التفاصيل والشعارات المرفوعة المتعلّقة بالانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة، لكنّ القرار المحدِّد لمستقبل لبنان لن يُتَّخذ في بيروت، بل في عواصم القرار الدولية والإقليمية، وما على اللبنانيين سوى الانتظار والعمل على كسب لقمة العيش الضرورية إلى حين اتّخاذ القرار النهائي”.
هل هذه الصورة دقيقة؟ وهل صحيح أنّ اللبنانيين غير قادرين على تغيير مصيرهم ومستقبلهم وفرض رؤيتهم على القوى الإقليمية والدولية؟ هذا الكلام برسم الجميع من قيادات وأحزاب ومفكّرين لبنانيين كي يقدّموا الرؤية البديلة.
قاسم قصير – اساس ميديا