الحريري لن يُلدغ من الجحر مرتين وعون: “لا أحد يمكنه ان يشطبني”
لا شك أن مشهدية بعبدا يوم الاحد التي واكبت خروج الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون من القصر الجمهوري الى الرابية حيث اصطفت ايضا الجماهير البرتقالية مرحبة بعودة الجنرال الى دارته، هي رسالة معنوية وسياسية للجميع، اراد جنرال الرابية ان يسمع القاصي والداني من خلالها انه باق في قلب ميزان القوى وانه سيكون اقوى مما كان عليه في الاعوام الرئاسية. فلا احد يمكنه انه يشطبه من المعادلة في المرحلة المقبلة كما يظن البعض. وهنا تأتي رسالته الى المجلس النيابي وتوقيعه مرسوم استقالة الحكومة الذي يعتبر، وفق الخبراء، لزوم ما لا يلزم، لكن عون اراد الاستفادة من حقه الدستوري للحظة الاخيرة في شكل من اشكال المعارك السياسية والدستورية في وجه من يصفهم بالمنظومة الحاكمة.
في العام 2018 فتح الرئيس عون معركة الرئاسة الاولى قبل 4 سنوات من انتهاء ولايته عندما أعلن أن “فتح معركة الرئاسة مبكرا يعود ربما الى وجود شخص كجبران باسيل في رأس السبق”. قناعة الجنرال بما قاله لم تتبدل قيد أنملة، انما ترسخت اكثر فأكثر، فقبل ساعات من مغادرته قصر بعبدا، اعتبر “أن العقوبات الاميركية لا تمنع رئيس التيار الوطني الحر من الترشح للرئاسة، ويمكن محوها بمجرّد انتخابه”. فالصهر، من وجهة نظر الجنرال يعتبر صاحب الفرصة الاولى والاوفر حظاً لما يتمع به تياره من حيثية شعبية ونيابية وازنة، وفي حزيران الماضي ناقش عون مع باسيل ترشح الاخير لرئاسة الجمهورية.
لم يرم الرئيس الفخري للتيار البرتقالي كل اوراقه. فهذه الاوراق سيلعبها ورقة ورقة وفقا للظروف والمعطيات الداخلية والخارجية، علما ان من اهم هذه الاوراق مسألة تبني ترشيح باسيل لرئاسة الجمهورية. فملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وما ارساه من توزان في المشهد الداخلي سيحسن الرئيس عون الاستفادة منه سياسيا وسيستثمره للحد الاقصى.
أوساط سياسية بارزة تعتبر ان ملف تفاهم تشرين سيعزز اوراق باسيل عند الاميركيين. وهناك دور قطري فاعل خلف الستار لرفع العقوبات عن نائب البترون الذي من جهته يتحرك قانونيا لهذا الشأن. فـ”قجة باسيل” تحمل الكثير من التسليف للاميركيين. فرئيس تكتل لبنان القوي كان خلف التعديل الخطير في نص القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي جدّد مهمة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان لمدة سنة وتضمن تعديلاً لدوره، هذا فضلا عن انه يراهن في المرحلة المقبلة على التعاون مع واشنطن في ملف الطاقة، وابلغ ذلك إلى السفيرة الأميركية دوروثي شيا، مع تشديد الأوساط نفسها على ان باسيل نفسه هو من ادار مفاوضات الترسيم مع الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، وان نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب قام بتقديم افكار وطروحات رئيس تكتل لبنان القوي الذي التقى هوكشتاين مرات عدة داخل لبنان وخارجه.
لكن هل يتمتع باسيل بفرصة الحد الادنى للوصول الى القصر الجمهوري؟
من بعبدا قال باسيل في معرض جوابه على سؤال لأحد الصحافيين حول ترشحه للرئاسة الأولى” إنه يسير على المازوت”. فهو يتأنى في اتخاد قرار كهذا كي لا يقع ويخسر ما يطمح اليه على المستوى الرئاسي. وأمس أعلن أنه ليس مرشحا في الوقت الحالي. وفق المقربين منه، يحسب نائب البترون خطواته جيدا. لن يعرض نفسه للاحتراق سياسياً. سوف يستفيد من المتغيرات الخارجية وتقاطعاتها داخليا ليبني على الشيء مقتضاه. اليوم الفرصة غير متاحة لكن بعد أشهر قد تطرأ وقائع جديدة.
وعليه، ان احتمال ترشح باسيل لرئاسة الجمهورية لو حدث، سيشكل معطى جديدا عند حزب الله. لن يغير في مقاربة الحزب الاستراتيجية للملف الرئاسي. لكن الامور على المستوى التكتيكي سوف تتبدل في حارة حريك. لكن الاكيد ان اي ترشح جدي لباسيل لن يتظهر الى العلن قبل أن تنضج الظروف الخارجية لكي يقارب الملف على مستوى الداخل.
ان باسيل اليوم، بحسب الاوساط السياسية نفسها، بأمس الحاجة لعودة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى بيروت واعادة ترتيب العلاقة معه من جديد، ليقينه ان الحريري يشكل له الباب السني للعبور الى قصر بعبدا، خاصة وان الاخير لا يزال يتمتع بحيثية شعبية ورغم انه لم يخض الانتخابات لكن ثمة عدد من النواب السنة تربطهم به علاقة جيدة . وبالتالي سيكون باسيل بهذه الحالة امام معادلة جديدة تدحض معادلة سابقة وضعها هو نفسه قبل سنوات عندما صعد في وجه تكليف الحريري لرئاسة الحكومة وعطل التأليف لعدم مشاركته في الحكومة، فهو اليوم يعتبر ان عودة الحريري الى السلطة تشكل له الممر الالزامي ليحمل لقب فخامة الرئيس. وفي هذا الاطار كان لافتاً تعمد الرئيس عون عدم التصعيد في وجه الحريري علما انه كان رئيسا للحكومة من 2017 الى 2019، قائلا إنّ “بري قال لي بأنه لن يدع الرئيس (رئيس الوزراء السابق) سعد الحريري يحكم لأنه زعبر عليه (كذب عليه)، ربما لم يرد أن يقول لي إنه لن يدعني أحكم، فقالها عن الحريري، ولكن الهدف نفسه، وهو تعطيل الحكم، وعندها انتهى الحديث، وهذا ما حصل باختصار”، مضيفا سعد الحريري محروم من ترؤس الحكومة، ولم تحصل بيننا أي خلافات، برغم بعض التباينات أحياناً في وجهات النظر”.
لا احد يمكنه الجزم بمآل الامور في الاشهر المقبلة. فالتفاهمات الخارجية والتسويات يمكنها ان تقلب الموازين والمعادلات بسرعة قياسية في الداخل. وما كان غير متوقع قد يصبح في متناول اليدين. لكن الثابت حتى الان ان الحريري ليس في وارد العودة قريباً.المقربون منه يقولون: المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. ما زرعه رئيس التيار الوطني الحر يحصده، ولن يدخل قصر بعبدا، طالما ان الحريري خارج لبنان ولو عاد. والثابت ايضا أن باسيل يطرح في الوقت الضائع اسماء لا يمكن ان يسير بها حزب الله قبل سواه ، فالحزب يتحدث عن رئيس توافقي ليس محسوبا عن محور دون الاخر مع تقاطع الخارج حول اسمه، اذا فشل في إيصال رئيس تيار المرده سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة.
المصدر: “لبنان 24”