لولا أميركا لما تمّ الترسيم الجنوبي… فمن سيضمن نجاح الترسيم الشمالي؟

طوى لبنان أمس ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بوساطة أميركية. ووصف آموس هوكشتاين هذا اليوم بـ”التاريخي”، فيما إعتبر رئيس الحكومة الاسرائيلية يائير لبيد أن لبنان بتوقيعه الإتفاق إنما إعترف بإسرائيل. إلاّ أن هذا القول مجافٍ للحقيقة والدليل أن بين لبنان وإسرائيل إتفاق هدنة منذ سنوات طويلة، وهذا لا يعني أن لبنان إعترف باسرائيل.

فلبنان، الذي بدأ مفاوضاته غير المباشرة مع إسرائيل، كان يعرف أنه سيصل إلى ما وصل إليه من نتائج إستلزمت جهودًا مضنية ومساعي أميركية لا يُستهان بها. وما كلام لبيد سوى كلام إستهلاكي محلي عشية إنتخاباته النيابية المفصلية. وهذا الموقف لا يمكن التوقّف عنده ما دام اللبنانيون مجمعين على أن إتفاق ترسيم الحدود هو إتفاق إقتصادي – تجاري لا أكثر ولا أقّل، وهم مقتنعون بأن ليس من مصلحة لبنان إقامة أي علاقة طبيعية مع عدو لا يزال يُعتبر مصدر مصائبهم التاريخية.

وبإنطواء هذا الملف تبدأ مرحلة جديدة من الترسيم شمالًا مع سوريا، إذ حرّك الرئيس ميشال عون في آخر أيام عهده هذا الملف، الذي إصطدم بعقبات كثيرة جاء أول مفاعيلها من خلال إرجاء الجانب السوري موعد زيارة الوفد اللبناني إلى دمشق، والتي كانت مقررة آحاديًا من جانب القصر الجمهوري اللبناني أمس الأول الأربعاء.
وقد أثار القرار السوري إرجاء زيارة الوفد اللبناني برئاسة إلياس بو صعب نائب رئيس مجلس النواب سجالًا في بيروت، أعقبه توضيح من السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي الذي قال عقب زيارته الرئيس عون مودّعًا “إن الزيارة تأجلت ولم تلغ، وهناك لبس حول تشكيل وفد لبناني إلى سوريا وكيفية تبلّغ الخارجية السورية بطلب الزيارة بوقت متأخر الأحد، ومن ثم إعلان السلطات اللبنانية عن موعد الزيارة قبل مناقشته مع سوريا”.
لا شك في أن مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا تحمل أبعادًا تاريخية تعود إلى زمن الانتداب الفرنسي، إذ أن العلاقة بينهما حافلة بالتعقيد، وصولًا إلى مرحلة مقاطعة بيروت لدمشق بعد خروج سوريا من جامعة الدول العربية.
فجذور التداخل الحدودي برًّا وبحرًا بين لبنان وسوريا تعود إلى الحقبة التي كان فيها البلدان خاضعين للإنتداب الفرنسي، إذ أن السلطات الفرنسية لم تحدّد النقاط التي تبدأ منها وتنتهي حدود كل من لبنان وسوريا، بحيث أن ثمة مناطق كثيرة شمالًا وشرقًا متداخلة بعضها ببعض وكأنها وحدّة واحدة متكاملة لا تفصل بينها حدود واضحة المعالم، خصوصًا أن أي طرف لم يأخذ أي مبادرة جدية لترسيم هذه الحدود بحرًا وبرًّا، وهي محددة بالدستورين اللبناني والسوري، ولكنها غير مرسّمة على الأرض.

أما قضية الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية من الجهة الشمالية اللبنانية فتعود إلى 2011، حين أصدرت الحكومة اللبنانية في عهد الرئيس فؤاد السنيورة المرسوم رقم 6433، ورسّم من جانبه الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل والشمالية مع سوريا والغربية مع قبرص، فاصطدم أيضا بالترسيم الذي حددته السلطات السورية، حيث أرسل السفير السوري السابق لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري رفضًا للإحداثيات الموجودة بالمرسوم اللبناني، وعدّها غير ملزمة لدمشق.

لكن أزمة الترسيم الحدودي بين لبنان وسوريا تتجاوز البحر إلى البر، إذ أن هناك العديد من المناطق غير المرسمة بينهما، على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية، وصولا إلى مزارع شبعا التي تطل على هضبة الجولان المحتلة من إسرائيل.
ويتساءل كثيرون عن أسباب إثارة ملف ترسيم الحدود البحرية في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس عون، الذي كان في إمكانه ترك هذا الملف في عهدة خلفه، لكنه أراد من هذا التوقيت تعويض ما فات عهده طوال ست سنوات في آخر ستة أيام، فضغط على كل الأزرار دفعة واحدة، بدءًا من إنجاز التوقيع على الترسيم مع إسرائيل، والتواصل مع السوريين والقبارصة بملف الترسيم البحري، وإثارة ملف عودة اللاجئين السوريين، وإعلان افتتاح مقر للقمة الفرنكوفونية بلبنان في آخر يوم من ولايته.
فإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية لعبت دور الوسيط في مفاوضات الترسيم الجنوبي، فمن سيكون الوسيط في الترسيم الشمالي؟
المصدر: “لبنان 24”

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى