بينما لا يزال لبنان الرسميّ ينتظر الجواب الإسرائيليّ الذي سيحمله إلى بيروت الموفد الأميركي للمفاوضات غير المباشرة آموس هوكشتاين، أكمل الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله خلال ذكرى عاشوراء أمس، رفع سقف خطاباته التحذيريّة للعدوّ، مُوجّهاً رسائل للداخل والخارج، من أنّ “الحزب” حاضرٌ للحرب إذا ما قرّر الجانب الإسرائيليّ البدء بالتنقيب عن الغاز في حقل “كاريش”، في الأوّل من أيلول، وخصوصاً إذا لم يتمّ التوصّل لاتّفاق بين لبنان وتل أبيب في الأسابيع القليلة المتبقيّة.
ويقول مراقبون إنّ موقف “حزب الله” أصبح أقوى، وخصوصاً بعد حرب غزة الأخيرة، التي استطاعت فيها فصائل المقاومة الفلسطينيّة قصف المستوطنات القائمة في غلاف غزّة، وحتّى تل أبيب بأكثر من ألف صاروخٍ، خلال ثلاثة أيّام فقط. والبارز بحسب المراقبين، أنّ إسرائيل وخلفها الولايات المتّحدة الأميركيّة، سعتا سريعاً إلى فتح القنوات الدبلوماسيّة، ودخلت مصر بشكلٍ خاصّ على الخطّ، لإيقاف عمليّات القصف المتبادل، وذلك لأنّ الصواريخ الفلسطينيّة وصلت لأوّل مرّة لمناطق جديدة داخل الأراضي المحتلّة. فشكّل هذا الأمر مفاجأة خطيرة لدى الجهات العسكريّة الإسرائيليّة، وخصوصاً وأنّ تل أبيب تناقش موضوع الحدود البحريّة مع لبنان، و”حزب الله” يتربّص بها في الجنوب وفي البحر، بمئة ألف صاروخٍ.
ويُضيف المراقبون أنّ الفصائل الفلسطينيّة طوّرت قدراتها القتاليّة والصاروخيّة أكثر من الحرب السابقة، فيما، “حزب الله” صواريخه أدقّ، وأصبح لديه نوعين من الطائرات المسيّرة، والقادرة على ضرب أهداف كثيرة، أبرزها سفن ومواقع التنقيب. ويُشير المراقبون إلى أنّ الهدف الإسرائيليّ حاليّاً هو المحافظة على النتائج الإيجابيّة التي حقّقتها تل أبيب، من خلال عمليّات الإغتيال الراهنة لشخصيّات قياديّة فلسطينيّة، ولكن، من دون الإنجرار إلى تصعيد خطير، قد يُكلّفها غاليّاً، عسكريّاً ونفطيّاً وغازيّاً. فالدول الأوروبيّة وأميركا لا يريدون أيّ حربٍ في منطقة حوض البحر المتوسط، ويبقى همّهم تأمين البديل عن روسيا، لتغطيّة حاجات أسواقهم من الغاز، وإنعاش الإقتصاد الغربيّ من جديد، وإيقاف التضخّم الذي يُهدّد العواصم الأوروبيّة وواشنطن.
ويلفت مراقبون إلى أنّه بعد “البروفا” الصاروخيّة للفصائل الفلسطينيّة في غزّة، فإنّ الأحداث على الأرض صوّرت أنّ إسرائيل لم تعدّ تُريد الحروب الطويلة، نظراً لتطوّر المقاومة الفلسطينيّة، وإمكانياتها بإلحاق أضرار كبيرة في إسرائيل، بالإضافة إلى أنّ تل أبيب لا تُريد تضييع فرصة تصدير غازها إلى أوروبا، لذا، عملت على وقف إطلاق النار بهذه السرعة غير المعهودة. فأظهرت ضعفاً ميدانيّاً، ووصلت العديد من الصواريخ إلى المستوطنات، ولم تستطع القبّة الحديديّة إسقاطها كلّها، نظراً لغزارتها.
ويُذكّر المراقبون أنّه صحيحٌ ان الجهّات المحليّة أبدت إيجابيّة بعد لقائها المفاوض الأميركيّ، إلّا أنّ موعد
1 أيلول يقترب، ولا يزال هوكشتاين يتنقّل بين لبنان وإسرائيل، حاملاً الطروحات، والأفكار الجديدة من كلا الطرفين، والتي ربما قد تحول دون التوصّل لاتّفاق مبدئيّ في أوّل الشهر المقبل، وتبدأ تل أبيب باستخراج الغاز، لاسيّما أنّها استثمرت في سفن التنقيب، وفي بناء المنصات أموالاً طائلة، ويُنفذّ “حزب الله” تهديده، ويقصف منصة “كاريش”، وتندلع الحرب التي ستضرّ تل أبيب والغرب.
يقول مراقبون إنّ لبنان ليس لديه ما يخسره في الوقت الراهن، فلم يبدأ بالتنقيب عن الغاز في المناطق المتنازع عليها مع العدوّ، ولا بإبرام العقود مع الشركات العالميّة، بينما، إسرائيل قد لا تتمكن من سدّ عجز الدول الأوروبيّة، وهي بحاجة إلى أسواقٍ جديدة، وأموال كثيرة، لتطوير دفاعاتها وموازنتها العسكريّة، بالتزامن مع تنامي قدرات “حزب الله” و”حماس”.
ويوضح مراقبون أنّ زيارة هوكشتاين المقبلة ستكون مصيريّة. من هنا، طلب نصرالله من اللبنانيين الإستعداد لكافة الإحتمالات، بحسب قوله، إذا لم تقبل تل أبيب بالمقترحات اللبنانيّة التي حملها إليها المفاوض الأميركيّ. فالعبر من الحرب مُؤخّراً في غزّة وصلت لـ”حزب الله”، وإسرائيل بدت عاجزة ولا تستطيع مجاراة “المقاومة” في فلسطين، ولا حتّى “الحزب” في لبنان. ويرى مراقبون أنّ أي مواجهة بين “حزب الله” والعدوّ قد تُشكّل إنتكاسة عسكريّة غير مسبوقة للأخير.
وعليه، يختم المراقبون أنّ نجاح المفاوضات غير المباشرة مصيريّ بالنسبة لإسرائيل، ومن المتوقع أنّ تزداد الضغوط الغربيّة عليها لإبرام إتّفاق حول الحدود البحريّة وعدم الذهاب نحو التصعيد، فموضوع الثروات النفطيّة تعدّى الحدود اللبنانيّة – الفلسطينيّة، وأصبح دوليّاً، ودخل الصراع الروسيّ – الأوكرانيّ، والملف النوويّ الإيرانيّ.