نهاية عهد رئيس شجاع..

بيروت ١٣-١-٢٠٢٢
ميخائيل عوض
صعود عون وفرض حضوره.
بحسب معاصريه وابناء جيله شكل الجنرال عون ضابطا اشكاليا منذ انتسابه للكلية العسكرية وحيث فرز الى موقع عسكري كان مختلفا، مما اثار حفيظة اترابه وغيرتهم ولفت الانتباه الى شخصه ونموذجه.
حققت له الحرب الاهلية بعض من طموحاته وامنت له مكانة وصعود في المؤسسة العسكرية بسبب انقسام وانهيار وحدتها وافتقادها للعديد والتنوع وهجرة وانكفاء الكثيرين عن الالتحاق بها والغالبية جذبتها الهجرة والسلاح الميليشاوي بديلا للمؤسسة الرسمية، فتقرب من بشير الجميل الفتى الصاعد في ” المجتمع المسيحي” وقد امنه في قيادة وحدات والوية مقربة منه ومن القوات، تميزت بجرأتها وصداميتها وخوضها المعارك القاسية والكاسرة. ولأنه تمتع بصفات الجرأة والحزم وتفرد بين اترابه ولم يخفي طموحه لقيادة الجيش، فكل ماروني من لحظة ولادته وابصاره النور  يحلم بأحد منصبين قائد للجيش وكممر الى قصر بعبدا التي عبده في ظرف خاص واستثنائي الجنرال فؤاد شهاب وحقق في عهده انجازات نوعية بكف نظيفة عززت مكانة ودور الدولة والمؤسسة العسكرية التي يتشبث بها المسيحيون لخلاصهم الوحيد من خطر الصلب على خشبات الاكثريات العددية التي لم تتعامل يوما مع لبنان انه وطنها النهائي كما يعيشه المسيحيون، وضلت تراهن على الوحدة مع سورية او الولاء للناصرية الصاعدة والفلسطينيين ومنظمة التحرير والفدائيين وبعض الاهداف السياسية للزعامات المسلمة  تحقيق توازن في السلطة واجهزتها يعيد توزيع الحصص في الدولة التي صمم دستورها العجيب والملغوم لإنتاج عدم الاستقرار وتوليد الحروب الاهلية وجعل لبنان مسرح تصفية حسابات اقليمية ودولية وكرسه الانتداب الفرنسي والانتدابيات الاوروبية في الطوائف والمذاهب منذ ازمات القرن الثامن عشر وعهود الامتيازات والمتصرفيات وخطط وراثة العثمانية الشائخة والمريضة.
الجنرال عون نشأ في عائلة عادية ودرس ولعب في حارة حريك يوم كانت بتوازن طائفي يميل للمسيحين مع شراكة تسارع الاختلال فيها للوافدين  الشيعة وسكنهم في الضاحية الجنوبية لبيروت.
سمعته كضابط مقاتل وميداني حازم شديد الباس ويتقدم الصفوف لا يهاب الموت، ويطلب النصر بمعاركه باي ثمن رشحته في الجبهة اللبنانية وعند بشير وقيادة القوات ليصير الضابط المحظي وكأبرز الضباط المسيحيين العاملين في استراتيجياتها  لتامين المجتمع المسيحي وللحفاظ على امتيازات العائلات والزعماء، فهو ضابط مقدام ومن غير المترددين او متعددي الولاءات.
الضابط الشجاع عون لم يكن مواليا لاحد ولم يكن معجبا بغير نفسه ولم يجد بالقادة المسيحيين الشيوخ نماذجه وقادته ولا اعترف لبشير او حبيقة واترابهم من قادة القوات بالمكانة والقيادة، وتاليا لم تجمعه يوما مع د سمير جعجع محبة او احترام، ولم يقر له بمكانة او دور، فحالفه للخلاص من حبيقة  ولقطع طريق بعبدا على ال شمعون، واتفق معه لإسقاط الاتفاق الثلاثي وللخلاص من خطر اختراق  قوات حبيقة فعملا معا لسحقها، ولم يطمئن في ساعة لأمين الجميل في رئاسة الجمهورية ونظر اليه كانتهازي متردد يتسلق الزعامة على اجنحة الوراثة، وارثا لأخيه في الرئاسة ووراثا لابنه في النيابة، فبالقدر الذي يناصب جعجع وقواته العداء المستحكم يرى في امين الجميل مزاحما على الرئاسة من بوابة استجداء الرئيس حافظ الاسد بأكثر من دزينة قمم وبعبارة العلاقات المميزة طلبا للتمديد فقرر بالتشارك مع جعجع انجاز انقلاب على الجميل وهو في قمة بدمشق مع الاسد وقد عطل مع جعجع  اجتماعات مجلس النواب لانتخاب رئيس وافشلا الوساطات الامريكية والاوروبية التي توافقت مع الاسد على مخايل الضاهر ، والزما امين الجميل الرحيل الى باريس وقبل نفاذ رئاسته  اجبراه على تعيين المجلس العسكري بقيادة عون كحكومة عسكرية اجتزأت من ساعتها الاولى بانسحاب الاعضاء المسلمين تحت سطوة الزعماء والطوائف ولسحب البساط من تحت اقدام عون.
لكنه الضابط العنيد، فأدار حكومته بوزيرين هما رفيقاه في الجيش ومواليان له، خرجوا معا الى المنفى وتحمل مشقاته ثم انفصلا عن التيار فرفقة السلاح قد لا تدوم في السياسة والتيار والجنرال في السياسة لا يتحاج الى الكثير من الديوك.
ادار المناطق المسيحية التي كانت تنعم بشبه دولة انجزتها الجبهة اللبنانية وادارتها القوات واجهزتها طيلة الحرب الاهلية وامنت المجتمع المسيحي بحاجاته وبالأمن بعد ان شطبت قوات بشير الفصائل والمجموعات المسلحة  الاخرى بالسلاح والدم وارهبت فأخضعت الجميع، واحتكرت السلاح والسلطة لأمرها، وعندما اغتيل قائدها بعد ان انتخب خلفا لسركيس رئيسا للجمهورية بظل الاحتلال الاسرائيلي لبيروت، ضربت القوات والمجتمع المسيحي عاصفة التوترات والانتفاضات والانقلابات وعصفت بها الخلافات والصراعات بما في ذلك مع الرئيس امين وفرع الكتائب المتني فنجح ثنائي حبيقة – جعجع بتصفية ال الجميل وورثتهم في قيادة القوات اللبنانية حيث حان موعد تصفية حبيقة وفريقه على اثر توقيع الاتفاق الثلاثية ليتمكن جعجع وكوادر القوات القادمين من بشري وبلدات الجرد ودير الاحمر منها .
حكومة عون العسكرية التي تولت ادارة المناطق الشرقية المسيحية بالتوازي مع حكومة الحص وبمصرف مركزي تحول الى طربوش لمصرفين واحد في الحمرا واخر في جونية وتوزعت الادوار وافتعل توقيع رئيسي حكومة على جداول التمويل والانفاق على الجيش والاجهزة والدولة الا ان نقص التمويل لجيش عون وحكومته والعجز عن ابتزاز حكومة الحص والمصرف المركزي لتمويل المغامرات والطموحات ولشح المساعدات السعودية والعراقية وفي ظل تجيش وعداء بين المؤسسة العسكرية والقوات وقد ارتكبت القوات بحق الجيش والمؤسسة وتورطت باغتيال ضباط واحتجاز واهانة العسكرين على حواجزها وفي ثكناتها وبطبيعة ونشأة الجنرال قائد الجيش ورئيس الحكومة العسكرية المعادية للميليشيات وللبيوتات التقليدية، والمتشبع نقمة وحقد على مجلس النواب وانفجر غضبه على النواب المسيحين الذين تمردوا على املاءاته وسلطته المطلقة وتسربوا الى الطائف لعقد جلسات مفتوحة لتعديل النظام والمحاصة فيه، ثارت ثائرة الجنرال وامر بتدمير منازل النواب الذين شاركوا في مؤتمر الطائف في السعودية واهانت تظاهرة مؤيدة له البطريرك صفير، وهجر النواب الى الاطراف وبيروت الغربية ولأوروبا، واعلن حربه الدامية على “الاحتلال السوري” في ما اسماها حرب التحرير وقبل ان تجف الدماء ويزال الدمار وينجلي الغبار اعلن حرب الالغاء ضد القوات اللبنانية بحافز استعادة المرافئ والادارات وعائدات الجبايات للدولة، وحسم الثنائية بهدف احتكار السلطة والسطوة والتمثيل، في تقليد لما سبق ان فعله بشير الجميل وشطب نمور الاحرار والتشكيلات الاخرى، فأصيب المجتمع المسيحي بكل الكوارث والويلات والتدمير الواسع وبخسارة زهرة شبابه بحروب الاخوة في القوات وبحروب الجيش والقوات، وبرغم ما تأمن من دعم واسناد عراقي واحيانا من سورية وحلفائها للجيش وبذات الوقت تغذية القوات وتامين مناطقها بالمحروقات والذخائر ومنع هزيمتها.
فحرب عون القوات لم تنجلي عن نصر ساحق لاحد الطرفين وارتسمت خطوط تماس انهكت المجتمع المسيحي وصار شعار الدكتور جعجع امن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار نكته الموسم كشعاره حالات حتما ورهانه الخاسر على كسب معركة رئاسة الكتائب التي الت لجورج سعادة الطامح ايضا لرئاسة الجمهورية، ثم قطفها المغفور له الرئيس الهراوي بسبب تردد جورج سعادة ونائب تنورين “حرب” و الاخرين  ورهابهم من عون وجعجع، بعد اغتيال الرئيس معوض الاتي ايضا من زغرتا، فالرئيس الهراوي صاحب نكته ومحبوب من السورين والاسد الاب وطامح لا يخفي طموحه وراغب بإقصاء المعارضين لا يتأسف على عون والقوات وجعجع فالاهم عنده ان تستقر له الرئاسة ويطول عهده، ولم يتردد بتسمية الجنرال اميل لحود لقيادة الجيش مادام الاسد رشحه ويريده واطلق يده مع المنظومة والطبقة في اعادة بناء الجيش وتوحيد الويته فلحود مدعوم من حافظ الاسد ومؤتمن على الجيش اللبناني وكونه ماروني وابن عائلة مارونية تقليدية نافذة وعسكرية، تميل عينه ويهتف قلبه لقصر بعبدا…
المجتمع المسيحي انهك وفقد قدراته وقوته وشبابه وعنفوانه فمرر تنازلات جوهرية مست صلاحيات رئيس الجمهورية وحولته الى باش كاتب عند المجلسين، وبرغم ذلك بقي حلم الجنرال عون بالقصر وكرسيه  طاغيا ومحركا بل ومحددا لسياساته ومواقفه وخططه وكرس حياته وتحالفاته وكل جهده لتامين الوصول اليه، و برغم فطنته لم يتنبه الى ان احتلال صديقه وداعمه صدام حسين للكويت وقبول سورية الانخراط السلبي بتحرير الكويت وارسالها وحدات عسكرية للمرابطة مع القوات الامريكية والدولية في السعودية سيكون ثمنها رأسه وحكومته وتحرير قصر بعبدا منه، وغالبا هو لم يفهم بعمق عقليه الداهية حافظ الاسد وكان قد تورط عون بتهديده واعلن عزمه على تكسير رأس الاسد وقصف دمشق بصواريخ فروغ التي زوده بها صدام حسين، والداهية حافظ الاسد يعرف من اين تؤكل الكتف ومتى يتنازل واي ثمن يقبض وقد تمرس في ادارة الازمة اللبنانية ووظف مسارحها ومعاركها لابتزاز الجميع بالأموال وبمنع العبث بسورية او محاولة اسقاطها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ولوح دائما بالمخيمات وبالمقاومة وبحرب الصواريخ ان حاولت امريكا التحرش بسورية وفعلها واشتبك مع قواتها واسقط طائرتان امريكيتان في سماء لبنان وحمى الفصائل والقوى والحرس الثوري وفرك يديه فرحا لتدمير مقرات المارينز والفرنسيين في بيروت ومقر قيادة القوات الاسرائيلية في صور وتدمير السفارة العراقية في بيروت بعمليات انتحارية عاصفة، ولم يحزنه رحيل عرفات وقوات منظمة التحرير من بيروت فالكيمياء بينهما لم تتفاعل ابدا، ولعب بتقانة بأوراق الاجانب المخطوفين وبتوظيف حزب العمال الكردستاني في صراعه مع تركيا وفصائل عالمية مسلحة لإخضاع الادارات الاوروبية ومساومتها.
دقت ساعة اقتلاع عون من قصر بعبدا بتفاهمات سورية امريكية سعودية وسقطت حكومة عون وقيادته للجيش وخرج بملالة وبحماية ايلي حبيقه مفوضا من قيادة الجيش السوري لحماية زوجة وبنات الجنرال كرد جميل على ما فعله الجيش ليلة شطب حبيقة وقواته من المناطق المسيحية لإسقاط الاتفاق الثلاثي.
خرج الجنرال عون مهزوما ومنكسرا ومطعون برجولته وحكمته وقياداته من بعبدا الى السفارة الفرنسي وقد تخلى عن عائلته ورفاقه في الميدان وتسببت مغامراته بسقوط المئات من الجنود والضباط في المعركة مع السوري والجيش اللبناني بقيادة اميل لحود وبانحياز القوات اللبنانية وتيسير مهمة اسقاط عون وخروجه من المعادلة السياسية فسعى الدكتور جعجع الى وراثة الزعامة المسيحية كمتفرد بين اقرانه وبرحيل القادة الكبار التاريخيين عن المسرح السياسي، الا ان الزمن لم يطل كثيرا حتى ثكل المجتمع المسيحي وترمل من القادة الصاعدون والمحتربون على السلطة والمكانة واحتكار التمثيل  فعون لاجئ في باريس والدكتور جعجع سجين في الليرزة متهم بجرائم كثيرة وكبيرة….
…..يتبع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى