رسائل “نارية” من بري إلى باسيل.. كيف “يتلقفها” الأخير؟!

صحيح أنّ خطاب رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس بقي بلا تسميات، إلا أنّ معظم من سمعوه قرأوا بوضوح “الرسائل المبطنة” بين سطوره، والتي طالت بالدرجة الأولى “التيار الوطني الحر” ورئيسه الوزير السابق جبران باسيل، في ملف الانتخابات الرئاسية وما يتفرّع عنها على مستوى الحكومة والدستور، خصوصًا مع دخول البلاد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، ولكن أيضًا في الملفين الاقتصادي والاجتماعي.

فحين تحدّث بري عن أزمة الكهرباء، لم يحتج أحد للكثير من التفكير لفهم “المقصد”، خصوصًا حين استخدم “الأستاذ” عبارة “ما خلونا” في سياق انتقاده “السلطة المختبئة خلف الشعارات”، وفق توصيفه، مع ما ترمز إليه من شعار يلجأ إليه “العونيون” كلما سئلوا عن سبب عدم تحقيق أيّ إنجاز، رغم “احتكارهم” وزارة الطاقة لأكثر من عقد من الزمن، فكانت النتيجة “نسبة تغذية صفر”، وفق ما أكد رئيس البرلمان.
أما الحديث في السياسة، فلم يَخلُ بدوره من “الإشارات”، التي أتت مبطنة ربما، لكنها بدت واضحة للمتابعين، سواء حين تحدّث عن “الحيثية الوطنية” المفترضة للرئيس العتيد، أو حين رفض “التشاطر والتذاكي”، وخصوصًا “اجتهادات غب الطلب”، وذكّر بأنّ مجلس النواب وحده المخوّل بـ”تفسير الدستور”، بعيدًا عن كل أشكال التهويل، كما حين تطرق إلى الشأن الحكومي، رافضًا مبدأ التوسيع، وإضافة “وزراء دولة” من السياسيين.

“مغزى” كلام بري

يقول العارفون إنّ كلام رئيس البرلمان في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر أكثر من واضح، فالرجل كسر “صيامه”، إن جاز التعبير، ليوجّه رسائله، تزامنًا مع دخول البلاد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، وهو أراد أن يعبّر بشكل أو بآخر، عن رفضه للنقاش الذي أخذ مداه في الآونة الأخيرة، حول “الخيارات” التي يمكن أن يلجأ إليها البعض قبل انتهاء الولاية الرئاسية، والتي أكدها الوزير باسيل في مقابلته الصحافية الأخيرة.

يشيرون في هذا الإطار إلى حديث رئيس مجلس النواب عن “إرادات خبيثة تعمل بجهد حثيث ومضنٍ لإسقاط البلد ومؤسساته في دواه الفراغ”، ولكن أيضًا لرفضه “العبث بالدستور أو التمرد عليه أو البحث عن اجتهادات غب الطلب تتواءم مع هذا الطرف أو ذاك تلبي مطامح أو مطامع هذا أو ذاك من المرشحين الطبيعيين”، ودعوته الواضحة إلى الاحتكام للطائف أو الدستور، باعتبار أنّ الأخير “وُجِد ليُطبَّق” كما قال.

ولعلّ ما يؤكد هذا المنحى في فهم “رسائل” بري، يبقى وفقًا لهؤلاء المتابعين في إشارته التي لا تحتمل اللبس، إلى “من يحاول أن يتشاطر ويتذاكى بإعادة عجلة الزمن إلى الوراء إلى ما قبل الطائف”، حيث يضعون ذلك في سياق الرد على ما يروّج له “العونيون” وآخرهم باسيل لبعض “الخيارات” غير المسبوقة، على غرار سحب التكليف من الرئيس المكلف، أو الذهاب إلى تأليف حكومة قبل انتهاء العهد، استنادًا إلى “سابقة” ما قبل

الطائف.

“العونيون” لا يستغربون!

لا تبدو مواقف بري “النارية” محلّ استغراب في صفوف “العونيّين”، أو بالحدّ الأدنى من يدورون في فلكهم، ويؤيّدونهم، فهؤلاء يعتبرون رئيس مجلس النواب أحد “رموز المنظومة” التي تحارب “مشروعهم الإصلاحيّ” كما يقولون، بل لا يجدون “سخرية” الرجل من شعار “ما خلونا” غريبة، باعتبار أنّ رئيس البرلمان هو من المقصودين بهذه العبارة، وهو ما تكرّس خلال هذا “العهد”، رغم كلّ “الطلعات والنزلات” في العلاقة بين الجانبين.

في الملف الرئاسي، يبدي “العونيون” تحفّظًا على بعض ما جاء على لسان بري من كلام، ولو بدا في الجانب الأعمّ جميلاً ورنّانًا، وخصوصًا حين يتحدّث عن أنّ الرئيس المقبل يحتاج إلى “حيثية وطنية”، قبل “الحيثية المسيحية”، وإلى جانب الأخيرة “حيثية إسلامية”، وهم يسألون لماذا لم يُراعَ “المنطق” نفسه في سائر الاستحقاقات “الوطنية”، سواء في انتخاب رئيس المجلس وتسمية رئيس الحكومة، من دون موافقة الكتلتين المسيحيتين الأكبر في البرلمان.

في المحصّلة، يشدّد “العونيّون” على أنّ من حقّ كلّ طرف أن يقول ما يريد، لكنّ المهم احترام “المعايير” التي أفرزتها الانتخابات النيابية، التي ما كان لها “جدوى” إن كان الأفرقاء سيتجاهلونها بكل بساطة، وبالتالي فإنّ الدعوة للتوافق التي كرّرها “الأستاذ” على جري عادته، والتي قد تكون محقّة بلا شك، يجب أن تستند إلى هذه المعايير قبل كل شيء، من أجل المضيّ إلى الأمام، وإنجاز الاستحقاقات “في مواقيتها”، كما جاء على لسانه.

تختلف “مقاربة” كلمة رئيس مجلس النواب الأخيرة، بين من يعتبر أنّ من شأنها أن تمهّد للتوافق المطلوب، والذي يمكن أن يفضي إلى “التسوية”، حكوميًا أو رئاسيًا، وبين من يرى أنّها زادت “التعقيد”، خصوصًا بتكريسها “الشرخ”، فبري يؤكد بما لا يقبل الشك أنّه لن “يتناغم” مع باسيل، حتى لو طلب منه حليفه “حزب الله” ذلك، ولو أنّ “اختصار الطرق” يبقى بتسهيل تأليف الحكومة، اليوم قبل الغد!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى