مواصفات وشروط.. هل تكرر بكركي “تجربة” 2014؟
مع بدء العدّ العكسيّ لدخول البلاد “المهلة الدستورية” لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال 15 يومًا، حطّ رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل في الديمان، ليعلن مواقفه المعروفة من الاستحقاق الرئاسي، ويدعو البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى إطلاق “مبادرة” في هذا الإطار، ويؤكد سلفًا أنه “يتجاوب” معها.
لكنّ باسيل استبق دعوته الراعي إلى “المبادرة”، بتكرار سلسلة “المواصفات” التي يريد “ضمانها” في رئيس الجمهورية الجديد، وقوامها كما أصبح معروفًا “التمثيل”، وهو ما كرّره من الديمان بقوله إنّ تمثيل الرئيس “يتجسّد بكتلة نيابية ووزارية تدعمه وتزيد من قوة صلاحياته وموقعه”، وتشديده على أنّ القرار يجب أن يكون “عند الممثلين الفعليين”، وفق وصفه.
وإذا كانت “شروط” باسيل تتعارض في جوهرها، مع “المواصفات” التي سبق للراعي أن أعلنها في الملف الرئاسي، ومن بينها أن يكون الرئيس العتيد “متجرّدًا وفوق الاصطفافات”، فإنّ ثمّة علامات استفهام تُطرَح بالجملة عن “دوافع” رئيس “التيار الوطني الحر”، وما إذا كان يدفع بكركي نحو تكرار “تجربة” رئاسيات 2014 وانخراطها فيها.
حظوظ رئاسية “منعدمة”
يقول العارفون إنّ رئيس “التيار الوطني الحر” يدرك أنّ حظوظه الرئاسية ليست “عالية”، بل شبه “منعدمة”، ليس بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه فحسب، ولكن أيضًا لأنّه يفتقد إلى دعم “الحلفاء”، إذ إنّ أحدًا ليس جاهزًا لمساندته رئاسيًا سوى “حزب الله” في أحسن الأحوال، علمًا أنّ الأخير لا يبدي “حماسة” لذلك، بل يكرّر أنّه لم “يَعِد” أحدًا بشيء.
ووفقًا لهؤلاء، يدرك باسيل أنّ الحظوظ الرئاسية الفعلية، إن حصل الاستحقاق في موعده، لن تخرج عن خيارين اثنين، فهي قد تكون من نصيب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي لا يزال يُعتبَر المرشح “الأوفر حظًا”، ولو أن “تثبيته” لا يزال ينتظر “كلمة السرّ” من “حزب الله”، الملتزم بالصمت والمعتكف، خلافًا لما كان عليه موقفه قبيل الاستحقاق الرئاسي السابق.
أما الخيار الثاني، والذي يعتقد البعض أنّه “الأكثر واقعية”، فيقوم على “التفاهم” على مرشح “توافقي” بموجب تسوية بدأت المؤشرات تميل نحوها، وما التقارب الأخير بين “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”حزب الله” على سبيل المثال سوى الدليل على ذلك، علمًا أنّ حديث الجانبين عن احتمال مقاربتهما الاستحقاق بـ”مرشح مشترك” لم يكن عبثيًا، ولا حتى “عفويًا”، برأي البعض.
باسيل يريد “حصر” المنافسة؟
من هنا، جاءت دعوة باسيل إلى البطريرك الماروني لـ”المبادرة”، والمبادرة في مفهومه قد لا تكون سوى “استنساخ” تجربة الاستحقاق السابق، حين جمع الراعي من اصطلح على وصفهم “الأقطاب الموارنة”، الذين كانوا يومها الرئيس ميشال عون ورئيس حزب “القوات” سمير جعجع ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إضافة إلى الرئيس أمين الجميل.
وإذا كان عون وجعجع وفرنجية والجميل اعتُبِروا يومها “الأقوياء”، الذين توافقوا فيما بينهم على دعم أحدهم للوصول إلى الرئاسة، فإنّ باسيل يهدف من خلال ذلك إلى “حصر المنافسة” في الاستحقاق المقبل، وقطع الطريق على أيّ “تسوية” محتملة، ولكن أيضًا على فرنجية، باعتبار أنّه “فَقَد” صفة “التمثيل الشعبي” ، وفق مفهوم باسيل، بعدما عجز عن إيصال أي نائب سوى نجله إلى البرلمان.
ويقول العارفون إنّ باسيل يرى أنّ “حصر المنافسة” بينه وبين جعجع في هذه الحالة يخدمه، نظرًا إلى وجود “فيتو” على جعجع، ولو أنّ هناك من يتحدّث عن “فيتو” مشابه عليه، في حين أنّ “الحدّ الأدنى” الذي ينشده باسيل هو أن يكون القرار الرئاسيّ بيده مع جعجع، بمعنى أن يكونا “الممرّ الإلزامي” ويتوافقا في ما بينهما على المرشح “المناسب”، إن جاز التعبير.
لا شكّ أنّ “الحماوة” ستزداد مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسي الذي يبدو أنّه سيتصدّر المشهد في المرحلة المقبلة، بعدما تراجعت سائر الاستحقاقات في سلّم الاهتمام. لكن، في المقابل، ثمّة من يعتبر أنّ المقاربة التي يقودها باسيل، وقوامها “الشروط”، لن تؤدي سوى إلى تنصيب “الفراغ” حاكمًا أوحد في بعبدا، لفترة “انتقالية” بالحدّ الأدنى!